الأحداث التى تدور الآن داخل ماسبيرو تجعلنا نتوقف عندها ونتساءل.. لماذا تدهورت الأخلاق، وأصبحت لغة الحوار بالتراشق بالألفاظ والرمى بالحذاء.. مع أن مطالبهم مشروعة ويمكن تحقيقها لكن ليس فى هذا التوقيت الضيق.. والخزانة خاوية.. والتسويات.. والدرجات الوظيفية لم تدرج فى الميزانية منذ سنوات.. فلماذا لا يهدأون.. ويستخدمون الأسلوب الحضارى حتى تتحقق مطالبهم. لقد هالنى أن أسمع بالانفلات الأخلاقى بين المتظاهرين والمعتصمين العاملين داخل ماسبيرو.. للأسف ما يحدث لا علاقة له بأخلاق المصريين.. فليست هذه هى أخلاقياتنا أن نطرق أبواب المسؤولين بالأحذية.. فهل مطالبنا المشروعة أنستنا قيمنا على اعتبار أن الصوت العالى والهتافات بالألفاظ البذيئة هما أفضل الأسلحة فى عودة الحقوق. صحيح أن رئيس الاتحاد استقال لأنه كان مخطئاً عندما قبل هذه الوظيفة فهو يعرف جيداً أنه سيدخل عش الدبابير، وقد كان مطلوباً منه أن يضع أعصابه فى ثلاجة «ويطنش» على إهانته.. الرجل لم يتوقع أن تصل الإهانة إلى حد رشق مكتبه بالأحذية.. وللأسف يحدث هذا من إداريين وإعلاميين المفروض أنهم القدوة للإعلام المرئى والمسموع. مصيبة أن يتحول ماسبيرو إلى حارة من حارات بولاق.. نسمع فيها ألفاظاً بذيئة نخجل من سماعها أو ترديدها.. مع أن هناك طرقاً حضارية لتحقيق المطالب.. هم كمثقفين يعرفونها جيداً.. يعرفون أن اختيار مجموعة منهم تحمل مطالبهم إلى المسؤول أفضل من التظاهر.. وإذا لم يجدوا تجاوباً من هذا المسؤول.. تستطيع هذه المجموعة مقابلة رئيس الحكومة والرجل لا يرفض مقابلة المجموعات الصغيرة، التى تمثل الأغلبية، ويفحص المطالب على ضوء ما يملكه من صلاحيات. المتظاهرون فى أى موقع يعرفون جيداً أن أحداً لا يستطيع أن يلوى ذراع الحكومة.. فالحكومة تعطى الأولويات لتحقيق المطالب حسب الإمكانيات.. والتليفزيون المفروض أنه جهة إنتاجية على العاملين فيه تحقيق عائد من إعلانات البرامج، حتى لا يكونوا عبئا على ميزانية الدولة.. شأنه شأن الصحف القومية.. فمعظم الصحف «تشيل» نفسها تغطى احتياجاتها، ولا تمد أيديها لخزانة الدولة، لأن هناك احتياجات أهم من الإذاعة والتليفزيون. ما الذى يمنع أن تجتمع رابطة العاملين فى الإذاعة والتليفزيون، وتدرس الأوضاع والاحتياجات المالية ويخصصوا إعلانات التليفزيون والإذاعة لتغطية مصاريفهم؟، ويوم أن يحدث عجز تستطيع الدولة تغطيته، لأنه فى هذه الحالة سيكون عجزا قليلا لا يرهق الميزانية العامة.. فلماذا لا نؤجل مطالبنا الآن وقد سكتنا عنها سنوات طويلة.. هل يتصور المتظاهرون أن الأسلوب الغوغائى سيجذب الإعلانات أم سيكون سببا فى تطفيش المعلنين من التليفزيون؟.. إذن من الظلم أن تكون هذه التظاهرات وهذه الغوغائية داخل التليفزيون سببا فى إيقاف مورد مالى للتليفزيون هم فى حاجة إليه. إليه.. وليعلم العاملون أن الفضائيات المحلية تتمنى عدم استقرار الأوضاع فى التليفزيون الرسمى للدولة لتفوز «بتورتة» الإعلانات. لذلك أقول للعاملين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون عيدوا حساباتكم مع أنفسكم، وحافظوا على هذا المبنى.. وأوجدوا الاستقرار والأمان للمعلن.. تخلوا عن الفوضى.. وأعيدوا ترتيب البيت.. ثم ما الذى يمنع أن تكون الأولوية للكفاءات، وليست «للكوسة»؟.. وهذا لا يأتى إلا بتشكيل لجان لكل القطاعات.. فليس كل من اكتسب لقب وظيفة «مخرج» يصلح أن يكون مخرجا.. نحن الآن فى حاجة إلى الكفاءات.. فقد كانت الألقاب داخل التليفزيون تمنح لمن يطلبها.. لم تكن هناك معايير فنية يجتازها كل مَنْ يعمل فى الإخراج.. أعتقد أنه آن الأوان لاكتشاف المواهب والكوادر الفنية المتميزة، التى كانت مستبعدة عن الإخراج أو التقديم أو الإعداد.. إن معهد الإذاعة والتليفزيون هو الحكم وهو القادر على فرز هذه الكفاءات.. لأنه ليس من المعقول أن مبنى يضم أكثر من 40 ألفاً نعتبرهم من الكفاءات فى حين أن 80 فى المائة منهم لم يروا شمس النهار، فقد كانوا مهمشين أيام النظام.. مستبعدين من ذاكرة أصحاب القرار. الفرصة الآن متاحة لإعادة ترتيب البيت بعد ثورة 25 يناير التى صححت الأوضاع.. يكفى أن يعود كل مظلوم إلى موقعه.. إن رد الاعتبار الأدبى فى هذه المرحلة بالذات أهم من الحقوق المالية أو الدرجات الوظيفية إذا كنا نريد تصحيح الأوضاع.. لابد أن نضع فى اعتبارنا ظروف البلد.. والميزانية العامة.. لا نفرد عضلاتنا ونفرد معها ألسنتنا بعد أن أصبحت مصر بلدنا.. فقد كنا نعيش فيها كالغرباء.. والآن أصبح مطلوبا منا الانتماء.. فنحن نستطيع أن نجعل من ماسبيرو مبنى حضارياً ونرتقى، بمهنة الإعلام المرئى والمسموع.. وهذا لا يأتى إلا بإعادة تدريب جميع العاملين.. فنحن نعرف أن هذا العدد الضخم زيادة على حاجته، لأن جميع تليفزيونات العالم لا يزيد عدد العاملين فيها على ثلاثة آلاف.. بينما التليفزيون المصرى يعمل فيه أربعون ألفاً.. فلماذا لا نحمد الله بعد أن أصبحت هذه البيوت مفتوحة.. تعالوا نشكر الله.. ونتعامل مع ماسبيرو على أنه بيتنا. [email protected]