د. جبريل العبيدى يكتب: «إخوان» ليبيا وفوبيا الجيش

نقلاً عن صحيفة «الشرق الأوسط»
فوبيا الجيش الليبى أصبحت متلازمة مرضية يعانى منها إعلام وساسة، حتى مقاتلو ميليشيات الإسلام السياسى فى ليبيا.
فى فبراير 2014، كان إعلان الجنرال حفتر وفى خطاب متلفز حل المؤتمر الوطنى العام، داعياً إلى تشكيل حكومة انتقالية، بعد أن كان المؤتمر الوطنى قد مدَّد ولايته من دون قاعدة دستورية أو انتخابية، ما جعله فاقداً للشرعية.
الجنرال حفتر هو القائد الرسمى للجيش الليبى المُعيّن من قِبل مجلس النواب المنتخب، وهو الذى بدأ الشروع فى جمع شتات القوات المسلحة العربية الليبية، بدعمٍ من زملائه الضباط السابقين فى مايو 2014، ثم أعلنَ إطلاق عملية الكرامة التى بدأت بشن هجوم جوى وبرى مشترك على ميليشيات الإسلام السياسى فى بنغازى، التى كانت جماعة الإخوان الحاكمة تسميها «الدروع»، وهى قوات ميليشياوية قادتها وأغلب أعضائها من متطرفى «القاعدة» و«الإخوان»، بل إن بعضهم بايع «داعش» مثل الداعشى أسامة بن حميد.
من يعرف ليبيا، خصوصاً بعد إسقاط «الناتو» الدولة الليبية، وليس فقط نظام القذافى، كان الدمار الأكبر فيها من نصيب الجيش الليبى، الذى دمرت معسكراته وقواعده الجوية والبحرية جميعها، بينما اكتفى حلف الناتو بضرب أبواب مخازن السلاح، كأنه كان يريد أن يمكِّن الميليشيات (الثوار) كما كان يسميهم إعلام الجزيرة، من الاستيلاء على ترسانة السلاح المخزون، الذى جمعه القذافى على مدى سنوات، واشتراه بأموال طائلة وبغير حساب من خزينة الشعب الليبى المقهور.
المؤسسة الليبية التى باتت تحت الرماد، بعد ضربات حلف «الناتو»، استطاعت بفضل ضباطها وأفرادها أن تستجمع أمرها، وتنهض من جديد، وها هى الآن تستعيد هيبتها.
ميليشيات الدروع كانت قوات موازية للجيش الليبى، تدين بالولاء لجماعة الإخوان، وتأتمر بأمرها، والدليل اصطفافها خلف جماعة الإخوان فى حربها التى سمَّتها «فجر ليبيا»، والتى انتهت بتدمير أكبر مطار جوى فى ليبيا، وتدمير أغلب أسطول الطيران الليبى على أيدى ميليشيات «الإخوان»، فهذا التنظيم يقاتل بأظافره للسيطرة التامة على ليبيا لجعلها بيت مال التنظيم، فقد ظن أن الفرصة كانت مواتية له.
قبل خروج المشير حفتر، بتأييد من القبائل، وبدعم لا ينكر من البرلمان المنتخب، كانت مدينة بنغازى خصوصاً تشهد يومياً اغتيال ما لا يقل عن عشرين بين ضابطا وجنديا وحتى المتقاعدين منهم، وكانت تقوم بكل هذا جماعات مرتبطة بتنظيم إخوان البنا وقطب، لأنهم كانوا يعلمون أن الجيش لم يكن ليستكين لما يجرى فى البلاد.
القوات المسلحة العربية الليبية بعد أن استطاعت تحرير بنغازى كبرى مدن برقة وثانى مدن ليبيا من ميليشيات الإرهاب، وبعد تحرير مدينة درنة، استطاعت تسديد ضربات موجعة للتنظيمات الإرهابية بالقبض على الإرهابى الدولى عشماوى، وبعدها توالت معارك التحرير بالتزامن مع بناء قدرات الجيش الليبى، وإنشاء كليات عسكرية بمختلف التخصصات العسكرية ومدارس للجنود وضباط الصف، وانطلقت قوات الجيش إلى الجنوب حيث دكَّت الإرهابيين هناك، ثم جاءت معركة تحرير طرابلس فى إبريل 2019.
لذا، فإن فوبيا الجيش، أصبحت هاجساً لإخوان البنا وقطب، بعد هزائمهم المتكررة ودحر ميليشياتهم، وفشل مشروعهم فى ليبيا رغم التدخل التركى الهائل.
الجيش الوطنى الليبى العريق الذى تأسس عام 1949، أى قبل إعلان استقلال ليبيا نفسها، يسميه التنظيم الإخوانى قوات حفتر، أو «ميليشيات حفتر»، وهذا فى حد ذاته فجورٌ فى الخصومة، إذ إنهم يعلمون أنه جيش منظم، وليس ميليشيات فوضوية ترعب المدنيين.
الأزمة الليبية هى أزمة أمنية وليست سياسية، وبالتالى لن يكون الحل الناجع سوى الحل العسكرى للتخلص من ميليشيات الإسلام السياسى، التى تحاول استنساخ «حزب الله» آخر فى ليبيا، فليبيا لن تنهض إلا بإسقاط هذا التنظيم، بل إن المنطقة وبالذات دول الجوار، لن تنعم بالأمن والسلام إلا بإحباط هذا المشروع الإخوانى الشرس العابر للحدود.
* كاتب وباحث ليبى