صناعة الشيوخ تبدأ أولى اجتماعاتها لمناقشة خطة عملها    قبل الافتتاح الرسمي، جولة تفقدية لرئيس جامعة القناة للاطمئنان على جاهزية مركز العلاج الطبيعي    يُقاتلن مرتين.. ضد العنف ثم ضد بطء العدالة    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الأربعاء في بورصة الدواجن    «الاستثمار» تناقش موازنة برنامج رد أعباء الصادرات 2026/2025    رجال الأعمال المصريين تبحث فرص تعزيز صادرات قطاع الخدمات الاستشارية في أفريقيا    توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص    المدير السابق لجهاز الموساد يكشف أسرار سرقة الأرشيف النووى الإيرانى    وزير الإعلام السوري: التعاون العربي ضرورة لمواجهة التحديات الرقمية    مصرع 4 أشخاص جراء حريق فى مبنى سكنى بهونج كونج    البرهان: لا سلام في السودان إلا بتفكيك ميليشيا الدعم السريع    رسائل رئيس اتحاد اليد لمنتخب السيدات قبل المشاركة "التاريخية" في المونديال    بعثة الزمالك تصل فندق الإقامة بمدينة بولوكواني بجنوب أفريقيا    سان جيرمان يستعيد ديمبيلي في مواجهة توتنام    ضبط 10 متهمين لاستغلال الأطفال في التسول بالإكراه    الداخلية تكشف حقيقة ادعاء شخص باقتحام مسكنه وتواطؤ الشرطة مع المتهمين    دليل لحماية الأطفال من الخوف والأذى النفسي الناجم عن الأخبار الصادمة    السادات وفيصل.. وشركاء النصر    الارتجال بين الفطرة والتعليم.. ماستر كلاس تكشف أسرار المسرح في مهرجان شرم الشيخ    مدبولي: الرعاية الصحية قدمت أكثر من 100 مليون خدمة طبية ب 6 محافظات    بعد انتشارها بين الناس، الأطباء يكشفون سر سلالة الإنفلونزا الجديدة ويحذرون من حقن الموت    القومي للمسرح يطلق مشروع الأرشيف الوطني لدعم الفرق والمهرجانات المستقلة    8 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    صادر له قرار ترميم 2018.. النيابة تطلب تحريات إصابة 3 أشخاص بانهيار عقار في الإسكندرية    محافظ أسيوط يتفقد كليات جامعة سفنكس ويشيد بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 23 درجة مئوية    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأصعب تاريخيًا.. وكان يمكنه تجنبها    بركان كيلاويا في هاواي يطلق حمما بركانية للمرة ال37 منذ بدء ثورانه العام الماضي    شعبة الجلود بالقاهرة تبحث التعاون مع العربي للصناعات الجلدية بتركيا    أبرزهم أحمد مكي.. نجوم شرف «كارثة طبيعية» يتصدرون التريند    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -14".. شاهد    بدء أعمال اللجنة العليا المصرية الجزائرية برئاسة رئيسا وزراء البلدين    مواعيد مباريات الأربعاء 26 أكتوبر - ليفربول وريال مدريد وأرسنال في أبطال أوروبا.. وكأس العرب    وكيل صحة قنا يتفقد وحدة الترامسة ويحيل طبيبا للتحقيق    رئيس الرعاية الصحية: تطوير 300 منشأة بمنظومة التأمين الشامل    الري: نجاح حاجز التوجيه في حماية قريه عرب صالح من أخطار السيول    .. اديهم فرصة واصبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    إنصاف رئاسى لإرادة الشعب    موعد امتحان نصف العام لصفوف النقل وضوابط وضع الأسئلة    السيسى يحقق حلم عبدالناصر    حماية الثروة الحيوانية    ارتفاع أسعار الذهب وسط توقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية    الأقصر: انقطاع المياه عن عدد من مناطق نجع علوان بالطود صباح اليوم    اتحاد السلة