مسرع «الابتكار الدفاعي» للناتو يطلق فرصًا جديدة للمبتكرين عالميا لتطوير تقنيات الجيل القادم    نشاط مكثف للرئيس السيسي اليوم (فيديو وصور)    الخارجية تكشف موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مشروع الضبعة النووي    المجلس العلمي للرياضة يعقد أولى جلساته بالمركز الأولمبي    3 مرشحين لخلافة إنزاجي في إنتر ميلان    إحالة أوراق ربة منزل ونجار لفضيلة المفتي بتهمة قتل شاب بالقليوبية    أول تعليق من كارول سماحه عقب عودتها لإحياء الحفلات الغنائية بعد وفاة زوجها    مدير تلال الفسطاط يستعرض ملامح مشروع الحدائق: يتواءم مع طبيعة القاهرة التاريخية    «ربنا مايكتب وجع لحد».. تامر حسني يكشف تفاصيل تعرضه ونجله لأزمة صحية ودخولهما المستشفى    أرامكو السعودية تنهي إصدار سندات دولية ب 5 مليارات دولار    يامال: لا أفكر في الكرة الذهبية.. ومن المستحيل أن ألعب ل ريال مدريد    الإصلاح والنهضة: 30 يونيو أسقط مشروع الإخوان لتفكيك الدولة ورسّخ الوعي الوطني في مواجهة قوى الظلام    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على قرارات ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم    جوعى غزة في بئر ويتكوف    بعد مدها.. آخر موعد لحجز شقق «سكن لكل المصريين 7» والأوراق المطلوبة والشروط    طرح البرومو الرسمي لفيلم "في عز الضهر".. وهذا موعد عرضه في السينمات    إيساف: «أبويا علّمني الرجولة والكرامة لو ماعييش جنيه»    اغتنم أجرها.. أدعية إفطار الصائم في العشر الأوائل من ذي الحجة    خالد الجندي: الحج المرفّه والاستمتاع بنعم الله ليس فيه عيب أو خطأ    ضربات الشمس في الحج.. الأسباب والأعراض والإسعاف السريع    شرح توضيحي للتسجيل والتقديم في رياض الأطفال عبر تعليم القاهرة للعام الدراسي الجديد.. فيديو    رئيس جهاز العاشر من رمضان يتدخل لنقل سائق مصاب في حريق بمحطة وقود إلى مستشفي أهل مصر للحروق    رئيس الوزراء الفلسطيني يدعو لوكسمبورج للاعتراف بدولة فلسطين قبيل مؤتمر السلام في نيويورك    رئيس جامعة المنوفية يترأس اجتماع اللجنة العليا لتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي المؤسسي    أهم أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد يهنئ نافروتسكي بفوزه بالانتخابات الرئاسية البولندية    تعرف على محطات الأتوبيس الترددي وأسعار التذاكر وطريقة الحجز    الثلاثي الذهبي للكاراتيه ينتزع جائزة «جراند وينر» من الاتحاد الدولي    ديلي ميل: إلغاء مقابلة بين لينيكر ومحمد صلاح خوفا من الحديث عن غزة    واشنطن بوست: فوز ناوروكي برئاسة بولندا تعزز مكاسب اليمين في أوروبا    هل يجوز للمرأة ذبح أضحيتها بنفسها؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    في رحاب الحرم.. أركان ومناسك الحج من الإحرام إلى الوداع    موعد أذان مغرب الاثنين 6 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب الواردة في عشر ذي الحجة    مياه الفيوم تطلق حملات توعية للجزارين والمواطنين بمناسبة عيد الأضحى المبارك    مدينة الأبحاث العلمية تطلق سلسلة توعوية بعنوان العلم والمجتمع لتعزيز الوعي    رئيس جامعة بنها: توفير استراحات تراعي كافة فئات الطلاب    البحوث الفلكية ل"الساعة 6": نشاط الزلازل داخل مصر ضعيف