ضبط 625 كيلو "طحينة" مغشوشة داخل مخزن بالقليوبية    الرئيس السيسي يناشد القطاع الخاص الاستثمار في قطاع الزراعة    شراكة استراتيجية بين WE و«بي تك» لتوفير تجربة تسوق متميزة للعملاء    أسعار الحديد والأسمنت في السوق المصرية اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    تقرير: شدة إطلاق النار في غزة ستزداد بشكل كبير الأيام المقبلة    4 شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال مدينة غزة    بالفيديو والصور.. مصرع 4 أطفال وإصابة 35 اخرين اثر هجوم استهدف حافلة مدرسية في باكستان    التشكيل المتوقع لقمة يونايتد وتوتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    «حبة الكرز».. كيف علق جوارديولا على إهدار دي بروين لأسيست مرموش أمام بورنموث؟    صحيفة برازيلية: الأهلي ريال مدريد أفريقيا    بسبب سبرتاية قهوة.. التحريات تكشف عن تفاصيل حريق شقة بالهرم وإصابة سيدة    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث التعاون وصون التراث.. ويصطحبه في جولة بدار الكتب    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    الحل السحري لإنقاص الوزن.. طريقة الاستخدام الصحيح لخل التفاح (3 فوائد)    في لفتة إنسانية.. محافظ أسيوط يرافق سيدة إلى مستشفى الرمد ويوجه بعلاجها على نفقة التضامن    طالب بجامعة الجلالة يشارك في مؤتمر دولي للأمم المتحدة حول الأمن السيبراني    وزير بريطاني: لم يعد بوسعنا تحمل الهجوم الإسرائيلي على غزة    "القاهرة الفاطمية" ينجح في زراعة قرنية أعادت الإبصار لمريض يرى حركة اليد فقط    وزير الإسكان: بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات جنة للفائزين بمدينة القاهرة الجديدة    خلال 24 ساعة.. ضبط 417 قضية مخدرات 231 قطعة سلاح نارى وتنفيذ 85 ألف حكم    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    أحمد السقا يعلن انفصاله عن زوجته مها الصغير بعد 26 سنة زواج    عصمت داوستاشى رحلة فى نهر الفن والعطاء    تعرف على اسعار الفراخ اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 فى أسواق الإسكندرية    ارتفاع أسعار الدواجن في الأسواق اليوم 21-5-2025 (موقع رسمي)    «التضامن» تقر تعديل وقيد 6 جمعيات فى 4 محافظات    محمود الخطيب يرد على تساؤلات من أين يأتي الأهلي بأمواله؟    تفاصيل رحلة بيراميدز من القاهرة إلى جنوب أفريقيا لخوض نهائي دوري الأبطال    البيدوفيليا؟!    طريقة عمل الكيكة الإسفنجية في البيت، النتيجة مبهرة    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025 فى البنوك الرئيسية    أمريكا وتركيا تؤكدان التزامهما بوحدة سوريا وتعزيز الشراكة الثنائية    نادي مصري يقترب من التعاقد مع معلول.. ومفاجأة بشأن مصير رضا سليم    "جيو تيان" تبدأ تجاربها 2025.. الصين تطلق أول حاملة طائرات مسيرة فى العالم    مصرع 3 أطفال غرقًا فى حادثين منفصلين بترع مركز المراغة سوهاج    ضبط 11 مخالفة تموينية وصحية في حملة مفاجئة بطنطا    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    اليوم.. أولى جلسات طعن المخرج عمر زهران على حكم حبسه    بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يختار تصميما لدرع القبة الذهبية    حظك اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    وزير الخارجية يلتقي رؤساء وفود الاجتماع الإفريقي الأوروبي    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    تقرير سعودي: نيوم يستهدف ضم إمام عاشور.. وتجهيز إغراء للأهلي    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الماتريركية» في العائلة المصرية قراءة نفسية في رواية «الوتد» لخيري شلبي