يعتمد فوز الأهلي بدوري المرتبط بعد انسحاب الاتحاد ويعاقب الناديين    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالغربية تعلن الحصر العددي لأصوات الناخبين    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    إسرائيل تتسلم رفاتًا بشرية وتجري اختبارات لتحديد صلتها بأسرى غزة    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يكرم محافظ جنوب سيناء    ترامب: «خطة ال28» للسلام في أوكرانيا «مجرد خريطة»    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    تقدم مرشح حزب النور ومستقبل وطن.. المؤشرات الأولية للدائرة الأولى بكفر الشيخ    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النتيجة.. لم يغضب أحد
نشر في المصري اليوم يوم 12 - 06 - 2010

بعد كل فضيحة سياسية أو قانونية أو أخلاقية يتعرض لها مسؤول كبير فى حكومة الحزب الوطنى أو نائب من نواب الأغلبية، يخيل إلى أن الدنيا سوف تقوم ولا تقعد، وأن الناس ستعترض وتغضب وتثور، إذا لم يتم اتخاذ اللازم تجاه هذا المفضوح أو ذاك، لكننى لاحظت أن الأمر ليس كذلك، وأن هناك من الفضائح ما كان كفيلاً بإغضاب الناس واستثارة مشاعرهم واستفزاز غضبهم،
إلا أنهم لم يستثاروا ولم يغضبوا ولم يحرك لهم ساكن، بل ربما نسوا أو تناسوا حتى مرت الفضائح تلو الفضائح، وكأن شيئاً لم يكن، فمثلاً محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق، وعضو مجلس الشعب السابق ورئيس إحدى شركات البترول السابق، رغم ما نسبت إليه من تجاوزات ومخالفات وإهدار للمال العام بما يتجاوز قيمته 11 مليار جنيه،
لايزال إلى هذه اللحظة حراً طليقاً ولم يتم التحفظ على أمواله وممتلكاته بعد، ومع ذلك لم يغضب أحد، ممدوح إسماعيل مالك عبارة السلام 1998، أغرق من أغرق وأخفى من أخفى وهدد من هدد، ولم ترفع عنه الحصانة إلا بعد هروبه من مصر، وتركه لأهالى الضحايا يخبطون رؤوسهم فى جدران اليأس وخيبة الأمل على مرأى ومسمع من الجميع، ومع ذلك لم يغضب أحد، هشام طلعت مصطفى، المعين بمجلس الشورى والمتهم فى قضية المطربة اللبنانية سوزان تميم والمحكوم عليه بالإعدام شنقاً، سبق أن حصل على آلاف الأفدنة بلا مقابل تقريباً،
وربح المليارات بلا محاسب، وبنى على أرض مصر المفترض أنها مملوكة للمصريين، جناناً سكنية لخاصة الخاصة، وكأنه يخرج لسانه لمن يعارضه، ممن يستشعرون فى هذه الصفقات احتلالاً وليس تعميراً: (أنا بنفوذى أفعل كل شىء، وأملك كل شىء، وأختار ما يناسبنى حتى لو لم يناسب كل الناس)، ولا يزال إلى هذه اللحظة عضواً لم يتم فصله من مجلس الشورى رغم ما نسب إليه، ومع ذلك لم يغضب أحد،
كشفت بعض التقارير مؤخراً، أن عصابات سرقة الأراضى نجحت فى الاستيلاء على 14 مليون فدان أى ضعف ما تملكه مصر فعلاً من الأراضى الخصبة، وذلك بمعاونة مسؤولين صغار وكبار فى وزارات مختلفة، وضياع مثل هذا الكم ليس كارثة فحسب، بل استخفاف بحق الناس فى ملكية أصولهم وعدم احترام لمستقبل أولادهم، وتقنين لكل ما هو غير مشروع على حساب ما هو مشروع،
ومع ذلك لم يغضب أحد، جاءت نتائج انتخابات الشورى الأخيرة لتؤكد أن للحزب الوطنى وحده الحق فى احتكار كراسى البرلمان بكل السبل الممكنة وغير الممكنة، بالتصويت بالتزوير بالبلطجة بالقبضة الأمنية، بتسويد البطاقات الانتخابية، بتهريب الصناديق الجاهزة باستحضار الميتين بالرشاوى بالدعاية الوهمية بالذوق وبالعافية، ومع كل ذلك لم يغضب أحد.