جدا    بريطانيا: الوضع في غزة يزداد سوءًا.. ونعمل على ضمان وصول المساعدات    عبد الرازق يهنىء القيادة السياسية والشعب المصري بعيد الأضحى    أشرف سنجر ل"الساعة 6": مصر تتحمل الكثير من أجل الأمن القومى العربى وفلسطين    «أجد نفسي مضطرًا لاتخاذ قرار نهائى لا رجعة فيه».. نص استقالة محمد مصيلحى من رئاسة الاتحاد السكندري    «صحة الاسكندرية» تعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى    يديعوت أحرونوت: وفد إسرائيل لن يذهب إلى الدوحة للتفاوض    وزير الثقافة ينفي إغلاق قصور ثقافية: ما أُغلق شقق مستأجرة ولا ضرر على الموظفين    تسرب 27 ألف متر غاز.. لجنة فنية: مقاول الواحات لم ينسق مع الجهات المختصة (خاص)    تخفي الحقيقة خلف قناع.. 3 أبراج تكذب بشأن مشاعرها    الهيئة العامة للأوقاف بالسعودية تطلق حملتها التوعوية لموسم حج 1446    السجن 3 سنوات لصيدلى بتهمة الاتجار فى الأقراص المخدرة بالإسكندرية.. فيديو    للمشاركة في المونديال.. الوداد المغربي يطلب التعاقد مع لاعب الزمالك رسميا    السيسي: ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    «التضامن»: انطلاق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة لتعزيز دور رجال الدين في بناء الأسرة المصرية    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    لطيفة توجه رسالة مؤثرة لعلي معلول بعد رحيله عن الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقيهان ضد التيار (3-3).. الإمام الفقيه نجم الدين الطوفى
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 11 - 2011

اتسم موقف الفقه التقليدى من المصلحة بطبيعة متراوحة، فهو يُقر بأن المصلحة أصل له قيمته، وأن القرآن الكريم نص على ذلك مراراً وتكراراً، وأن الله تعالى الذى خلق الإنسان يعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، لابد أنه أدرى من الإنسان نفسه بمصلحته، وأنه ضمن المصلحة بما جاء من أحكام مما يعنى أن ليس للمصلحة أحكام يكون عليهم استدراكها، ومن هنا اتصف كلام الفقهاء عن المصلحة بنوع من الاقتضاب.
ولما كانت مهمة «الطوفى» فى تفسير حديث «لا ضرر ولا ضرار» هى إيجاب المصلحة وإبعاد المفسدة وكان باتجاهه المعتزلى يؤمن بالتحسين والتقبيح العقليين فإنه ضاق بهذا الأسلوب الفقهى المراوغ «نعم إن القرآن يعترف بالمصلحة.. ولكن المصلحة نفسها متضمنة فى القرآن». ضاق «الطوفى» بهذا المبدأ لأنه بدأ من المصلحة نفسها فانتهت به إلى أن القرآن يتفق معها دون أن يكون للمصلحة كيانها الخاص، وكان هذا هو السر فى جرأة وصراحة الفقهاء فى الانتقاد عليه عندما قال إن المصلحة هى المقصد الأسمى للشارع.
وكان «الطوفى» ذكياً وفطناً عندما حصر مبدأه فى مجال المعاملات الدنيوية ونحوها دون العبادات وشبهها «لأن العبادات حق للشرع خاص به، ولا يمكن معرفة حقه كماً وكيفاً وزماناً ومكاناً إلا من جهته، فيأتى به العبد على ما رسم له، ولأن غلام أحدنا لا يُعد مطيعاً خادماً له إلا إذا امتثل ما رسم له سيده، وفعل ما يعلم أنه يرضيه، فكذلك ههنا، ولهذا لما تعبدت الفلاسفة بعقولهم ورفضوا الشرائع، أسخطوا الله عز وجل، وضلوا وأضلوا، وهذا بخلاف حقوق المكلفين فإن أحكامها سياسية شرعية وضعت لمصالحهم، فكانت هى المعتبرة، وعلى تحصيلها المعول.
