فى لحظات الفوضى التى تلازم الثورات، ينبغى لك أن تنظر إلى الإعلام كدليل على عافية المجتمع وصلاحية رئتيه لاستقبال نسيم الحرية، فإذا كان الانتظام والنضج قرين التنفس سيكون طبيعيا شهيق ثم زفير، وإذا تجاوز الحدود، فإن الشهيق قد لا يأتى بزفير، فتكون النهاية، أى الانتحار. سيدى القارئ إذا رافقتك السلامة فى رحلة على الفضائيات فعليك بالتمسك بها إذا مررت بالشوائب الفضائية كقنوات مودرن والفراعين وقنوات التليفزيون الرسمى، فإن المشاهدة محظورة على مرضى القلب والجهاز التنفسى وضغط الدم والسكر، وإذا خاطرت فإنك ستتحمل المسؤولية بمفردك عن حياتك، فالفرجة ستتسبب لك فى أعراض هستيرية من البكاء الحاد والضحك حتى الارتماء على الأرض مع تقلصات معوية ومعدية يصاحبها إحساس بالقىء وشعور بالغثيان. ففى هذه القنوات ترى كائنات فضائية تحلّق فى هواء الشاشة، تفتقر إلى مقومات الرشد والإفصاح، تصلح فقط للعويل والنواح من خيبة الأمل والجهل الفاضح، فهل لك أن تنظر فى المرآة، وتسأل نفسك «هل مدحت شلبى يتحدث فى السياسة؟» وبالقطع سترد صورتك فى المرآة قائلة «إنت حمار يا حمار»، فتعاود ترديد الاسم قائلا «وكمان بيلبس الشال الفلسطينى ويخوض فى حديث المحاكمات لمبارك وعائلته» فتقسو الصورة قائلة «يبدو أنك اتخبلت اتجننت.. يا عينى عليك يا حبيب والديك». وينتهى الحوار بعد انصراف صورتك، فتطلبها مرة أخرى، لتحادثها عن تليفزيون الدولة، فتخرج صوتا من الأعماق اعتراضا، فتمتعض من سوء أدبها، وتكمل فكرتك «لقد شاهدت شخصا ضاعت منه ناصية العقل، وقفلها كشك سجاير ومحل» جزم «لامؤاخدة»، يتحدث فى برنامج اسمه «طعم البيوت» على القناة الأولى عن كيف تحول التوك توك إلى هليكوبتر «تمادت الصورة فى الاعتراض وزاد صوتها عمقا»، فقلت «وكمان بيولد الكهربا من مد وجزر البحر ولا الحوجة للسد العالى»، فصرخت الصورة عاليا «ماتبسطاهاش أكتر من كده، ماتعرضهاش يا خيالى يا إمبريالى يا متعسف»، فتابعت «عنده 48 اختراع والمذيعة بتقوله أنا فخورة بيك وباللى يدعمك» فأتانى صديق بالنبأ اليقين ليخبرنى بحقيقة عبقرينو، فبهتُّ من الصاعقة وحاولت ألا أفصح للصورة عما عرفت حتى لا تتحول الأصوات إلى أفعال والاعتراض إلى عنف. ورغم ما سبق فإن الكائن الفضائى «توفيق عكاشة» يتجاوز الجميع، يغرد خارج السرب. متفرد بطبعه، مختال حتى بصمته، منبعج حتى بأنفه، متصل حتى فى مرضه، معارض حتى نخاعه، مداهن حتى بقلبه، مذاكر حتى لا ينجح، وطنى حتى لا يفطس، متحول حتى لا ينقص، متحرر حتى لا يفكس، يتف وينف ويلف ويسف، والأخيرة من الإسفاف. إنه مثال للندرة، فعل كل الأشياء، وسيطر على ساعات البث، لم يتبق له سوى قضاء الحاجة على الهواء، فارس مغوار لا يخرج فى فاصل بل فقط يواصل ويواصل، فالهوا هواه، واللى معاه هوا محيره يجيب توفيق عكاشة ويمسمره. هذه أمثلة لإعلام اللحظة فما بالك بإعلام المستقبل، إعلام الاستقطاب والصراع؟! فأحدهم سينشئ قناة ليشتم غريمه، وأخينا بتاع السيديهات سيستهدف أعداءه ببثها على الهواء، وفى أيام قليلة ستجد قنوات طائفية وجهوية ومذهبية وفئوية وشرقية وغربية، ونموذج فضائيات العراق بعد صدام أقرب إلينا من حبل الوريد، إذا لم ينتبه المجتمع ويصنع من الآن مدونة سلوك يلتزم بها الجميع، حتى لا تجد أم فاروق تردح لجارتها على هواء فضائية «أم إبراهيم». كلمة أخيرة: ومادام الطقس والموت هما الوحيدان خارج سيطرتنا، فإنك تملك فرصة الدفاع عن نفسك أمام الكائنات الفضائية، فتسلح بخوذة الحكمة ودرع العقل وبعدها سيب نفسك للريموت كنترول. [email protected]