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 09 - 2011


رواية الوتد:
الرواية عبارة عن رباعية بأربعة عناوين (الوتد، المنخل الحرير، العتقي، أيام الخزنة)، جاءت هذه النصوص محملة برائحة ونكهة الريف المصري، حيث يرصد من خلالها الحياةَ الاجتماعية في المجتمع الريفي بكل جزيئاته وتفاصيله، ولعل المتلقي يدرك تماماً أن الاهتمام كان منصباً على الحياة الاجتماعية في ظل نظام لم يصرح به، لكنه ملحوظ بشكل واضح، فالاستحضار غالباً ما يصدر عن دوافع وإسقاطات معروفة، الرمز هنا كناية عن تأويل وليس مقصوداً بحد ذاته، ما يلفت في هذه الرباعية أنها توحدت في عكس الصورة المتجزأة في الحياة الريفية. وقد جاء ذلك ضمن إطار مغرق في التراثية، إذ نرى الكاتب يتعمد ذكر ألفاظ لمسميات تراثية محلية ذات دلالات غرائبية، وجاء هذا الدفق عبر متوالية متدرجة في عرضها، فكانت أبجديات ومسميات التراث هي المقصودة لذاتها، وما النص بأجزائه الأربعة إلا وعاءً لها، من الملاحظ أن للمرأة وجودها الطاغي، ويمكن القول بأن عالم الأمومة يغطي المساحة الكبرى من الرواية، لكنه ليس حضوراً أنثوياً محضاً، لذلك نرى أن الحاجة فاطمة «تعلبة» تمثل كيانية البيت فكأنها الوتد الذي يرتكز علية البيت، إن العلاقة بين الوتد والمركزية وما تمثله من رسوخ تفضي إلى دلالات منفتحة، إنها التجذر الذي يمثل الرسوخ في الأرض. هذه هي الحاجة فاطمة تعلبة الأم، بعد أن تنتهي حركة الرواية الأولى تبدأ الحركة الثانية في«منخل الحرير»، الذي لم يتغير فيه السارد ولا المرأة كدلالة، كذلك الحركة الثالثة التي تبدأ "بالعتقي" حيث يغطي السرد الفوتوغرافي المغرق بالتفاصيل كل مساحة هذه الحركة. وينتهي النص بالحركة الرابعة التي تبدأ «بأيام الخزنة»، حيث يفتح السارد ملفاً كان غائباً في الأجزاء الثلاثة الفائتة، وهو البعد السياسي الذي هو أساس ما آلت إليه الأمور من بدايتها في الوتد حتى منتهاها في أيام الخزنة، تلك رباعية الوتد لخيري شلبي، حيث لاتخرج أدوات السرد عن فوتوغرافية لا تنسى كبيرة ولا صغيرة، حيث يتم التقاط كل شيء (1).
الماتريركية:
عرف الماضي السحيق قانوناً هو قانون الأم، أي سلطة المرأة الأم وتحفظ لنا الوثتنيات والأساطير وعصر الكاهنات العرفات آثاراً دالة على قانون وشريعة كانت السلطة فيها سلطة المرأة الأم – هذا عصر النسب للأم وما قولنا في اللغة العربية «صلة رحم» تعبيراً عن قرابة الدم إلا أثر باقٍ يؤكد ذلك ويقيم البرهان عليه، فالرحم للمرأة دون الرجل. وما نسب المرء رجلاً كان أو امرأة إلى الأم دون الأب في أعمال السحر وطقوس الخرافة إلا دليل باقٍ لهذا القانون القديم وهذه الشريعة البائدة. لكن هذه الشريعة وإن بادت واندثرت في واقع الحياة اليومية في صورها المشروعة بقيت في لا شعور الفرد ولاشعور الجماعة، في الأسطورة والحكاية الشعبية وفي صور حية نراها في كل بقاع العالم تمرداً وخرقاً للقانون وخروجاً عليه (2).
والمرأة / الأم عند كثيرين ومنهم باخ أوفن وايريك فروم رمز لسلطة الأمومة «الماتريركية»Matriarchy الممثلة للحب والخصب والأرض والمساواة بينالأبناء والأخوة، ونبذ الشقاق، وفي المقابل يكون «الأب» رمز اللسلطة الأبوية «البطريركية»Patriarchy المكرسة للمراتب المتفاوتة بينالناس، والمتسلطة بالقوانين أو بدونها، ومن ثم الباذرة للشقاقوالمشعلة للحروب (3).
ومن الأفكار الشائعة عند العوام - كدليل على وجود بقايا لهذا النظام- من ضرورة نسبة الشخص إلى أمه عند الدعاء له، كما أن الدجالين يهتمون بنسبة طالب مساعدتهم إلى أمه فيما يقومون به من كتابات أو تلاوات (4).