وهنا الكارثة لأن المخطئ عندما لا يجد من يحاسبه أو يتصدى له، يتحول إلى مجرم غير هيَّاب لأحد ويسلمه غروره للإحساس بأنه لا شريك له، ولا يأتيه الخطأ من بين يديه أو من خلفه، يرفع ويضع يعطى ويمنع يعاقب ويعذر، يزوِّر فى الأوراق غير الرسمية والرسمية، مثلما يزور فى إرادة الشعب، يتستر على من يحمى مصالحه ولا تفعل ضده القوانين، ويفضح من يمثل خطراً عليه وكلما غرق الناس فى صمتهم عنه، غض طرفه وصم أذنه عنهم،
وما أكثر المخطئين الذين توحشوا وأصبحوا مجرمين فى هذا البلد، وأساءوا للمسؤولية عندما اعتبروها سبوبة يحصدونها من عرق وكد الغلابة، وبيع شركاتهم فى وضح النهار دون مراعاة أى ضمانات تحفظ لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتركهم يفترشون الأرصفة لتسول حقوقهم المغتصبة ثم إزاحتهم بمنتهى الخسة والدناءة، وكأنهم الزوائد التى لا يصح تركها تنتشر خوفاً من تفشى أمراض الصراحة بين طباخى السلاطين.
وما أمر الصمت الذى تحصن به المصريون فى مواجهة من يغتال أحلامهم وينهب ثرواتهم ويستخف بمشاعرهم، ما أمر الصمت الذى أغرق أكثر من نصف المجتمع المصرى فى الفقر وجعل العنوسة فى صدارة المشهد، ونشر الجريمة، ودفع أبناءنا للانتحار، وحاصرنا بكل أنواع الأزمات، وأجبرنا على الرضا بفتات موائد اللئام، وجعل كل ظالم فى هذا البلد يتصور أنه يعيش وحده يتصرف وحده، يبحث عن مصلحته وحده، وأن مصر التى نعيش فيها، هى عزبته وحده،
ولم لا يشعر الظالم بهذا؟! وهو يفعل ما يفعل دون خوف من محاسبة أحد أو أن يوقفه عند حده أحد، يفعل ما فعل وكأنه الأصل فى الوطن، وهذا الشعب كله قد أتى للوجود من أجله هو، لراحته هو، لمصلحته هو، لتحقيق أحلامه هو، وعدم غضب المصريين من أفعاله خوفاً منه هو، أو نزولاً على حكمته هو، والكل مجرد تروس فى عجلة حياته هو.
ولا شك فى أن اعتياد المظلومين للظلم وسكوتهم عليه، سيضيع ما بقى فى الوطن من قيمة، وفى العقول من إبداع، وفى القلوب من رحمة وطيبة، وسيحبب إلى الناس الخنوع بوصفه أفضل مفاتيح إيثار السلامة، ولا سلامة لمن هون نفسه على نفسه وعلى الآخرين حتى أمتهن بلا ثمن، ولا سلامة لمن حرم حريته وقهرت إرادته، وفرض عليه من يمثله، واكتفى بالفرجة على الصفعات وهى تتوالى على جسده دون أن يعرف كيف السبيل للدفاع عن نفسه، ومأساة المصريين حالياً، أنهم نسوا قول الشاعر:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
وبذا تسامحوا مع الظلم وتصالحوا مع الظالم مجاناً، وفقدوا الإحساس بالمخاطر، وكأنهم نسوا أن فرعون لم يتفرعن إلا على حملة عرشه فوق أكتافهم، والمصريون لم ولن يغيروا ما لم يتغيروا، ويحصنوا أنفسهم ضد الخوف، وينتصروا على الضعف، ويصروا على الثابت ويبدأوا رحلتهم فى المقاومة من أجل الإصلاح والتغيير لانتشال الوطن من مستنقع المنتفعين إلى بر الديمقراطية، باتخاذ المواقف الصلبة لعلاج مشكلات الوطن حتى لا تتفاقم، وتجاه المتجاوزين لردعهم عن تكرار هذه التجاوزات ليعرفوا أن لهذا البلد أصحاب، وأنه لا يصح أن نُظلم ونُظلم ونُظلم، وتكون النتيجة بعد كل هذا الظلم وهذا القهر (لم يغضب أحد).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.