عقد من الحرب يدمر كنوز سوريا التاريخية

خلفت 10 سنوات من الحرب الأهلية في سوريا مئات آلاف القتلى، وغيرت وجه البلاد الحضارى والتاريخى، وأتت على معالم أثرية عريقة وقضت على تراث رمزى ثمين دون رجعة، فسوريا التي كانت تفخر بكونها مهد حضارات الكنعانيين والأمويين، مرورا باليونانيين والرومان والبيزنطيين، وبمواقعها الأثرية في تدمر وحلب وإدلب ودرعا ودمشق، تعرض تراثها الثقافى إلى دمار غير مسبوق، ونُهبت قطع أثرية ومتاحف كانت تحفظ بين جدرانها روايات من التاريخ.
وروى مدير متحف تدمر العريق في وسط البادية، خليل حريرى، معاناته مع فريقه لإنقاذ قطع أثرية قبل وقوعها، وكنوز أخرى في أيدى «داعش» الذي استولى على المنطقة في 2015، موضحا أنهم حوصروا داخل المتحف، ولكن التنظيم دمر وخرب أفضل متاحف سوريا، وكسّر وحطّم وجوه التماثيل، ويعود تاريخ مدينة تدمر، المعروفة ب«لؤلؤة الصحراء» أو «عروس البادية»، إلى أكثر من 2000 عام وهى مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمى الإنسانى، وفى 129 منح الإمبراطور الرومانى أدريان تدمر وضع «المدينة الحرة»، وعرفت آنذاك باسمه «أدريانا بالميرا»، وعاشت عصرها الذهبى في القرن الثانى بعد الميلاد.
وعرفت المدينة أوجّ ازدهارها في القرن الثالث في ظل حكم الملكة زنوبيا، لكن وحشية «داعش» خرّبت المدينة، فدمر الإرهابيون تمثال أسد أثينا الشهير، ومعبدى بعل شمين وبل بالمتفجرات، ودمروا عدة مدافن برجية، وحولوا قوس النصر الشهير إلى رماد، واستخدموا المسرح الرومانى لتنفيذ عمليات إعدام جماعية، وقطعوا رأس مدير الآثار السابق للمتاحف في المدينة خالد الأسعد، وعلقوا رأسه على عمود كهرباء بعدما عذبوه لمعرفة مكان القطع الأثرية، ووصف مؤرخون ما حدث لتراث سوريا بأنه «كارثة ثقافية» تشبه ما فعله المغول على يد قائدهم تيمورلنك عام 1400، الذي ذبح آلاف من سكان حلب قبل غزوها، وهى إحدى أفضل المدن القديمة المصنفة على قائمة التراث العالمى، ولكنها تعرضت للحصار مما أدى إلى انتشار الدمار بها، وبخاصة سقوط مئذنة الجامع الأموى واحتراق الأسواق العريقة. وقال مدير عام للآثار والمتاحف السورى، عاصر مأمون عبدالكريم: «منذ نحو 2000 سنة، لم يمرّ في تاريخ سوريا أسوأ مما مرّ خلال الحرب، إنها حالة شمولية من الدمار»، وقدّر عبدالكريم حجم الدمار ب10% من تراث البلاد الأثرى، وبخلاف «التراث المنقول» ومقتنيات المتاحف، تعرّضت المواقع الثابتة لأضرار كبيرة، خصوصاً المدينة القديمة في حلب وتدمر.
وذكرت مؤسسة جيردا هنكل والجمعية السورية لحماية الآثار، ومقرها باريس، أن أكثر من 40 ألف قطعة أثرية نُهبت من المتاحف والمواقع الأثرية، مقابل عشرات ملايين الدولارات للمهربين ولمسلحى «داعش» والفصائل المقاتلة، وأنشأ «داعش» قسماً خاصاً لأعمال التنقيب في المواقع الأثرية، وتفشت سرقة ونهب وتهريب الآثار بسبب الفوضى التي طالت العملات المعدنية والتماثيل مما أدى إلى انتعاش سوق سوداء للآثار، مما كبد سوريا خسائر فادحة في ثروتها الأثرية التي كانت قبلة السياح في العالم، ففيها 6 مواقع مدرجة على قائمة «يونسكو»، لم يبق أي منها بمنأى عن أضرار الحرب.