الوطنية للانتخابات: البحيرة تحتل المرتبة الأولى فى إقبال المواطنين على اللجان (فيديو)    حضور كثيف من المواطنين بالبحيرة للإدلاء بأصواتهم في اليوم الثاني بانتخابات النواب    رئيس الوزراء يلتقي سكرتير عام المحكمة الدائمة للتحكيم    مصر الجديدة للإسكان تغرد بأداء مالي متميز خلال أول 9 أشهر من 2025..تجاوز الإيرادات 1.27 مليار جنيه بنمو 42%    ألاعيب نتنياهو.. و«بقلاوة» بن غفير!!    سفير تركيا: فيدان يستقبل وزير خارجية مصر غدًا في أنقرة للتحضير لمجلس التعاون الاستراتيجي    السفير الفلسطيني بالقاهرة يشيد بالدور المصري في دعم فلسطين ورفض مشاريع التهجير    عوامل الفشل الستة فى السابع من أكتوبر    الزمالك يقرر مخاطبة رابطة الأندية لتأجيل لقاء سموحة بالدوري    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    تأجيل لقاء المصرى ودجلة بالدورى ومباراتي الأهلى والزمالك تحت الدراسة    تجديد حبس 11 متهمًا استغلوا أطفالًا في التسول بالجيزة    ضبط قائد سيارة نقل اعتدى على مواطن بالسب والضرب بسبب خلاف مرور    حفل زفاف هايدي موسى على الإعلامي محمد غانم (صور)    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    وزير الثقافة يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    مستشفيات قصر العيني تنظم يوما تعريفيا للأطباء المقيمين الجدد (صور)    مأساة على الطريق الزراعي.. سيارة تدهس عابر طريق وتودي بحياته في لحظات    «بيحطوا روج للتماثيل».. فتيات يثيرن الجدل خلال زيارتها للمتحف المصري الكبير (صور)    لحاملي بطاقات الصحافة.. المهرجان يتيح الحجز الإلكتروني المبكر لتذاكر عروض القاهرة السينمائي    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    مراسل «القاهرة الإخبارية» من البحيرة يرصد عملية مراقبة لجان الانتخابات البرلمانية    محافظ الإسكندرية: انتخابات النواب 2025 تسير بانضباط في يومها الثاني    مسار يكتسح 15 أغسطس بخماسية في مجموعة الموت بدوري أبطال أفريقيا للسيدات    المنظمة الدولية للهجرة تحذر من قرب انهيار عمليات الإغاثة في السودان    أوغندا تهزم فرنسا في كأس العالم للناشئين وتتأهل "كأفضل ثوالث"    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة سموحة في سوبر اليد    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    الاتحاد الأوروبي يخطط لإنشاء وحدة استخباراتية جديدة لمواجهة التهديدات العالمية المتصاعدة    بعد أزمة صحية حادة.. محمد محمود عبد العزيز يدعم زوجته برسالة مؤثرة    ليفربول يبدأ مفاوضات تجديد عقد إبراهيما كوناتي    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    الحكومة المصرية تطلق خطة وطنية للقضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي 2025-2030    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    تقنيات جديدة.. المخرج محمد حمدي يكشف تفاصيل ومفاجآت حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ال46| خاص    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    شاب ينهي حياة والدته بطلق ناري في الوجة بشبرالخيمة    دار الافتاء توضح كيفية حساب الزكاة على المال المستثمر في الأسهم في البورصة    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    التغيرات المناخية أبرز التحديات التى تواجه القطاع الزراعى وتعيد رسم خريطة الزراعة.. ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول يؤثر على الإنتاجية.. ومنسوب سطح البحر يهدد بملوحة الدلتا.. والمراكز البحثية خط الدفاع الأول    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    انتخابات مجلس النواب 2025.. توافد السيدات والفتيات على لجان الاقتراع بالمنيا    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    معلومات الوزراء يسلط الضوء على جهود الدولة فى ضمان جودة مياه الشرب    بينهم أجانب.. مصرع وإصابة 38 شخصا في حادث تصادم بطريق رأس غارب    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«خارج العزلة».. قصة قصيرة
نشر في المصري اليوم يوم 02 - 01 - 2020

كنا نضحك حين كنا نرى «مُعوض» يمشى على مهل أمام جاموسته ليس بينه وبينها سوى رسن غير متين، وأيام من العشرة الحسنة والتفاهم. كان ضحكنا لأنه لنا مثل صارخ على الانقطاع عن الدنيا بأكملها، فى سبيل المسافة القصيرة بين بيته الخفيض، وحقله الضيق.
تذكرته وأنا واقف فى ميدان التحرير فى ساعة الذروة، وقلت لصديق من قريتى، كان يصطحبنى فى سفر عابر:
هل لو كان «معوض» مكاننا سيكون بوسعه أن يعبر الشارع؟
ضحك يومها وقال:
سيقف يوما كاملًا ولا يستطيع العبور.
لم يغادر قريتنا أبدًا، فصار مضرب أمثالنا فى الولاء المقطوع به للشوارع والجسور التى احتضنت أيامنا الأولى وغادرناها. رآه بعضنا الشىء الوحيد الذى ورثناه من الأجداد، قبل أن يخرج من صلبهم الذين هم نحن، ممن غادروا القرية، واختلطوا بأناس وأشياء لا تروق للجدات والأجداد، الذين طالما استعذبوا العزلة الهادئة.
لم يدر أحد منا أبدًا أن هذا الذى نسخر منه فى المدن المتوحشة، بوسعه أن يكون لديه ما نتعلمه منه.
