مستقبل التنمية فى مصر «ديناميكية الأسواق والمهارات»

مؤشرات أداء الأسواق الإنتاجية (للسلع والخدمات) تضع مصر فى المرتبة (100) على المستوى العالمى.
تُمثل السياسات والبرامج الخاصة بديناميكية أسواق السلع والخدمات، وسلم المهارات والجدارات الشخصية والاجتماعية والذهنية عنصرا رئيسيا مؤثرا فى مستقبل التنمية الاقتصادية، وإحدى دعائم استدامتها. ومن ثم فإن مراجعة مؤشرات مصر المُقارنة فى هذا المجال يُعد أمرا ضروريا لدعم اتخاذ القرارات التنموية ورسم السياسات الاقتصادية. وتفيد مؤشرات تقرير التنافسية العالمى إلى أن أداء مصر يُعد أقل من المتوسط العالمى فى عام (2019).
ففيما يخص مهارات قوة العمل، احتلت مصر المرتبة (99) من (140) دولة بالتقرير. ورغم أن معظم مؤشرات قوة العمل المصرية كانت فى منطقة متوسطة بين الدول بشكل عام، فإن تواضع مستوى جودة التدريب المهنى (الدولة رقم 129)، والقصور فى مهارات خريج المنظومة التعليمية (الدولة 133)، وعدم اعتماد أسلوب التفكير النقدى بشكل أساسى فى العملية التعليمية والتدريبية (الدولة 123)، قد تسبب فى تراجعها إلى مرتبة أقل من المتوسط. وبصرف النظر عن مدى دقة هذه المؤشرات فإنها تشير إلى ضرورة تكثيف مصر للسياسات الرامية إلى إكساب الخريج حزمة متكاملة من مهارات أسواق العمل إلى جانب ما يحصله من جدارات مهنية، والتوسع فى برامج التدريب وإعادة التأهيل فى إطار استراتيجية مُعتمدة للتعلم مدى الحياة، مع الاهتمام بالتدريب المهنى والتكنولوجى. كما يتطلب الأمر استكمال جهود الدولة المصرية فيما يخص تطوير وتحديث أساليب التدريس والتعلم، وتكنولوجياتها المتقدمة.
على مستوى أسواق العمل، يشير تقرير التنافسية إلى ضعف السياسات الفعالة لإدارة أسواق العمل، وعلى وجه الخصوص تلك الموجهة لإعادة تأهيل الباحثين عن فرص عمل، وإكسابهم الجدارات والمهارات المرغوبة (الدولة 107)، وعدم كفاية منظومة الحوافز ودعم الجدارات المهنية الموجهة لتحسين كفاءة أسواق العمل (الدولة 129) دوليا. كما لم يحقق المؤشر الدال على سياسات شركات الأعمال بخصوص مكافأة العمالة التى انتهت فترة عملها النتيجة الملائمة (المرتبة 131) عالميا. وأخيرا، حققت مصر المرتبة (121) فى المؤشر النسبى لمعدلات ضرائب العمل المدفوعة من قطاع الأعمال كنسبة من الأرباح التجارية. وتُفيد المؤشرات السابقة إلى ضرورة مراجعة قوانين ولوائح أسواق العمل المصرية من أجل تحسين معدلات أدائها المقارن عالميا.
من ناحية أخرى، فإن مؤشرات أداء الأسواق الإنتاجية (للسلع والخدمات) تضع مصر فى المرتبة (100) على المستوى العالمى. إذ احتلت مصر الترتيب (137) فى انفتاح أسواقها على العالم الخارجى وتحرير معدلات تجارتها الدولية، وتراجع أداء منظومتها للتعريفات الجمركية (الترتيب 136 من 140 دولة)، ودرجة تعقيد منظومتها للتعريفات والضرائب غير المباشرة (الترتيب 86)، وهى نتائج تشير فى مجملها إلى قصور فى آليات عمل أسواق التجارة الخارجية بمصر.
من ناحية أخرى، كانت متغيرات الأسواق المالية غير مشجعة. حيث تشير نتائج تقرير التنافسية إلى تواضع حجم التمويل المخصص للقطاع الخاص (المرتبة 101) عالميا، والعائد المحصل من قسائم التأمين كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى (المرتبة 114)، وفجوة الاقتراض التى تتحدد بنصيب تمويل القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالى (المرتبة 124). بيد أنه من المتوقع أن يساهم تراجع سعر الدولار وتخفيض معدلات سعر الفائدة البنكية فى زيادة تمويل المشروعات الإنتاجية للقطاع الخاص.
وتشير الأدلة التحليلية لديناميكية إدارة الأعمال أيضا إلى تراجع ترتيب مصر فى مجال تكلفة بدء النشاط الاقتصادى (المرتبة 124)، وتواضع السياسات الرامية إلى التصحيح المالى للشركات التى أشهرت إفلاسها (المرتبة 107)، وعدم انتشار الثقافة المجتمعية لريادة الأعمال بالشكل الكافى (المرتبة 117). يُضاف إلى ما سبق أن مؤشر عدد العلامات التجارية لكل مليون نسمة من السكان قد حقق المرتبة (101) على المستوى الدولى، فى حين حصدت مصر المرتبة (85) فى مجال درجة تعقيد الأسواق وتقدمها التكنولوجى. وتشير هذه المؤشرات فى مجملها إلى ضرورة معالجة القصور فى ديناميكية عمل الأسواق، وآليات المتاجرة بها، وقدرتها على الابتكار.
وأخيرا، فإن تواضع أداء المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بمعدلات الإنتاجية والتنافسية، وما يتطلبه ذلك من إعادة نظر فى بعض السياسات من أجل تصحيح المسار الإنمائى، يجب ألا يخفى الإنجازات والمزايا النسبية التى حققها الاقتصاد المصرى فى عدد من المجالات التنموية، وهو ما سأناقشه فى مقال قادم.