نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    عيار 21 الآن.... تعرف على اسعار الذهب اليوم الجمعه 14نوفمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    ▪︎وزراء التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والزراعة واستصلاح الأراضي والأوقاف يتفقدون "المركز الزراعي المتكامل" بسهل القاع    باحث إسرائيلي: بنيامين نتنياهو يتعرض ل "دهس ملكي" على يد ترامب    حازم إمام ناعيًا محمد صبري: ربنا يديك على قد نيتك الصافية وروحك الحلوة    تقلبات خريفية....حالة الطقس المتوقعه اليوم الجمعه 14نوفمبر 2025 فى المنيا    حصن يومك.. أذكار الصباح والمساء ترفع الطمأنينة وتزيد البركة    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    مباحثات مع وفد البنك الدولي في مختلف مجالات البترول والتعدين    استمرار رفع درجة الطوارئ لمواجهة أمطار نوة المكنسة بالإسكندرية    وزير الزراعة: 8.2 مليون طن إجمالي صادرات مصر الزراعية    جهود مكثفة من واعظات الإسماعيلية لدعم السيدات في فن إدارة الأسرة    الولايات المتحدة توافق على أول صفقة أسلحة لتايوان منذ عودة ترامب إلى الحكم    روسيا تعلن إسقاط أكثر من 200 مسيّرة أوكرانية    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    وفاة محمد صبري لاعب الزمالك السابق    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    الأهلي يسعى للحفاظ على لقبه أمام سموحة في نهائي السوبر المصري لليد بالإمارات..اليوم    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    أمطار غزيرة يصاحبها برق ورعد بالبحيرة    تحذير للمعتمرين... أمطار رعدية وسيول فى مكة ومناطق بالسعودية    مهرجان القاهرة السينمائي، حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع الليلة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    وزير الزراعة: 8.2 مليون طن إجمالي صادرات مصر الزراعية    الصحة: فحص أكثر من نصف مليون طفل للكشف عن الأمراض الوراثية    الرئيس التنفيذى للمجلس الصحى: الإعلان قريبا عن أول دبلومة لطب الأسرة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    انخفاض في درجات الحرارة بشمال سيناء    كوريا الشمالية تدين دعوة مجموعة السبع لنزع سلاحها النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    بإطلالة جريئة.. مي القاضي تثير الجدل في أحدث ظهور    نانسي عجرم عن أغنية أنا مصري وأبويا مصري: استقبلوني كنجمة كبيرة ورصيدي أغنيتان فقررت رد التحية    دليلك الشامل ل طرح شقق سكنية جديدة في 6 أكتوبر بالتقسيط.. الموعد وسعر كراسة الشروط    ميسي يحمل قميص "إلتشي".. ما علاقته بمالك النادي؟    حجر رشيد.. رمز الهوية المصرية المسلوب في المتحف البريطاني    خالد الغندور: اجتماع منتظر في الزمالك لحل أزمة مستحقات جوميز ويانيك فيريرا    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    خبر حقيقي.. مؤلف «كارثة طبيعية» يكشف سبب فكرة العمل    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    أمراض بكتيرية حولت مسار التاريخ الأوروبي: تحليل الحمض النووي يكشف أسباب كارثة جيش نابليون في روسيا    المركز الأفريقى لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي ل«مرض السكر»    يلا كورة بث مباشر.. مباراة مصر وسويسرا في كأس العالم للناشئين 2025 بقيادة أحمد الكاس    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    مصرع 3 أشخاص وإصابة 4 في حادث تصادم سيارتين بالكيلو 17 غرب العريش    السيطرة على حريق شب في مخزن للمساعدات الإنسانية جنوب العريش    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    "بي بي سي" تعتذر لترامب عن مقطع محرّف وترفض طلبه على تعويض    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عنب الثورة المرّ..
نشر في المصري اليوم يوم 05 - 05 - 2011


الحرية والديمقراطية..
كلمتان تشهدان أعلى نسبة استهلاك فى مصر الآن.. هما محشورتان فى كل حديث حتى لو كان تافهاً ومملاً، وهما جوهرتان فى صدر كل مقال مكتوب، وأيضاً فاكهة الكلام فى أى حديث تليفزيونى لكل متحدث جسور.. وأيضاً هما من أدوات أى ساحر سياسى، حيث يتلاعب بهما فى مهارة وخفة ويجعل الحرية حمامة تطير، ويحول الديمقراطية إلى منديل ملوَّن.. وهناك من الشعوب من تتعاطى الحرية والديمقراطية بالطريقة التى يفرضها الحكام، فيكون هذا التعاطى مثل تعاطى المخدرات، حيث القناعة بالوهم والاستمرار فى جمع الأصفار، وقسمة الأصفار، وضرب الأصفار فى الأصفار، ليكون الناتج فى النهاية هو الصفر..!
بهذه المقدمة القصيرة ألتمس لنفسى العذر وأنا مُقْدم على دفع بعض مما فى صدرى من هموم ومخاوف وهواجس إلى الخارج حتى لا يختنق القلب، ويكف عن الخفقان.. فالثابت أن الواقع الذى نعيشه الآن مضطرب وغير آمن ويبعث على الخوف الحقيقى..