وهذا النظام الأسري تعتمد فيه القرابة على الأم وحدها، فالولد يلتحق بأمه وأسرة أمه، أما أبوه وأفراد أسرة أبيه فيعتبرون أجانب عنه لا تربطهم به أي رابطة من راوبط القرابة ولا يشعر نحوهم كما لا يشعرون نحوه بأي عاطفة عائلية (5).
وتتفق معالم الماتريركية مع معالم العائلة المترابطة كما يراها علم النفس الحديث، ففي العائلة المترابطة يكون لكل فرد من أفرادها دور وله هدف، فيجب أن يشعر كل فرد أن له إسهامات في العائلة حتى إن عدم وجوده سيكون مرعبًا بالنسبة للعائلة كلها.. وعادة فإن الأم في هذه العائلة هى الرباط (الوتد) الذي يربط الأسرة، بالرغم من أن الأدوار مرنة وقابلة للتغيير فإن هناك حدودًا فاصلة في الأدوار بين الآباء والأبناء، وبين الأبناء أنفسهم وهذا يتطلب:
-أن تكون هناك صورة للسلطة في الأسرة.. فالآباء والأمهات ليسوا أصحابا للأبناء.. يمكن أن يعاملوهم بصورة لطيفة، لكن دون إلغاء للحدود، فالطفل يحتاج أن تكون هناك صورة للسلطة التي تعرفهم أين تقع حدود السلوك المقبول.
-اتخاذ القرارات من أجل العائلة، بحيث يكون القرار النهائي للوالدين بعد كل المشاورات وسماع آراء أفراد العائلة.
-وضع نظام مميز للعائلة، فمثلاً يجب تحديد أوقات معينة لتناول الوجبات، النوم، أوقات معينة للواجبات المدرسية، وهكذا، فهذا من شأنه أن يخلق ترابطًا في حياة أفراد العائلة.
هناك قناعات تتمسك بها العائلة، قناعات تعيش بها في كل وقت، العيش بهذه القيم يخلق إيقاعاً في حياة الأسرة.
ضرورة التعبير عن القيم والأخلاق أثناء الكلام مع الأولاد.. فمثلاً قل «إن أفراد العائلة لا يكذبون، لايسرقون، لا يخدعون، لا يعلقون تعليقات عنصرية ضد الآخرين، لا يسخرون من المعاقين، لا يتحدثون بسوء أدب للجيران أو كبار السن .. يجب أن تشرح لهم لم لا تقوم بهذه الأفعال؟ ولم هي غير مقبولة؟».
خلق شعور بالهوية العائلية ،بحيث يعرف الأبناء شجرة العائلة ومعرفة تاريخ أجدادهم وقصصهم عبر الأجيال السابقة.. هذا من شأنه توطيد الروابط الأسرية (6).
وفي رواية الوتد نلاحظ أن قانون المرأة الأم هو المسيطر والحاكم في العائلة، فهي الآمر الناهي والمسيطر، فكل شيء يتم وفق إرادتها من رعاية الأبناء وتربيتهم حتى اختيار زوجاتهم وإدخار المال وشراء الأرض في غياب تام لشخصية الأب الذي توفى، وفي أغلب الأحيان يوجد ولكن دون دور محدد سوى أن يكون رمزا لحماية العائلة أمام الآخرين ... إلخ، فعندما أراد ابنها عبد الباقي الزواج قامت بالسفر إلى بلد آخر بعيدا جداً لتسأل عن أهل العروس، وهي ستمارس نوعاً من العلاج الطبي الشعبي لتدخل بيوت الناس وتعرف أخبار أسرة الباشتامرجي والد الفتاة الذي يرغب في الزواج منها.