ولا يقال إن الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته، لأنا قد قررنا أن رعاية المصلحة من أدلة الشرع، وهى أقواها وأخصها، فلنقدمها فى تحصيل المصالح».
مع هذا وأنه فى فكرته عن المصلحة يقصرها على الدنيويات دون أن يتعرض للإلهيات فقد ثار عليه المجتمع الإسلامى وقتئذ، وعندما زار مصر فإن السلطات نفته إلى إحدى مدن الصعيد، ولم يشذ واحد من الفقهاء فى الحملة عليه، وكان أشدهم الشيخ زاهد الكوثرى وهو عالم تركى هاجر من تركيا عندما اضطهد مصطفى كمال أتاتورك الشيوخ وألغى الخلافة، فقال «ومن جملة أساليبهم يقصد المرجفين فى محاولة تغيير الشرع بمقتضى أهوائهم قول بعضهم إن مبنى التشريع فى المعاملات ونحوها المصلحة، فإذا خالف النص المصلحة يترك النص ويؤخذ بالمصلحة، فيالخيبة من ينطق بمثل هذه الكلمة ويجعلها أصلاً يبنى عليه شرعه الجديد، وما هذا إلا محاولة نقض الشرع الإلهى لتحليل ما حرفه الشرع باسم المصلحة. فسل هذا الفاجر ما هى المصلحة التى تريد بناء شرعك عليها؟ إن كانت المصلحة الشرعية فليس لمعرفتها طريق غير الوحى حتى عند المعتزلة الذين يُقال عنهم إنهم يحكّمون العقل، وإن كنت تريد المصلحة الدنيوية على اختلاف تقدير المقدرين فلا اعتبار لها فى نظر المسلم عندما يخالفها النص الشرعى إذ العقل كثيراً ما يظن المفسدة مصلحة بخلاف الشرع، وأما المصلحة المرسلة وسائر المصالح المذكورة فى كتب الأصول وكتب القواعد ففيما ما نص فيه باتفاق بين علماء المسلمين، فلا يتصور الأخذ بها عند مخالفتها بحجج الشرع».
وأول من فتح باب هذا الشر شر إلغاء النص باعتباره مخالفاً للمصلحة هو النجم الطوفى الحنبلى فإنه قال فى شرح حديث «لا ضرر ولا ضرار» إن رعاية المصلحة مقدمة على النص والإجماع عند التعارض.
ومن الذى ينطق ينطق لسانه بأن المصلحة قد تعارض حجج الله من الكتاب والسُّنة والإجماع؟ إن القول بذلك قول بأن الله لا يعلم مصالح عباده فكأنه أدرى بها حتى يتصور أنه تعارض مصالحهم الأحكام التى دلت عليها أوامر الله المبلغة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، سبحانك هذا إلحاد مكشوف، ومن أعار سمعاً لمثل هذا التقول فلا يكون له نصيب من العلم ولا من الدين.
«وليست تلك الكلمة غلطة فقط من عالِم حسن النية تحتمل التأويل، بل فتنة فتح بابها قاصد شر.. ومثير فتن» (انتهى).
ومع قسوة هذه الكلمات فإن اتجاهات الفقهاء المعاصرين وإن كانت أقل حدة إلا أنها فى إجمالها تذهب إلى أن «الطوفى» أخطأه التوفيق وغلب عليه الغلو، حتى وإن كان أحد الأعلام الثلاثة فى المذهب الحنبلى وهم ابن تيمية وابن القيم، وذهب الشيخ أبوزهرة إلى أن اتجاه «الطوفى» إنما يعود إلى أنه كان شيعياً.. والشيعة يرون أن النص ما زال قابلاً للنسخ وأنه «رأى شاذ بين علماء الجماعة الإسلامية عموماً.. وعلماء المذهب الحنبلى خصوصاً».