فقد عشنا أيام الثورة الفعلية والحقيقية، التى انطلق بها صفوة شباب مصر، وكان وقودهم ومصدر قوتهم هو الإخلاص للوطن ولا شىء غير ذلك، حتى إن هذه الحالة الرائعة شملت الشعب المصرى كله إلا أقل القليل، وأستطيع أن أجزم بأن الشخصية المصرية قد تغيّرت وتبدّلت وانطلقت الروح الأصيلة للشعب المصرى بعد أن ظلت لسنوات طوال مكبلة ومغلولة..
وكبرت فى رؤوسنا الأحلام وزرعنا الأمل فى داخلنا.. ولكن يبدو أن أحلامنا كانت أكبر من رؤوسنا فلم تجد مكاناً بداخلها، ويبدو أن داخلنا لا يصلح لزراعة الأمل.. أذكر أنه والثورة فى حالة «التوهج» والتألق خرج علينا رئيس وزراء الدولة الصهيونية بتصريح قال فيه إنه يتمنى للثورة النجاح، لكنه قلق لأن الثورات فى الشرق الأوسط يبدأها أناس وتنتهى عند أناس آخرين.. ساعتها لم أهتم ولم أفكر طويلاً على اعتبار أن «نتنياهو» لن يكون سعيداً إذا كانت مصر بخير، وأن قوله هذا ما هو إلا محاولة مبكرة لزرع اليأس والإحباط..
أما وقد أصبح الحال على ما نحن عليه الآن فعلينا أن ندرك حقيقة الأمور على أرض الواقع حتى لو تألمنا.. حتى لو ضربنا الحزن فى مقتل.. حتى لو انفجرنا غضباً وسخطاً.. أين هم الذين انطلقوا بالثورة دون خوف أو رهبة، هذه الجموع الغفيرة المحتشدة والمشحونة بالإرادة والصمود أين هم الآن..؟
تفرّقوا.. انصرفوا إلى أعمالهم وأسرهم وكلياتهم ومدارسهم بعد أن اطمأنوا إلى تمام زوال النظام وبقى منهم ما يطلق عليهم زعماء الشباب على اختلاف أطيافهم، وهؤلاء يختلفون أحياناً ويتفقون أحياناً، ومنهم من أخذته نشوة الانتصار فصار يبحث لنفسه عن دور وزعامة، وفى ذات الوقت كانت الثورة تُسرق منهم علناً وفى وضح النهار وفى حماية المجلس العسكرى وحكومة تطييب الخواطر القائمة الآن.. الواقع الحالى يخبرنا بأن الثورة لم تعد ملكاً للذين قاموا بها.. طارت من أيديهم..
اختطفها الأكثر دهاءً ومكراً وتخطيطاً، وها هى الجماعات الإسلامية، على اختلاف أنواعها، تختال بنفسها وتمرح كما تشاء فى ظل التراجع المخيف للأحزاب الفاعلة نسبياً واختلاف القوى الوطنية الأخرى، وهذا التنافس المحموم على إقامة الأحزاب وكأن كل فريق يريد من الوطن قطعة. الذين جمعتهم الثورة فرَّقهم التنافس المبكر على جنى ثمار حصادها الذى لم ينضج حتى الآن..
وفى ظنى أن استعادة الثورة من الذين اغتصبوها لن تكون أمراً سهلاً أو هيناً.. لأن هناك كارثة قد حطَّت علينا فى هذه الفترة الانتقالية الواهنة، وهى اختفاء الهوية المصرية، كنا إلى عهد قريب كلنا مصريين ولا شىء غير ذلك، الآن يتم التقسيم المبدئى ويتم ضرب الهوية المصرية وفرض الهوية الدينية: هذا سلفى.. وهذا إخوانى.. وهذا صوفى.. وهذا نصرانى.. وهذا علمانى.. وهذا جماعات.. وهذا بهائى..
وهذا شيعى.. إلى آخره.. والغافل صاحب العقل المغلق فقط هو الذى يظن أن هذا الأمر ليس مدبراً.. هناك قوى ظلامية مستبدة تسعى إلى تحطيم الشخصية المصرية وتدمير الروح الوطنية وفرض الهوية الدينية التى تفتح الطريق من كل الاتجاهات أمام الحكم الدينى أو الدولة الدينية.. إنها عملية تطبيع لا تقل خطورة عن التطبيع مع العدو الصهيونى، وعلينا أن نعى ذلك جيداً، وعلى كل فئات الشعب المصرى أن تدافع عن انتمائها الوطنى كما تتمسك بدينها تماماً.. أعداء الثورة لم يكونوا فلول النظام الذى سقط، لكن هناك الذين يسعون لابتلاع الثورة ابتلاع الأفعى للأرنب.
