ميمي الشربيني.. كبير المعلقين الذي بنى إمبراطوريته بفلسفته الخاصة

كرة القدم فن، عالم ساحر بكل تفاصيلة المتناقضة، لحظات الحزن والانكسار، الضحك، الغضب، الكره، الحب، الرغبة في البكاء.. المباريات تشبه مشاهدة مسرحية جمهورها لا يختلف كثيراً، عدد ممثليها 22 من اللاعبين ومعهم مجموعة من الأجهزة الفنية جميعهم بارعون في التمثيل يؤدون أدوارهم بإتقان لكن هذه الفنون عادة ما تحتاج لشئ يزيدها جمالًا في كرة القدم مثلًا يبقى المعلق أحد أهم عناصر اللعبة نمنحه خيالنا وآذاننا لكي يحلق بها فوق الجميع نشم رائحة العشب ويلطخ العرق جبهتنا نصوب فنحرز هدفا.
ولا تكتمل متعة الكرة إلا في وجود معلق يملك من الخيال ما يفوق الجميع اللاعبين والمدير الفني لا يقل عن ماركيز أو نجيب محفوظ، ويملك نفس حماسنا روحنا وبكائنا وعبثيتنا ينقل كل التفاصيل دون أن نحتاج أعيننا يدرك متى يرفع صوته متى يبدأ النحيب ومتى يتوقف قبل أن يلهب حماسنا، ويملك شغفا ينافس به اللاعبين على أرض الملعب.
من بين هؤلاء يبرز اسم ميمي الشربيني وحدها منفردًا ومتفردًا بمدرسة تختلف مع الجميع، كل المباريات ممتعة بصوت ميمي الشربيني، العالم الذين يصنعه حين يعلق على مباريات الكرة ومصطلحاتها تصنع عالمًا مختلفًا إلى يومًا نتذكر تعليقاته الشهرية «من مواليد منطقة الجزاء - مارادونا يا جماعة مارادونا - اكسترا مهارات .. اكسترا حواس -كم كنتى قاسية ايتها الساحرة المستديرة - عنقود مهارات يابني»
لميمي الشربيني دون غيره فضل على كل الأجيال التي شاهدت المباريات بصوته، فقد جعل لكرة القدم قيمة مضافة وحقيقية ومنح التعليق على كرة القدم بعدًا آخر لم يصل إليه أحد لا في جيله ولا في الأجيال التي تلته، مدرسة بناها على مدار سنوات من العمل والاجتهاد.
يحكي لاعب الأهلي السابق كيف كان يستعد للمباريات في أحد حواراته الصحفية يقول: «تعودت منذ سنوات طويلة على التحضير لأي مباراة قبلها بأسبوع كامل وبعد ذلك يأتي دور تلقائية الأداء، مثل سير المباراة. فرضت المباراة عليّ في إحدى المرات أن أقول - بنى إمبراطوريته بفلسفته الخاصة - وغير ذلك من الكلمات التي يفرضها سياق المباراة مع الحضور الذهني للمعلق وخلفيته عن الحدث»
امتلك الشربيني مدرسة بفلسفة خاصة في التعليق مقدمات ومعلومات يبدأ في جمعها قبل المباراة بفترة كافية، يعرف كل شئ عن اللاعبين يبدأ المباراة بمقدمته المعروفة «سيداتي آنساتي سادتي، أسعد الله أوقاتكم بكل خير، وأهلاً ومرحبًا بكم معنا في هذه الأمسية الكروية حيثُ نلتقي معاً على الشاشة الصغيرة وأحداث إحدى اللقاءات الساخنة التي نترقبها جميعًا وينتظرها عشاق الفن الكروي الجميل، لقاء السحاب»، كلمات بسيطة وصوت مميز وخفة ظل لم تتوفر كثيرًا لغيره وإلى يومنا ما يزال كل المعلقين يحاولوا تقفي أثره.
بدأ ميمى الشربينى مشواره مع الكرة فى النادى المصرى القاهرى، ولفتت موهبته أنظار الكبيرين الأهلى والزمالك وسعى الأخير بقوة لضمه لصفوفه، لكن حبه للأهلى جعله يرفض هذا العرض، حتى نجح كشاف الأهلى التاريخى عبده البقال فى تحقيق حلمه بالانتقال للأهلى مع زميله وقتها طه إسماعيل، وأ طلق عليه المستكاوى لقباً جديداً هو «الألفة»..
المرحلة الأهم غير لعب الكرة والتدريب في حياة ميمي الشربيني كانت عندما نجح فى اختبار الإذاعة فى فبراير 1976 ليصبح أحد ألمع معلقى الكرة المصرية عبر تاريخها، ولهذه قصة يرويها الشربيني بنفسه في حوار تلفزيوني قديم.
في سنواتنا الأولى كنا نلعب الكرة في الشارع، وبعضنا كان يهوي التعليق كنت من بين هؤلاء استمع للمباراة بصوت محمود بدر الدين كان صوتًا عذبَا وهو أول من علق على مباريات الكرة المصرية ومن هنا جاء حبي، الذي عاش معي لسنوات طويلة، وفي مناقشاتي مع اللاعبين وتعليقي على المباريات، إحدى تلك الجلسات سمعني حمدي الكنيسي الإذاعي الشهير وعضو مجلس إدارة الأهلي.
أخذني الكنيسي إلى غرفة اللاعبين أخرج جهاز تسجيل ثم طلب مني التعليق على مباراة بين الأهلي والزمالك دون 20 عامًا كانت مباراة عادية بين فريقين شباب لكن تعليقاتي وتعاملي مع المباراة أبهر الكنيسي وجعله مندهشًا ثم بدأ في إشاعة موهبتي بين الجميع حتى عرف الجميع أن ميمي الشربيني معلق كرة.
كل الأجيال التي حضرت تعليق ميمي الشربيني على المباريات إلى يومنا ما تزال ممتنه لتلك المتعة التي منحها الرجل الذي احتفل بعيد ميلاده ال 83 بالأمس.