وعندما رأت ابنها عبد العزيز يتلصص على أخيه عبد الباقي، بعد أن تزوج عزيزة بنت الباش تامرجي، أدركت أنه يراقبهما وبسرعة نادت على درويش، فمالت عليه هامسة في أذنيه بلهجة خطيرة: «أخوك رجع صبي من جديد» فهز رأسه في استفسار، فغمزته في ذراعه مرة: «نسي أمر بناته العرائس وأبنائه العرسان .. وبدأ يمرض بداء الحب ..ويخيل إلى أنه هاجر فراش زوجته منذ وقت طويل بلا سبب .. لقد نظرت في وجهه فعرفت وفي عينيها فتأكدت» . قال عمي درويش بعد برهة في تريقه خفية: «والعمل .. تراك تزوجينه من جديد؟» رفعت رأسها وزأرت فيه بقوة واستنكار: «منذ متى يتزوج أولادي على زوجاتهم .. لم يعد ينقصني إلا أن أجيئ لكل بغل منكم بعدد من الجواري يرضين مزاجه .. الزواج عندي مرة واحدة». قال عمي درويش في حيرة : «إذن فما الذي نفعله في عبد العزيز؟»
قالت تعلبه في حسم: «أعرف شغلك معه الأول في موضوع أهم .. راقبه قبل أن يتسبب لنا في كارثة وفضيحة على آخر الزمن.. بعدها لا نرفع رؤوسنا في البلد أبدا»، ثم مالت على أذنه وهمست طويلاً فهز عمي درويش رأسه وقال: «يسويها ربنا».
ومرت أيام وإذا بنا في عمق الليل نسمع تناطحاً يهز الأركان ويهبد في الأرض .. وفي الصباح علمنا أن عمي درويش تربص بعمي عبد العزيز بليل وفاجأه في الظلام واضعاً أذنه على باب عمي عبد الباقي يتصنت ، فما كان من عمي درويش إلا أن جذبه من خناقه بعنف وصار يدفعه إلى الوراء زغداً وتلكيماً ومن فرط خجله وشعوره بالعار يكتم صياحه وتعهد عمي عبد العزيز بعدم العودة لهذا الأمر (الرواية ص 40- 41).
وهكذا تضع تعلبه القانون وما على الكل إلا اتباعه بدقة، وتحدد المشكلة وتضع لها الحل أيضاً حين همست في أذن درويش وتصرفت كما يليق بالأم حاملة القانون.
وعندما أراد عبد العزيز أن يستقل عن العائلة في معيشة وحده : «هبطت الحاجة تعلبه عن سريرها مقبلة نحوهما ( درويش وعبد العزيز) فأمسكت بعمي عبد العزيز من خناقه وهو الكهل المتصابي، وهزته بعنف وهي التي تجاوزت من العمر حداً لا نستطيع حسابه بالسنوات ثم قالت له كأنه لا يزال ذلك الطفل الصغير الغرير:
اسمع يا ولد .. من لا تعجبه العيشة .. من لا يعجبه العيش مع الحاجة فاطمة تعلبه فليرحل هو ... فيخرج من الباب بطوله .. وحده ... حتى بدون ثيابه .. حتى بدون أولاده ..فأنا الذي ربيت وأنا الذي زوجت وأنا الذي أكسو وأطعم .. والأولاد أولاد الدار قبل أن يكونوا أولاد أحد منكم .. ولا أفرط في ظفر واحد منهم .. ولا حتى في ظفرك أنت أيها الشايب العايب ..لكن من أراد أن يفرط في الدار فخير للدار أن تفرط فيه .. الدار هي دار العكايشة ولقد تعبت في الإبقاء عليها مفتوحة متكاملة ذات قوة وهيبة ولست مستعدة للتخلي عنها على آخر الزمن ولست أطيق أن أسمع مثل هذا الكلام العبيط إن قتلك أهون عندي من سماع هذا اللغو... واختطفت العصا من عمي درويش تريد أن تشج بها رأس عمي عبد العزيز وظلت شهوراً لا تكلمه ولا يكلمها..(الرواية ص 42-43)».
