ألعاب المكعب.. تبحث عن الرعاية بعد تنظيم أول بطولة وطنية لها

بمجرد الدخول إلى القاعة المُقام بها بطولة ألعاب المكعب الشتوية بدار الضيافة التابعة لجامعة عين شمس، يلفت نظرك التبايُن العمرى الكبير بين المشاركين في «اللعبة الذهنية» أو «لعبة الذاكرة»، بين مشاركين من سن الطفولة جاء بهم أهاليهم إلى المسابقة التي تُعد الأولى من نوعها على مستوى مصر، ومشاركين من الشباب، وآخرين من الراشدين الذين استهواهم المكعب الملوّن بتنويعاته وأشكاله وشاركوا في الهوس به أبناءهم لتشجيعهم على الابتعاد عن الهواتف المحمولة والفيديو جيم.
في مقدمة القاعة يجلس حكم شاب من فنلندا وفره الاتحاد الدولى لألعاب المكعب ويشرف على المسابقات المختلفة ويعلن النتائج أولاً بأول، بينما على الأطراف، يتوحّد كل لاعب مع مكعبه، أو يستشير أحد المدربين في طريقة أسهل وأسرع للعب، أو يتحدّى نفسه بكسر رقم قياسى محلى أو عالمى، بينما يحاول آخر إنهاء المكعب مغمض العينين. في هذه الأجواء، صحبت مريم طفلتها هنا نادر، بالصف السادس الإبتدائى، إلى البطولة الشتوية لألعاب المكعب. بحسب مريم، الأم الثلاثينية، أهم ما جعلها تشجع هنا على الاهتمام بمكعب روبيك، دعمها لمهارات التركيز والذاكرة لدى طفلتها، وتحرص على إشراكها في أي تدريب، أو بطولة تتعلق بها. تلعب مريم أكثر من شكل من أشكال المكعب، وتستطيع أن تنهى المكعب 3*3، وهو الشكل الأساسى من المكعب، في 7 ثوان فقط. في قاعة اللعب، يعتبرونها «بطلة محلية». من جهتها، تحب المكعب لأسباب خلاف أسباب والدتها، فتقول هنا ل«المصرى اليوم» «اللعبة بتسلينى، وأما بحقق رقم كويس بكون مبسوطة»، لكن في مقدمة أسبابها لحب ل «روبيك»، دعم تفردها فيه لثقتها في نفسها واختلافها بين زملائها «أحلى حاجة في المكعب أما حد ييجى يسألنى إزاى بتعمليها ماتعلمينى، الناس بتفتكرها سهلة وهى صعبة».
جاء محمد ممدوح، مهندس زراعى، كذلك إلى البطولة، بصحبة صغيره، كريم، الذي لم يتم بعد 8 سنوات. على حداثة سنه، فإن موهبة كريم في الأرقام استثنائية، وفق والده، فقد حصل على دورة تدريبية واحدة فقط لتعلم أساسيات لعب المكعب، وطور مهارته في اللعب بمجهوده. لا يعتبر محمد مهارة صغيرة في اللعب مفاجأة، فقد أظهر منذ صغره ألفة مع الأرقام والحساب، ما جعل والده يلحقه بدورات «يوسى ماس» الشهيرة.
أداء كريم كان مذهلاً لوالده في البطولة، إذ استطاع أن ينهى المكعب في أقل من دقيقة، لكنه يعتقد أن ما يفتقده صغيره أن يحصل على فرصة للتمثيل عالميًا، وذلك بإنشاء اتحاد مصرى يضم اللاعبين، ويكون معترف به عالميًا، ليسمح لهم بفرصة تمثيل مصر في البطولات الدولية.
صفحة «روبيك إيجبت» تُعد أكبر تجمع لمُجتمع مُحبى ألعاب المكعب في الوطن العربى، بدأت قصة الصفحة من نحو 6 سنوات، حينما بدأ شغف محمود صلاح، أدمن الصفحة والخريج الحديث من كلية الحقوق، بألعاب المكعب، فقرر تعريب المحتوى الخاص باللعبة الذهنية، ليعتبر أن مطالبات الهواة بتنظيم بطولة كانت التطوُر الطبيعى لنشاط الصفحة، وتوسع مجتمع مُحبى المكعب.
