يقام مساء اليوم عزاء الروائي المصري الراحل خيري شلبي بمسجد الشرطة بالدراسة؛ وذلك في تمام السادسة مساء. وقد توفي الأديب الكبير خيري شلبي الجمعة الماضية عن عمر ناهز 73 عاما، قدم خلالها العديد من الأعمال الأدبية القيمة التى حفرت طريقها نحو قمة هرم الإبداع، متحدثا ومدافعا عن تلك العوالم الهشة التى يحيا في ظلها ملايين البشر، ممن صنعوا حياتهم الخاصة وقوانينهم البعيدة عن الضوء. ورصد شلبي بكل دقة تلك العوالم والحيوات الموازية على أطراف المدن، بل تلك البقع المرصعة فى قلب العاصمة نفسها، حيث صنع عالمه الخاص بمهارة نبعت من عين ترى وقلم يكتب وقلب ينبض بأوجاع وأحلام البسطاء. عالج خيري شلبي الكثير من العوالم الهامشية، منحازا إلى الشخصيات الهامشية التاريخية، بأسلوب يتميز بحس واقعي ساخر وفانتازي، حيث يمزج الواقع بالخيال، بسردية استطاعت أن تجد لها اسما ومكانة في حقل الرواية العربية المصرية، حيث امتلك القدرة على تطويع الشخصيات الروائية والقصصية، ومنحها مساحات كتابية متقدمة تخدم عمله الإبداعى. كما تميز خيري شلبى أيضا برسم ملامح الشخصيات المعروفة فى الواقع المصرى بأسلوب أدبي متميز، يُعبر عن واقع الحياة في مصر، طارحا أسئلته الجوهرية على الوجود المصري. رحلة شاقة في حارات الحياة ودروبها، عمادها التأمل والتساؤل، من خلال التركيز على أهل الهامش المنسحبين والمحزونين والمنسحقين، وفقراء المدن وأهل الحظوة في القرى.. سواء فى "الأوباش" أو "وكالة عطية" أو"الوتد" و"إسطاسية"، وغيرها من أعماله الفاتنة. برع شلبي بصفة خاصة فيما يسمى "امتصاص روح المكان"، وهو ما بدا بوضوح فى نصوص بعينها، مثل "وكالة عطية" و"الوتد" و"لحس العتب"، كما أنه خصص حيزا كبيرا من تجربته القصصية لمن نسميهم بالمهمشين الذين يصنعون بطولتهم الخاصة. ومن حيث الموضوع تشكل البيئة الشعبية القاعدة التي تنطلق منها شخصيات خيري شلبي الروائية والتي تتجلى حتى في عناوين رواياته، من قبيل "عدل المسامير"، و"وكالة عطية"، و"صالح هيصة"، وثلاثية "أولنا ولد"، و"ثانينا الكومي"، و"ثالثنا الورق"، و"منامات عم أحمد السماك". تميزت لغة السرد عند الراحل خيرى شلبى بتصوير مثل هذه الشخصيات تصويرا واقعيا، يُعبر عن ثقافة هذه الشخصيات، وأبعادها المختلفة. ويحسب له أنه أنشأ متنا لغويا خاصا تنهل منها شخصياته في التعبير عن مكنون نفسها وعن مواقفها. وفى روايته "صالح هيصة" يكشف شلبى عن تلك العوالم السرية الخاصة بالمثقفين، وقاع مدينة القاهرة والصعاليك وغرز الحشيش، ليتحول البطل إلى شاهد على العصر بأحلامه الكبرى وانتصاراته وانكساراته، حيث يكشف بدقة عن أسرار أبطاله المطحونين فى تلك الدوامات المتتالية دون رغبة من أحد، وبلا حتى قدرة على الهروب. وفى رواية "إسطاسية"، يحكى شلبى عن أرملة المقدس جرجس غطاس التى تعيش فى إحدى القرى النائية بكفر الشيخ، حيث يرصد بدقة تلك المشاهد الموجودة فى ريف بلادنا، ويحكى عن قتل نجلها على يد محفوظ الحلاق، وتلك العلاقات شديدة التعقيد داخل المجتمعات المنزوية دائما فى خلفية المشهد، ويصف كيف كانت أمه تخرج كل يوم مع الفجر تصرخ وتنادى نجلها الذى قتل. ويصف فى الرواية الصراعات التى تشتعل بين شخوص ذلك العالم السحرى والأسطوري، الذى يغرى بمتابعة تفاصيله الأخاذة، كاشفا عن تلك الأسرار المنزوية من ريفنا وذواتنا التى لا تكف عن التغيير. إنه راوى البسطاء والمهمشين، ومفسر أحلامهم العصية غالبا عن التحقق.