كما أن الشيخ عبدالوهاب خلاف رأى «أن الطوفى قد فتح باباً للقضاء على النصوص وجعل حكم النص أو الإجماع عرضة للنسخ بالرأى، لأن اعتبار المصلحة ما هو إلا مجرد رأى أو تقدير، وربما قدر العقل مصلحة وبروية والبحث قدرها مفسدة، فتعريض النصوص لنسخ أحكامها بالآراء وتقدير العقول خطر على الشرائع الإلهية وعلى كل القوانين، ثم هو قد سلم بأن العبادات والمقدرات لا مجال للاصطلاح فيها، وسلم بأن الأحكام الكلية التى شُرعت لحفظ الضروريات والحاجيات لا مجال فيها أيضاً للاصطلاح لأنها متفقة دائماً والمصلحة، ولم يورد أى مثال لجزئية ورد نص بحكمها وعارض هذا الحكم المصلحة ليتبين مقدار المصلحة فى رأيه وعلى أى ضوء يقدرها».
ورأى الشيخ على حسب الله «أن فى رأى الطوفى مغالاة وافتراضاً لما يبعد وقوعه من تعارض المصلحة المحققة مع النص المقطوع به».
وقد عالج الأستاذ الشيخ محمد أبوزهرة قضية المصلحة عند «الطوفى» فى كتابه «أحمد بن حنبل» باعتبار «الطوفى» حنبلياً بنوع من التفصيل نقتبس منه: «لقد اتفق الذين قالوا إن المصلحة أصل قائم بذاته يؤخذ به حيث لا نص فى الموضع على أنه حيث وجدت المصلحة المحققة أو التى يغلب على الظن وجودها فهى مطلوبة، وإنما موضع النزاع فى التعارض بين المصلحة المحققة والنص القاطع فى سنده ودلالته، لقد فرض الطوفى أن التعارض يتحقق وأنه يقدم المصلحة على ذلك النص، وقرر المالكيون ومن سلك مسلكهم من الحنابلة غير الطوفى أن المصلحة ثابتة حيث وجد النص، فلا يمكن أن يكون هناك مصلحة مؤكدة أو غالبة والنص القاطع يعارضها، إنما هى ضلال الفكر أو نزعة الهوى أو غلبة الشهوة أو التأثر بحال عارضة غير دائمة أو منفعة عاجلة سريعة الزوال أو على التحقيق منفعة مشكوك فى وجودها، وهى لا تقف أمام النص الذى جاء عن الشارع الحكيم، وثبت ثبوتاً قطعياً لا مجال للنظر فيه ولا فى دلالته، أما إذا ثبت الحكم بنص قد ثبت بالظن إذا كان الاحتمال فى سنده أو كانت دلالته ظنية، فقد قرر أحمد بن حنبل رضى الله عنه أن النص أولى بالاعتبار والمصلحة لحقيقة فيه وما عارضه توهم مصلحة كيفما كان.
وأما مالك فقد أوثر عنه أنه يخصص ما يثبت بالظن بالقياس إن تضافرت شواهد القياس واعتمد على أصل مقطوع به، والمصلحة عنده من ذلك الصنف إن ثبتت بطريق قطعى إذ يكون بين أيدينا أصلان متعارضان أحدهما فى سنده ودلالته، والآخر قطعى فى دواعيه وثبوته، وفى هذه الحال يقدم القطعى على الظنى وإن كان النص قرآناً ظنى الدلالة خصص، وإن كان خبر آحاد يكون هذا تضعيفاً لنسبته عن طريق الشذوذ فى متنه لأنه إن خالف مصلحة راجحة مؤكدة يكون مخالفاً لمجموع الشواهد الشرعية المثبتة لطلب المصالح ودفع المضار.
لقد أتعب هؤلاء السادة أنفسهم فى التحقيق والتفصيل والتفضيل، فى حين أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أراحهم عندما قال «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، ومادام «الطوفى» قصر آراءه وأحكامه على «دنياكم» فلا إشكال.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.