ثم قامت تعلبه بعدة أيام وأثناء فترة مرضها الأخير تفسر سر قيامها بالقانون والسلطة ودورها في تكوين العائلة ورعايتها : فتربعت على المصطبة بينهم، واندفعت تردد:
«لقد دخلت هذه الدار وهي مجرد جدران ..ولم يكن أبوكم يملك أكثر من ثلاثة أفدنة.. العكايشة طول عمرهم هبل ..كانوا لا يوافقون على زواج أبيكم مني ..وكان شرفاً كبيراً لعائلتي المتواضعة أن تصاهر العكايشة هذا صحيح ..ولكن كان شرفاً لأبيكم أن تزوج من فاطمة تعلبه. وأنتم ..كنتم تلومنني وتنحلون وبري بينكم وبين أنفسكم ..وتتهمونني بادخار عرقكم في دولابي وإنني لا أصرف عليكم إلا بحساب شديد ...ولكنكم تملكون عشرين فداناً كلها من حسن تدبيري وشطارتي وفوق هذا تملكون ما هو أهم، تملكون جماعتكم، تملكون كنزاً كبيراً هو كونكم جماعة يغلق عليكم باب واحد ويرعاكم قلب واحد مثلما الرب واحد، ولكنكم لا تفهمون هذا لأن هبل العكايشة متأصل فيكم ومن الصعب إقناعكم وخير من فيكم هو درويش لأنه ابني بحق لكأنه أنا مضاف إليه جدكم (الرواية ص 43-44)».
كما نجد بوضوح كل خصائص العائلة المترابطة فهذا هو القانون المميز للأسرة تضعه فاطمة تعلبة من حيث أدوار كل امرأة وكل رجل في الأسرة من حيث موعد النوم والإستيقاظ والعمل المكلف به فتقوم تعلبه من النوم وتخرج في وسط الدار : تسب بنت أم صفيحة وتلعن بنت أبي جوال والبنت التي لا تسمى ، فقاعتها حتى الآن لم تفتح إنها بنت عاهرة لا تريد أن تبرح حضن الولد وسوف تقضي عليه في جمعة وتفقد الدار ولداً ، هو أيضاً يجب أن يختشي على دمه ويضع في عينيه حصوة ملح ويجب أن يكون رجلاً بحق وحقيق فيدفعها بعيداً عنه ويصحو، وهذه البنت التي التي لم تنم إلا بعد الفجر أليست تعرف أن اليوم يومها في كنس الدار، وهذا الولد الشملول أليس الدور عليه ليسرح بالبهائم ؟ وهذا الطويل الهايف أبو نبوت ولاسة هل نسي أنه المكلف بانتظار المياه في الترعة الشرقانة ؟ وهذا العيان بكيفه أليس وراءه ساقية سوف تدور في الحوض الجديد ؟.. فليدر عليكم الزمن جميعاً ويدوخكم طول حياتكم يا أبناء بطني لتكن هذه نومتكم الأخيرة باذن الله .. هل هذا عدل ؟ هل هذه رجولة ؟ هل من طبعنا أن تركبنا نسوان الدار ؟ هل خلفت رجل لينام في حضن امرأة إن هي إلا قحباء ابتليت بها الدار في الزمن الأعمى (الرواية ص 8).
وبهذا القانون فقد تَحَدَد لكل فرد في العائلة دوره وعمله المطلوب منه، وما تقوم به فاطمة تعلبة أنها تمارس دور المرشد النفسي الذي يقوم بإعطاء التعليمات وأحياناً الواجبات ليقوم العميل ( المسترشد أو المريض النفسي) بعمله بعد الجلسة العلاجية فهي تقوم في الصباح لإعطاء الواجبات بشكل جماعي لتوفير الوقت والجهد والطاقة. ثم يأتي الدور التفصيلي لعمل كل امرأة ورجل في الأسرة على لسان الراوي:
زوجة عمي درويش الذي من فرط قوته وكبر مقامه يبدو أكبر سناً من أمه تعلبه.
زوجة عمي عبد العزيز هو يلي عمي درويش في الأهمية إذ يدخل في اختاصه كل ما يتعلق بشئون الزرع والحصاد والتذرية والتخزين.
زوجة عمي عيسى يلي عمي عبد العزيز في الأهمية لهبوط طبعه وميله إلى الأكل والسخرية وعمل نوع من الفصولات المضحكة في خلق الله وقد اختص بأمر الجمل يؤكله وينيمه ويقص شعره وينقل به الأحمال للدار ولدور الآخرين.
زوجة عمي طاهر القصير الذي يبدو أصفر بعلة وكرش لكنه ناشف كعود الحديد هو المسئول عن الطحين ، وخدمة عمي درويش وضيوفه.
زوجة عمي صادق المسكينة منذ تزوجها لم يقدر لها أن تهنأ في حضنه شهراً كاملاً فشغلته طلوع الأسواق ينتقل إليها من بلد إلى بلد يبيع ويشتري.