من أين راقت هذه الحكمة فى رأسه؟
سأل أحدنا، فأجابه آخر:
شىء عجيب أن يكون هذا الذى نعتبره من البلهاء قادرًا على أن يرد علينا بهذه الطريقة.
كنا يومها نسأله عن الحياة، ففوجئنا به يقول لنا:
مشوار قصير، والمهم أن البنى آدم لا يؤذى أحدًا أبدًا.
كان يعيش بين بيته البسيط وحقله الذى تقبض بقية الحقول على أنفاسه، ولم يكن أحد منا بوسعه أن يدرك يومًا أن له لسانًا، ينطق بما يهتدى إليه عقل يفكر.
«هل بوسع الحمير أن تستلهم الحكمة؟»
سأل واحد منا كان يعتقد أن سفره إلى بعض بلاد الدنيا قد جعله مميزًا، لكن آخر قال له:
ليس هو حمار على أى حال.
سافر كثيرون إلى بلاد النفط، وعادوا بأموال هدموا بها بيوت الطمى، وأقاموا مكانها حوائط الطوب الأحمر والأسمنت، ولبسوا أثوابًا نظيفة، وانتعلوا أحذية تلمع فى صهد الشمس، وذهبوا إلى البندر واشتروا ما لذ وطاب حتى نفدت نقودهم.
وحده لم يكن ينظر إلى أى شخص، إن مدوا أيديهم التى صارت ناعمة إلى يده الخشنة تأففوا، لكن أحدًا منهم لم يستطع فى أى يوم أن يزعم أن رائحة الرجل المعزول ليست طيبة.
هل عرف العطور مثلنا؟
سأل أحدهم، فقيل له:
لا يمكن.
لكن هناك من كذبوا هذا، وقالوا:
تنبعث من جسده رائحة طيب.
كانت الإجابتان سليمتين، فهو قد اهتدى إلى الحبق الذى كان ينبت على ضفتى الترعة، يقطف أوراقه، ويدعك بها تحت إبطيه، وكفى يديه، كلما أهال الماء على جسده فى الطست الواسع الذى لا يسعه الكنيف الضيق فيضعه أمام باب الحظيرة، مطمئنًا إلى خروج ابنيه، وإغلاق زوجته باب البيت بالمزلاج القوى.
حين فتحنا عيوننا على الدنيا وجدناه على هيئة لم تتغير مع تقدم العمر بنا. وتد فى الأرض، وعمامة تشاكس الريح حين تميل، وبينهما جسد قصير متين مدكوك، كأنه قُدَّ من صخر. كلنا عرفنا عيادات الأطباء، ومعامل التحاليل، وغرف العمليات الجراحية. وحده بقى على حاله، لم يزره مرض، وحين كنا نسأله، كان يبتسم، ويصمت قليلًا، ويقال:
عليك بالبصل والثوم وحشيش الأرض.
نظرنا إليه فى تعجب:
حشائش الأرض؟!!
نعم.
إنها أكل البهائم.
يضحك من جديد، ويقول:
ما بهيم إلا بنى آدم.
كان يعرف الكثير عن الذين ماتوا ولم نرهم، وصار يعرف أكثر عن جيلنا الذى حل على رأسه بغتة، وسمع منه كلامًا غريبًا، تعلمه فى المدارس. مع الأيام تفرقت بنا السبل، فمن بيننا من سافر إلى بلاد بعيدة، ومن استقر فى البندر، أو انتقل إلى قرية مجاورة فيها من مظاهر التمدن الكثير، لتشحب ذاكرتنا، وتغيض فيها التفاصيل الآسرة.
وحده بقى، يحكى للأجيال التالية قصصًا عن زمن طويل مضى على بلدنا، لم يره أحد رأى العين مثله، ولم يسمع غيره، وهو صامت كجبل، كل هذه الأسرار، حتى صار لا غنى عنه إن أراد اللاحقون أن يسألوا عن الذين سبقوهم، عن حسبهم ونسبهم، وعما إن كانوا من الأخيار أم من الأشرار، ويستيقنون منه عن أخبار سمعوها ونسجت حولها الأساطير، فيعيدهم إلى مجرى الحكاية الأصلية فى هدوء.
أطلقنا عليه من أماكننا البعيدة، بعد أن وصلتنا أخباره لقب «مؤرخ القرية»، فذهب إليه كلامنا، فلم يلق له بالًا، واستمر يحفر فى الزمن ويأتى بأصل الحكايات. ورغم أنه لم يكن يتحدث من تلقاء نفسه، لكن حينما تنهمر فوق رأسه أسئلة الصبية والشباب لا يكف عن الحديث.
قهقه واحد منا، نحن الذين ابتعدنا لأسباب شتى، وكتب ذات يوم على صفحته فى موقع «فيسبوك»، تحت صورة «معوض» وهو جالس تحت سيقان جاموسته، وخلفه مدى أخضر تحط عليه زرقة صافية:
«الآن أدركنا أن الرجل الذى حسبناه فى الزمن البعيد مقطوعًا عن العالم، هو وحده فى قلب العالم، أما نحن، فقد انقطعنا عن كل شىء حميم حين تفرقت بنا السبل، وغرق كل منا فى أحزانه اليومية لاهثًا وراء مطالب لا تنتهى، كلما هرول نحوها ابتعدت عنه جذوره».
واستملح الناس الصورة وما كتب حولها، فانهال التحبيذات والمشاركات والتعليقات، التى جذبت كل أبناء القرية المنثورين فى بلاد الله، فدخلوا جميعًا ليعلقوا ويردوا على أسئلة الغرباء، واستمر هذا أيامًا، حتى صار «معوض» أشهر شخص فى قريتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.