إلفيرا نابيولينا.. امرأة تقود اقتصاد الحرب في روسيا (بروفيل)

للمرة الثانية في أقل من عقد من الزمان، تقود إلفيرا نابيولينا محافظ البنك المركزي الروسي، الاقتصاد الروسي في ظل ظروف سياسية عصيبة.
في عام 2014، وفي مواجهة انهيار الروبل وارتفاع معدلات التضخم بعد عام واحد تقريبًا من توليها رئاسة البنك المركزي لروسيا، أجبرت نابيولينا المؤسسة على الدخول في العصر الحديث بفعل السياسة الاقتصادية من خلال رفع أسعار الفائدة بشكل حاد، وآنذاك أدت هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر السياسية إلى تباطؤ الاقتصاد وترويض الأسعار المرتفعة، ما جعلها تكتسب سمعة دولية كصانع قرار صعب.
في عالم محافظي البنوك المركزية، من بين الكوادر المكلفة بمراقبة الأسعار واستقرار الأنظمة المالية، أصبحت «نابيولينا» نجمة صاعدة لاستخدامها السياسات التقليدية لإدارة اقتصاد جامح مرتبط غالبًا بسعر النفط، وفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز».
وفي عام 2015، حصلت على لقب محافظ البنك المركزي للعام من قبل مجلة «Euromoney» بعد ثلاث سنوات، إذ قالت كريستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي حينها، أن نابيولينا يمكنها أن تجعل «البنوك المركزية تغني».
والآن يقع على عاتق «نابيولينا»، 58 عامًا، مسؤولية توجيه الاقتصاد الروسي خلال ركود عميق، والحفاظ على نظامها المالي بمعزل عن معظم العالم سليمًا، ليأتي هذا التحدي بعد سنوات أمضتها في تعزيز الدفاعات المالية لروسيا ضد نوع العقوبات القوية التي تم فرضها ردًا على عدوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا.
وقادت إلفيرا نابيولينا الانتعاش غير العادي للعملة الروسية، التي فقدت ربع قيمتها في غضون أيام من غزو أوكرانيا في 24 فبراير، حيث اتخذ البنك المركزي إجراءات صارمة لمنع مبالغ كبيرة من الأموال من مغادرة البلاد، ووقف حالة الذعر في الأسواق ووقف التهافت المحتمل على النظام المصرفي.
وفي أواخر إبريل، صدق البرلمان الروسي على نابيولينا، لمدة خمس سنوات أخرى كرئيسة بعد أن رشحها بوتن للولاية الثالثة.
العلاج المر
في أزمتها الأخيرة، حولت «نابيولينا» كارثة إلى فرصة، حيث تعرضت روسيا لصدمات اقتصادية مزدوجة في 2014 تمثلت في انهيار في أسعار النفط بسبب قفزة في الإنتاج الأمريكي ورفض المملكة العربية السعودية خفض الإنتاج، مما أضعف عائدات النفط الروسية والعقوبات الاقتصادية المفروضة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
وحين انخفض الروبل تخلت «نابيولينا» عن السياسات التقليدية مثل إنفاق كميات هائلة من احتياطيات العملات الأجنبية لدعم سعر الصرف وحولت تركيز البنك إلى إدارة التضخم، ورفعت أسعار الفائدة إلى 17 في المائة، وظلت مرتفعة نسبيًا لسنوات.
وتعد هذه العملية من عمليات التكيف المؤلمة، وأدت إلى انكمش الاقتصاد لمدة عام ونصف، ولكن بحلول منتصف عام 2017، كانت قد تمكنت من إدارة شيء كان يبدو بعيد المنال قبل بضع سنوات فقط ويتمثل في انخفض معدل التضخم إلى أقل من 4 في المائة، وهو أدنى مستوى في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي في البلاد.
وتحت إشرافها، واصل البنك المركزي الروسي جهود التحديث وتحسنت اتصالاته من خلال جدولة قرارات السياسة الرئيسية، وتقديم إرشادات حول السياسة، والاجتماع مع المحللين وتقديم مقابلات مع المراسلين، وأصبح يُنظر إليه على أنه العقل الاقتصادي الرئيسي للبلاد، حيث يجتذب الاقتصاديين المرموقين من القطاع الخاص.
قيادة اقتصاد الحرب
بعد أن أمضت السيدة نابيولينا ما يقرب من عقد من الزمان في بناء سمعة طيبة لكبح التضخم وجلب السياسة النقدية التقليدية إلى روسيا، أجبرتها العقوبات المالية الغربية التي فُرضت بعد غزو أوكرانيا بسرعة على التخلي عن سياساتها المفضلة، لتثبت نجاحها مجددًا، إذ ضاعفت معدل الفائدة إلى أكثر من الضعف، بواقع 20% واستخدمت ضوابط رأس المال لتقييد بشدة تدفق الأموال إلى خارج البلاد وإغلاق تداول الأسهم في بورصة موسكو وخففت اللوائح على البنوك حتى لا يتوقف الإقراض.
هذه الإجراءات أوقفت الذعر الأولي وساعدت الروبل على الانتعاش، لكن تم رفع ضوابط رأس المال جزئيًا فقط.
في 29 أبريل خفض البنك سعر الفائدة إلى 14%، في إشارة إلى أنه كان يتحول من إخماد إعصار مالي إلى محاولة التقليل من التأثير المطول للعقوبات على الأسر والشركات مع تسارع التضخم واضطرار الشركات إلى إعادة اختراع سلاسل التوريد الخاصة بهم بدون بضائع مستوردة.
الآن، وفي الوقت الذي تتجه فيه البنوك المركزية في دول العالم إلى رفع سعر الفائدة البنكية للسيطرة على التضخم العالمي، أعلن البنك المركزي الروسي عن قراره بتخفيض سعر الفائدة بنحو 300 نقطة لتصل إلى 11٪ مقابل 14٪ سابقا.