أغانى المهرجانات

أثار قرار منع مغنى ما عرف بالمهرجانات ضجة بين مؤيد ومعارض، ظهرت آثارها على مواقع التواصل الاجتماعى. فقد أيد هذا القرار بعض من المنتمين إلى الطبقات الوسطى لأن كلمات هذه الأغانى وأسلوبها لا يلائمهم، وهى غالبًا لا تعبر عن القيم التى يتبناها بعضهم. فهم يجدون فيها إسفافًا غير مرغوب أو انحدارًا غير مقبول. أما آخرون، فأصابهم القرار بصدمة لأنهم وجدوا فيه نوعًا من التكبر أو التجبر على اختياراتهم ومزاجهم فى سماع هذه النوعية من الأغانى والتفاعل معها؛ فلم يفهموه أو يستسيغوه.
والحقيقة هى أنه على الرغم من أنى، بشكل شخصى، لا أحب هذه الأغانى وأرى أن غالبيتها لا يرتقى لمستوى الغناء أو الفن إلا أن منعها لن يغير فى الأمر شيئا، ولن يوقف انتشارها. فهى ظهرت كتعبير عن حالة ثقافية سادت وباتت ممثلة لجزء غير قليل من الشارع المصرى. فهو الذى أفرزها وهى تعبر عنه، وعن حالته ومزاجه. وبما أن ظاهرة أغانى المهرجانات معبرة عن مزاج وتفضيلات مجموعات وفئات مجتمعية، فانحسارها لن يحدث سوى بتغير هذا الذوق واختياره طواعية نوعيات غنائية وفنية مختلفة. فمثلما تعكس الأفلام حالة المجتمع، بل يمكن من خلالها رصد حالته وتطوره (أو تراجعه) عبر الزمن؛ فبالمثل، تعبر هذه الأغانى عن حالة الناس وذوقهم وتغيره بمرور الوقت.
سيظل دومِا لهذه النوعية من الأغانى سميعة، ولكن لو أردت تقليل جمهورها بشكل ينقلها إلى مساحة هامشية فى المجتمع، فعليك فهم الحالة الاجتماعية والثقافية التى أنتجتها، والعمل ببساطة على تغييرها. فلا يمكن أن تترك غالبية المجتمع فى هذا المستوى من الفقر وغياب التعليم، ثم تتساءل لماذا يحبون هذا النمط من الأغانى المبتذلة؟. ولا يمكن أن تصمم البلد عمرانيِا بشكل يمنع الاختلاط الطبقى والثقافى (حيث «الكمباوندز» المعزولة) ثم تتساءل لماذا تتقوقع بعض الفئات الشعبية حول اختيارات غنائية كهذه، بل يرى فيها بعضهم تحديا لسياسات اقتصادية وعمرانية تعمل على عزلهم اجتماعيًا. ولا يمكن أن يعيش الناس (بجميع طبقاتهم ولأسباب مختلفة) فى هذا الكم من الضغط، ثم نتساءل لماذا يجنحون نحو أغان سطحية ولكنها تخرج الطاقات المكبوتة كتلك؟، ولا يمكن أن ترعى الدولة بنفسها بعض مطربى المهرجانات ثم تحزن بعد ذلك على ارتفاع شعبيتهم أو على تردى الذوق العام.
وأخيرًا، لا يمكن أن نعيش فى عصر الفضاء المفتوح، ووسائل التواصل الاجتماعى، ونتصور أن قرار المنع يمنع ما هو بالفعل متاح للجميع.
nadine.abdalla1984@gmail.com