«أول مسابقة اتعملت كانت في شهر أغسطس السنة اللى فاتت، البطولة الشتوية هذا العام حضرها حوالى 80 مشترك» يشرح محمود، فيما يؤكد أن تجمع كهذا بمصر لواحدة من أكثر الألعاب شعبية حول العالم، كان حلمه الشخصى منذ أعوام، غير أنه يرى أن اللعبة ينقصها الكثير من الدعم والرعاية الإعلامية والمادية، والأهم تدشين اتحاد مصرى للرياضات الذهنية كألعاب الذاكرة، ويوسى ماس، والشطرنج، والمكعب. مهند محمود، بطل آخر من أبطال «البطولة الشتوية لألعاب المكعب»، إذ استطاع تحطيم الرقم المحلى بعد أن أنهى المكعب 3*3 في ثانيتين فحسب، يشرح محمود الفرق بين أشكال المكعب فيقول «3*3 الأساسى، اللى بيعرف يعمله، بيعرف يعمل الباقى». قبل 6 أعوام ونصف، حينما بدأ مهند الاهتمام ب «روبيك»، كانت اللعبة شبه مجهولة، اليوم إذ يستقطع من وقته الدراسى بالصف الأول الثانوى ليحضر البطولة الرسمية الثانية، يشعر بالسعادة لتنوع أعمار وفئات المشاركين، مؤكدًا أن المزيد من الانتشار ينتظر المكعب، ويتوقف الأمر على استقبال اللعبة على أنها ليست مجرد «لعبة أطفال»، وأن يدرك رعاة الألعاب أنها قد تصبح لعبة شعبية مثلها مثل كرة القدم، والدليل تنظيم هذه المسابقة والإقبال عليها.
من باب تخليص أطفالها من أسر الفيديو جيم والهواتف، تعرفت دكتورة أمل، الطبيبة والمدرسة بالقصر العينى، على مكعب روبيك، وجلسة صفا وبين ولديها منذ نحو عام، انتهت بتعلمها أساسيات اللعبة، والمعتمدة على حفظ عدد من الخوارزميات «بدأت بتعلم حل مكعب 3*3، وبعدها 2*2، دلوقتى بقالى شهر بتعلم في الشكل الهرمى».
رغم أن تعرفها على اللعبة جاء لمشاركة صغارها في هوايتهم، أصبحت علاقة دكتورة أمل، الأم الثلاثينية، بالمكعب وثيقة في الأيام الأخيرة، حتى إنه صار لا يفارقها حتى في المدرج، تقول أمل «بقيت أشرح في المدرج وأنا ماسكة المكعب، في البريك كملت لعب، وأما حليته، لقيت المدرج كله بيسقف، مكنتش عارفة إن الطلبة مركزين معاه».
وتضيف «زمان المكعب كان في كل بيت، بس محدش بيعرف يحله، دلوقتى لأ بقى في اهتمام بيه، بالنسبالى هو فكرة كويسة جدًا، وأتمنى يتخصص وقت في المدارس لتعلم ألعاب زى دى».
بحسب، محمد جمال، أحد منظمى البطولة، ورئيس الاتحاد المصرى لألعاب الذاكرة (تحت الإشهار) الرحلة لإقامة بطولة كهذه لم تكن سهلة تمامًا، فالبداية كانت بالحصول على ترخيص من WCA (الاتحاد الدولى لألعاب المكعب) لإقامة بطولتين في العام: صيفية وشتوية، فيما يؤكد أن الألعاب الذهنية التي يندرج تحتها روبيك أشمل من ألعاب الذاكرة، لكن ضم المكعب لألعاب الذاكرة جاء لأن حله يتطلب حفظ عدد من الخوارزميات والمعادلات. من ناحية أخرى، يقول جمال إن أي مسابقات أقيمت من قبل لمكعب روبيك كانت مجرد مسابقات استعراضية، ولكن لم يكُن معترفًا بها أو بأبطالها عالميًا ولا بالأرقام التي يحققونها، لتقام أول بطولة برعاية WCA، وهى بطولة مصر الوطنية لألعاب المكعب، أغسطس الماضى، بعد تفاوض لعدة أشهر، برعاية حكم دولى من فرنسا وحضور 64 مشاركا. أما المسابقة الشتوية فستقام في مارس من كل عام، وتأتى هذا العام برعاية حكم مفوض من WCA فنلندى الجنسية، وبحضور 80 مشاركا، بحسب جمال، الذي يقول إن ملف اتحاد الرياضات الذهنية ومن بينها روبيك ينظر حاليًا أمام وزارة الشباب والرياضة قيد بعض التعديلات، فيما يؤكد أنه لا توجد أي تحفظات عليها خلاف «ألعاب الذاكرة»، لأن روبيك لعبة لها شق ميكانيكى، بينما ألعاب الذاكرة معظمها على الورق.
وفقًا لجمال، يعطى اعتراف الاتحاد الدولى لألعاب المكعب العديد من المزايا للاعبين المصريين، في مقدمتها أن اللاعب يحصل على ترتيب محلى وقارى وعالمى معترف به على موقع الاتحاد، فيما يتمنى أن يعترف بالروبيك كرياضة وتُخصص لها حصص مدرسية، ودورات في الأندية الرياضية، في الوقت الذي يعمل فيه الاتحاد (تحت الإشهار) على تقديم دورات تدريبية للهواة، وتوفير المكعبات للاعبين بكل أشكالها.