عامل التراحيل الجالس على الرصيف، بلا عمل ولا أمل، سوف يكون له نصيب فى قانون التأمينات والمعاشات الجديد. وسوف تكون هذه هى المرة الأولى، التى تمتد فيها مظلة التأمينات والمعاشات الاجتماعية، لتشمل العمال الموسميين، الذين يرتبط عملهم بموسم معين، فإذا انتهى الموسم، جلسوا عاطلين إلى أن يأتى الموسم نفسه، مرة أخرى، أو يأتى بدلاً منه موسم جديد، وفى الحالتين فإنهم جميعاً على باب الله، ويواجهون أوضاعاً قاسية، يعملون فى ظلها يوماً، ويتعطلون عشرة أيام! ولأول مرة فى مصر، سوف يكون من حق العامل من هذا النوع، سواء كان من العمالة الموسمية أو غير المنتظمة، أن يتقاضى معاشاً ثابتاً، إذا وصل سن 65، رغم أنه، كعامل، ليس مرتبطاً بحكم طبيعة عمله، بأى مؤسسة يعمل فيها، بحيث تكون مثل هذه المؤسسة، قد سددت عنه أقساط معاشه، مسبقاً، حتى إذا بلغ سن المعاش، وجد ما كانت المؤسسة قد سددته عنه، فى انتظاره، فى صورة معاش ثابت! ولابد أن هذه ميزة من مزايا القانون الجديد، وهى قطعاً ليست موجودة فى القانون الجديد، وهى قطعاً ليست موجودة فى القانون الحالى الصادر عام 1975، وهى أيضاً ليست الميزة الوحيدة، وإنما إلى جوارها مزايا أخرى، تجعل القانون، حين يجرى الأخذ به، أكثر رحمة بالناس، وأوسع صدراً، فى مراعاة ظروفهم، وأشد انحيازاً إليهم، واستيعاباً لأحوالهم! وليست أولى هذه المزايا، أن حساب المعاش هذه المرة، لن يكون على أساس الراتب الذى تتقاضاه لحظة الخروج على المعاش، وإنما سيكون على إجمالى الراتب، بما سوف يجعل الفجوة بين آخر راتب تحصل عليه، وبين أول معاش، أقل اتساعاً.. بما لا يتجاوز 20٪ بين الراتب وبين المعاش.. فزمان، وفى ظل القانون القديم، كان الموظف يتقاضى - مثلاً - 2000 جنيه فى كل شهر، فإذا تقاعد، اكتشف أن معاشه 200 جنيه، على سبيل المثال، بما كان يجعل من التقاعد طعم الإعدام فى فم أى موظف، كان يتبين له أنه قد تحول يوم تقاعده إلى متسول! وبطبيعة الحال، فإن هناك مزايا أخرى فى القانون الجديد، ليست أولاها أنه يسعى إلى التأمين عليك، كمواطن، ضد حالات العجز أو الوفاة، بعد أن كان الوضع فى السابق يتعامل مع حالة الشيخوخة فقط.. ولا آخرها أنه سوف يعمل على أن تكون الفائدة على أقساطك التى دفعتها أنت، أو حتى قامت الحكومة أو المؤسسة التى تعمل فيها بدفعها عنك، متماشية مع معدل التضخم فى اقتصاد البلد، وليست مرتبطة فقط، بمعدل الفائدة الذى يعلنه دورياً البنك المركزى، ومن شأن خطوة كهذه، أن تحافظ، عملياً، على قيمة معاشك، كفلوس، فى الأسواق، فلا تكتشف فى لحظة، كما يحدث عالمياً، أن معاشك فى يدك، ولكنه قياساً على مستوى الأسعار فى السوق، عاجز عن الوفاء بأبسط احتياجاتك! كل هذا وغيره، جميل، ويحسب فى ميزان الرجل الذى أعد قانوناً بهذا الشكل، غير أن السؤال يظل دوماً، عن السبب الذى عطل صدور قانون على هذه الصورة، منذ وقت مبكر، وتحديداً منذ كانت الدولة قد انخرطت فى مشوار الإصلاح الاقتصادى، أيام حكومة عاطف صدقى عام 1987؟!.. لماذا تأخر القانون الجديد، طويلاً، ولماذا ظل محبوساً كل هذه السنين، ثم جرى إطلاق سراحه قبل انتخابات الشعب بشهور؟!.. هل الهدف من ورائه، من حيث التوقيت، هو العمل على أن يبدو الحزب الوطنى، وقد ارتدى وجهاً كريماً أمام الناس؟ القانون كالقطار، لا يجوز أبداً أن يتأخر عن موعده!.. وإلا فإنه يفقد معناه، كما يفقد القطار المتأخر حكمة تسييره على القضبان!