معرض يوثق تاريخ «الإسكندرية السينمائى» خلال 125 عامًا

احتفى مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى، فى دورته ال37، والتى اختتمت فعالياتها مؤخرا، بمناسبة مرور 125 عاما على انطلاق أول عرض سينمائى شهدته مصر، ل«الأخوين لومير»، والذى أقيم بالإسكندرية فى مقهى «زوانى» يوم 6 يناير 1896، بعد أيام من أول عرض فى العالم فى «الجرايد كافيه» فى باريس فى 25 ديسمبر 1895.
الاحتفال جاء مختلفا وبطريقة غير معتادة فى المهرجانات السينمائية المصرية، من خلال معرض «ذاكرة الإسكندرية السينمائية»، الذى افتتحه الناقد السينمائى الأمير أباظة، رئيس المهرجان، بمشاركة ضيوف المهرجان من مصر والعالم العربى ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، برعاية جمعية كتاب ونقاد السينما، وإعداد الكاتب الصحفى محمد المالحى، وضم بين جنباته وثائق وصورا نادرة لسنوات المجد الذهبى، لصناعة السينما فى المدينة الساحلية، بالتعاون مع الباحث والمؤرخ مكرم سلامة، أحد أهم جامعى الوثائق والأرشيفات فى مصر والعالم العربى.
قال الكاتب الصحفى، محمد المالحى، منسق ومعد المعرض، فى تصريح خاص ل«المصرى اليوم»: شمل المعرض وثائق وصورا وأرشيفات أصلية، تبلغ نحو 50 وثيقة نادرة، تعرض لأول مرة للجمهور وعشاق الفن السابع، تشمل رخصتى عرض سينمائى نادرتين، تعود إحداهما لعام 1899، بسينما «الهمبرا» بمحطة الرمل، وأخرى بتياترو «عباس حلمى» لعرض أفلام سينمائية أيضا، وتعود لعام 1898، لتشغيل ماكينة «سينموغرافيا» و«ألعاب سينماوية» فى إشارة للفن والصناعة الوليدة آنذاك. كذلك عقود توزيع عدد من الأفلام السينمائية بدور العرض فى الإسكندرية، خلال الفترة من عام 1937 حتى عام 1967، إضافة لبعض أفيشات وملصقات الدعاية النادرة بالصحف المختلفة، للأفلام التى عرضت خلال بدايات القرن الماضى فى الثغر.
إضافة ل«Making» فوتوغرافى نادر لكواليس فيلم «صراع فى الميناء» إنتاج عام 1956، للمخرج العالمى الراحل يوسف شاهين، السكندرى الأصل، يضم صورا ومشاهدات نادرة خلف الكاميرا لأبطاله، على رأسهم عمر الشريف وفاتن حمامة وأحمد رمزى، يملكك «مكرم» النيجاتيف الخاص بالماكينج، الذى عثر عليه منذ عدة سنوات لدى صالة مزادات فى القاهرة، ضمن أرشيف المنتج الراحل، جبرائيل تلحمى، منتج أهم أفلام «شاهين» فى حقبتى الخمسينات والستينات، وبينها «باب الحديد» و«صراع فى الوادى».
وأضاف «المالحى»: الناقد السينمائى عصام زكريا، المدير الفنى للمهرجان، هو صاحب فكرة المعرض، وبمجرد عرضها على الناقد السينمائى الأمير أباظة، رئيس المهرجان، رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما، رحب بها بقوة، وقدم كل الدعم لتنفيذها، باعتبارها توثيقا لتاريخ المدينة السينمائى الذهبى، فى السنوات الأولى لصناعة السينما فى مصر، واستغرق تنفيذها قرابة 3 أشهر، فى رحلة البحث عن الوثائق وإقناع أصحابها بالمشاركة فى المعرض.
وتابع: «واجهتنى خلال رحلة البحث عن الوثائق عقبة أنها لا تخص تاريخ (الثغر) واهتمام أصحابها بالقاهرة فقط، واقتصارها على فترتى الخمسينات والستينات فقط، وتغافل السنوات الأولى لصناعة السينما، إضافة لرفض جامعى الوثائق والأرشيفات، الكشف عنها بشكل قاطع، خشية مصادرة مقتنياتهم، كذلك رفضهم التعامل مع أى جهة رسمية أو حكومية».
واستطرد: الوحيد من جامعى الوثائق الذى رحب بالفكرة وتعاون لتنفيذها، هو الباحث والمؤرخ مكرم سلامة، الذى يعتبر أحد أهم جامعى الوثائق والأرشيفات فى مصر والعالم العربى، والذى سبق له إهداء مكتبة الإسكندرية الآلاف من الوثائق، بينها وثائق الدائرة السنية- أملاك الخديو إسماعيل- وخرائط إنشاء السكك الحديدية فى مصر، وأرشيف كامل للمخرج المصرى اليهودى الإيطالى توجو مزراحى، وغيرها من الوثائق النادرة.