زوجة عمي عبد الباقي الغنام يحب عادتين التوغل بأغنامه في حقول بعيدة وشوارع وعرة والذهاب إلى مولد سيدي إبراهيم الدسوقي كل عام.
زوجة عمي طلبه أصغر الأعمام الذي لبس الجبة والقفطان وقد درس في المعهد الديني. يؤم الناس للصلاة في مسجد العصاروة ويخطب من على منبره خطبة الجمعة، يقول الصدق دائماً ويزن بالحق، يصلي ركعتين كلما مر بالمسجد (الرواية ص 9 – 11).
ومن القانون العام للعائلة ما وضعه الأب من تعاليم تقضي بألا يسهر الواحد منهم خارج الدار بعد صلاة العشاء وإن تأخر أحدهم – بمن فيهم عمي طلبه – فسوف لن يبيت في الدار فضل عن أنه سيأكلها بالنبوت وربما بالبلغة كل حسب قدره ( الرواية ص 14).
ومن القيم التي تحرص عليها العائلة الصدق فتقول الحاجة تعلبه عندما كذبت عليها بهانة في أمر طاجن لبن قد وقع منها على الأرض :" لماذا تكذب عليها بهانة ؟ هل الكذب من شيمة أهل هذه الدار؟ وكيف بالله لمن زار النبي وملس على شباكه مثلها أن يكذب ؟ إنها ملعونة وسوف يقصم الله ظهرها بإذن الله (الرواية ص 25).
تعلبة / شهرزاد:
ولقد قامت تعلبه بدور شهرزاد حين قامت بدور شبيه بدور المحلل النفسي وكان شهريار شبيهاً بالمريض النفسي على أن الطريف أن في جلسات التحليل النفسي يتحدث المريض وينساب كلامه وينصت المحلل متخذاً دور المستمع أما في ليالي ألف ليلة وليلة فنجد الأمر على العكس تتحدث شهرزاد وينصت شهريار ومع ذلك يتحقق لشهريار الشفاء عندما أنصت إنصاتاً صادقاً حقيقياً فكان التحول وبلغة التحليل النفسي الاستبصار Insight الذي يشير إلى فهم النفس ومعرفة الذات والانفعالات ودوافع السلوك والعوامل المؤثرة فيه ومصادر الاضطراب وامكانات حلها ويتضمن الاستبصار تقبل الذات وإعادة تنظيمها وفهم الواقع وتقبله والتوافق معه والاستفادة من الماضي والحاضر في التخطيط المستنير للمستقبل وتحويل نقاط الضعف إلى قوة (7).
وفي رواية الوتد تقوم فاطمة تعلبه بدور شهرزاد (المحلل النفسي) حين تختار هانم زوجة ابنها صادق الذي يعمل بالتجارة وتقوم بإرشادها نفسياً حتى لا تقع فريسة للخيانة الزوجية في حالة غياب صادق عن المنزل لفترات طويلة في سفرياته الدائمة فنرى المشهد يوحي وكأنه جلسة للإيحاء النفسي حيث تقول هانم:
طبعاً يا ست الحاجة طبعاً.
فتعاجلها حماتها طابت وانهرت ، ثم تشوح بيدها مستأنفة التسبيح بالمسبحة ، ثم تهدأ قليلاً وتكور المسبحة في حجرها كأنما تنتبه إلى وجود هانم لأول مرة ، تربت على كتفها :
إزيك يا بنتي عامله إيه؟ فترد هانم :
بخير يا ست الحاجة الحمد لله . فتنبري الحاجة دون مناسبة تحكي لها عن نساء عشن بعيداً عن أزواجهن سنوات طوالاً فلم يفرطن في عفتهن ، حكايات سمعتها بعد ذلك في ألف ليلة وليلة وغيرها من المصادر الشفاهية ، عن نساء حمين أنفسهن فكافأتهن السماء أعظم مكافأة بطلوع الحجاز والسعة في الرزق والبركة في الأولاد فيقشعر بدن هانم وتردد :
أوعدنا يارب ، ثم تندمج في قراءة بعض الآيات (الرواية ص 25).
ثم تقول في موضع آخر :
- خدتي بالك بقى يا بنتي..
هكذا تستأنف تعلبه حكاياتها كأن شيئاً لم يكن . فتقول هانم :
أيوه يا ست الحاجة.
فتحكي لها عن رجال تجار مثل ابنها صادق يجوبون الأسواق ويتحملون الشقاء، وكيف انتهزت زوجاتهم فرصة غيابهم فسرن على حل شعورهن فكانت فضائحهن مضرب الأمثال، وكيف عوض الله الرجال الشقيانين نساء أطهاراً وأبكاراً في حين منيت السابقات بسوء العاقبة. تؤمن هانم على صدق كلام حماتها مبدية دهشتها من مثل هاتيك النساء نجسات الذيل ناقصات الدين (الرواية ص 27).
وهكذا يتضح وعي تعلبه بأثر غياب الزوج عن زوجته ولذلك فهي تهدف من خلال الحكايات أن تجعل هانم مستبصرة بذاتها وحياتها والمآل الذي يمكن أن تؤول إليه في حالة عدم الاستفادة من الحكايات فيكون الشقاء أو النجاة مثلما فعلت شهرزاد مع شهريار وكان استبصاره وشفاؤه.
خاتمة:
بعد عرض جوانب الأمومة في رواية الوتد ممثلة في ديناميات العائلة المترابطة والناجحة وشخصية الحاجة فاطمة تعلبه التي مثلت الوتد للأسرة المصرية في الريف المصري قديماً وحديثاً يتبين أن هذا العمل كان من الممكن أن يكون رواية أجيال بحيث تكون شخصية كل ابن وزوجته وأبنائه محوراً للتصاعد الدرامي فيما قبل وبعد وفاة فاطمة تعلبة لنرى هل استطاعت العائلة المترابطة من الاستمرار كذلك بعد وفاة الوتد الذي كان يربطهم في مكان واحد وبهدف واحد أم لا ؟ .
كما يتضح أن وجود تلك الماتريركية في الريف المصري لهو وجود مستمد من تلك المرحلة الزمنية السحيقة التي كان نسق القرابة والسيطرة يرجع للأم وأنها ماتريركية حكيمة جمعت ولم تفرق وأقامت كياناً ولم تهدم وساعدت على نجاح العائلة.
أما إبداع خيري شلبي في هذه الرواية فهو تنظيره فيما نرى لتلك الماتريركية الحكيمة في مقابل البطريركية الغاشمة التي طالما نظر لها الأستاذ الأكبر نجيب محفوظ في العديد من أعماله حيث يرى جمهرة من النقاد أن رسالة رواية قلب الليل لنجيب محفوظ هي أن الإعتماد المطلق على العقل وحده قد يورد الفرد إلى موارد التهلكة، لذا لابد لنا من المزاوجة الدائمة بين العقل والإيمان، وإلا صار الإنسان رهناً لشيطانه، وأفكار الآخرين، مما يجعله ريشة في مهب الريح. وكذلك الحال بالنسبة للثلاثية التي أضاع فيها الأب أبناءه نتيجة للبطريركية الغاشمة. وذلك بالإضافة إلى ذلك أن الروايتين (الثلاثية وقلب الليل) بهما انتقاد لاذع لفكرة البطريركية الغاشمة التي دمرت الإبن والحفيد معاً.
الهوامش:
1. خيري شلبي : الوتد .القاهرة. الهيئة المصرية العامة للكتاب2003.
2. فرج أحمد فرج : التحليل النفسي وألف ليلة وليلة "دراسة تمهيدية". مجلة فصول مجلد (12) عدد (4) .القاهرة. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1994.
3. محمد المخزنجي : أحلام نجيب محفوظومضات تستدعي وميضاً. جريدة أخبار الأدب. العدد 618 .بتاريخ 15 مايو 2005 .
4. فرج عبد القادر طه :موسوعة علم النفس والتحليل النفسي.القاهرة. مكتبة الأنجلو المصرية.2009.
5. الشعبة القومية للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) : معجم العلوم الاجتماعية. تصدير ومراجعة إبراهيم بيومي مدكور. القاهرة. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1975.
6. الموسوعة العربية للإرشاد و العلاج النفسيhttp://www.eawraq.com/news.php?action=view&id=195
7. حامد زهران : التوجيه والارشاد النفسي . القاهرة. عالم الكتب. 1980.
د.خالد محمد عبد الغني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.