وأشار إلى أنه خلال عملية البحث فى الوثائق والأرشيفات النادرة لدى مكرم سلامة، عثر على عدد هائل من عقود توزيع وعرض الأفلام فى دور العرض السينمائى بالإسكندرية، تؤكد أن غالبية أحياء المدينة كان يوجد بها دور عرض سينمائى، للأسف غير موجودة حاليًا، حيث تعرضت قرابة 50 دار عرض للهدم والإغلاق، منذ بداية السبعينات وحتى الألفية الماضية.
وتابع «المالحى»: مناسبة تواجد دولة اليونان، كضيف شرف بالمهرجان، ضم المعرض «Making» فوتوغرافى- نادر أيضا- لأربعة أفلام يونانية نادرة، تم تصويرها ما بين الإسكندرية والقاهرة، للمخرج المصرى اليهودى الإيطالى الراحل، توجو مزراحى، وهى أفلام: دكتور إيبامينونداس، إنتاج عام 1937، الفتاة اللاجئة وعندما يكون الزوج غائبًا، إنتاج عام 1938، وكابتن سكوربيون إنتاج عام 1943.
وأضاف: وجدت لدى «العم مكرم» ماكينج فوتوغرافى نادر للأفلام التى أخرجها وأنتجها، توجو مزراحى، للسينما اليونانية، تظهر مراحل تصوير تلك الأفلام وكواليسها وأبطالها، حيث تم تصوير بعضها فى الاستوديو الخاص به، والذى كان يقع فى منطقة «باكوس» بالإسكندرية، ومكانه حاليا سينما «ليلى» المغلقة منذ عدة سنوات، وبمعاونة الناقد السينمائى عصام زكريا، تم التواصل مع «ينى ميلا خرينودى» الملحق الثقافى السابق بالسفارة اليونانية بالقاهرة، لمعرفة ماكينج كل فيلم، خاصة أن عددا من تلك الأفلام غير موجود على شبكة «اليوتيوب» والمتاح عنهم من معلومات على شبكة الإنترنت ضئيل للغاية.
واستطرد: بحسب كتاب «اليونانيون فى السينما المصرية» الصادر عن مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، فى 2003، ل«ينى خرينودى»، فان توجو مزراحى أنتج وأخرج 4 أفلام يونانية، حيث اعتادت الفرق المسرحية اليونانية فى بداية القرن الماضى أن تنهى موسمها بجولة كبيرة خارج اليونان، حيث تقدم مسرحياتها للجالية اليونانية فى الدول المختلفة، وبينها مصر، باعتبار أن اليونانيين كانوا الجالية الأكبر عددا.
وتابع: فى عام 1937 كانت فرقة الشقيقات كالتوس، تقوم بجولتها فى مصر، وتقدم إليهن مزراحى بسيناريو فيلمه الكوميدى «الدكتور فرحات» الذى سبق أن عرضه عام 1935، مترجما إلى اللغة اليونانية، باسم «دكتور إيبامينونداس»، واقترح أن يقوم بإنتاج وإخراج الفيلم ويقوم أعضاء الفرقة من الممثلين اليونانيين بتمثليه وهو ما تم فعليا، وعرض الفيلم باليونان وحقق نجاحا كبيرا.
مضيفا: «فى عام 1938 تقدمت صاحبة أكبر الفرق المسرحية اليونانية، الفنانة صوفيا فمبو، إلى مزراحى بسيناريو فيلم (الفتاة اللاجئة)، وقام بإنتاجه وإخراجه، ونجح الفيلم ايضا نجاحا كبيرا وقتها، وفى نفس العام تقدمت فرقة (الشقيقتان كالتوس) لمزراحى بسيناريو فيلم (عندما يكون الزوج غائبًا) وقام بإنتاجه وإخراجه أيضا، وفى عام 1943 قام مزراحى بإنتاج وإخراج فيلم (الكابتن عقرب)، فى صورة طبق الأصل من فيلمه (البحار) الذى قام بإنتاجه وإخراجه عام 1935 وقام ببطولته الثنائى فؤاد وإحسان الجزايرلى وقتها».
وأشار إلى أن المفاجأة أن تلك الأفلام كان عرضها الأول فى دور العرض السينمائى فى الإسكندرية، بحكم تواجد الجالية اليونانية وقتها، باعتبارها أكثر الجاليات عددًا فى المدينة الساحلية، وكان عرضها الثانى فى دور بالقاهرة ثم اليونان، وهو ما يكشف لأى مدى كانت «عروس المتوسط» مركزًا وعنصرًا فاعلًا فى صناعة السينما، حتى منتصف أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، قبل انتقال الصناعة للقاهرة بحكم المركزية.