ومازلت عند قناعاتى السابقة من أن حرق أقسام الشرطة لم يكن من فعل الثوار، لأن هدفهم كان الخلاص من النظام الفاسد لا الانتقام وتصفية الحسابات.. ولم يكن من فعل اللصوص أو البلطجية لأن هدف هؤلاء كان السطو على المولات التجارية والمحال ونهب البضائع، أما إحراق الأقسام فهو طبق الأصل لإحراق سبعة من أقسام الشرطة فى توقيت واحد داخل محافظة القاهرة عام 1948،
ولكن هذه المرة احترقت أقسام الشرطة فى كبرى المدن المصرية، وقد تم استغلال الغضب الشعبى العارم بمهارة فائقة وتم شحن المتظاهرين بالعداء ضد رجال الشرطة، واشتدت الحملات الإعلامية عليهم، حتى إنهم تركوا مواقعهم وتخلوا عن مهامهم فى حماية الوطن والمواطن لأن المطلوب والهدف هو نشر الفوضى وشل حركة الدولة ولم يكن كل هذا كافياً، فقد تم توجيه آلة السخط نحو جهاز أمن الدولة المنيع، حيث تم اقتحامه تحت سمع وبصر القوات المسلحة كأنه حديقة فاكهة بلا أسوار..
كان الهدف هو الدولة وليس الجهاز العدو الأزلى الذى يراد الانتقام منه وإذلاله، ولم يكن كل هذا كافياً وإنما تم تحريك جماعات المطالب الفئوية فى مظاهرات لحوحة وفجّة بقصد إرهاق الحكومة المرهقة أصلاً وإرباك المجلس العسكرى المرتبك أصلاً.. والذى يريد سرقة ثورة يفعل أى شىء ولا تعنيه مصالح الناس، وإذا كانت الدنيا كلها تعرف وتدرك أنه فى أوقات الأزمات الصعبة تحتاج الدولة إلى حكومة قوية بالفعل فهذه الحكومة ضعيفة بما يجعلها غير قادرة على إدارة أمور البلاد، فهى حكومة تم «تجميعها» من بعض نجوم برامج «التوك شو» وبعض المشتاقين للمنصب الوزارى مع عدد قليل جداً من أصحاب الكفاءة الفعلية، وحتى الآن مازال غالبية وزرائها مغرمين بالتواجد على الشاشات المختلفة، حتى إن المواطن يسأل: أين وقت العمل لديهم..؟
ولا تكفى حالة التواضع الشديد والأدب الجم الذى يتحلى به السيد رئيس الوزراء لكسب ثقة الناس فى هذه الحكومة، وتناول طعام الإفطار فى مطعم فول وطعمية لا يقدم ولا يؤخر فى هذه الظروف، لأن الناس تريد حلاً لمشاكلها وخلاصاً من همومها، وهنا تكون المواجهة حتمية..
والثابت لدينا أن هذه الحكومة الواهنة والباهتة لا تواجه أى مشكلة، وإنما كشفت عن ضعفها وهوانها وقلة حيلتها فتجبَّر الناس عليها وكثرت المطالب التى منها العادل والمشروع ومنها ما هو عكس ذلك تماماً. والمثل الصعيدى يقول «القصب لا يخفى الخائف»، فالحكومة ترتعش وترتجف دون أن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام مكتفية بتصريحات رئيسها الدكتور عصام شرف الذى يطل علينا كأنه «بابا نويل» بدون الرداء الأحمر واللحية البيضاء ويوزع علينا الوعود التى نعلم مسبقاً أنها لن تتحقق، على الأقل فى القريب العاجل لضيق ذات اليد بالنسبة للمطالب الفئوية، وعلى رأى المثل «إيش ياخد الريح من البلاط» بعد نهب النظام السابق للدولة..
والغريب المدهش هو جولات السيد رئيس الوزراء لجذب المشروعات الاستثمارية، ولكن قبل هذه الجولات ألا يكون من الأجدر والأهم بالنسبة للاقتصاد المصرى إعادة تشغيل المصانع وجميع المشروعات التى توقفت منذ اندلاع الثورة وحتى كتابة هذه السطور..
مازالت الدولة تعمل بثلث كفاءتها فى كل المجالات، وأن تعود إلى طبيعتها هو الإنجاز العظيم الذى من شأنه أن يجذب الاستثمارات دون رحلات مع توفير النفقات.. ولكن يبدو أن الحكومة تميل أكثر إلى الحلول السهلة والسريعة، فهى تسعى إلى الاقتراض وطلب المساعدة بدلاً من دفع عجلة الإنتاج..
وعندما يتعرض الوطن لمحنة طائفية تهدد كيانه تغيب الحكومة تماماً وتفوّض أحد أهم دعاة الفكر السلفى للتصدى للأزمة بدلاً من فرض القانون وإعماله على كل الأطراف، وبالتالى تفرض سلطتها وهيبتها، ولكنها تركت الهيبة والسلطة للتيار السلفى، ومن المعلوم أن هذا التيار يحظى بدعم المذهب «الوهابى» السعودى، وأنه ترعرع واشتد عوده فى مصر برعاية ومباركة من نظام الرئيس مبارك لمجرد أن هذا التيار يأمر بطاعة الحاكم حتى لو كان ظالماً وأن الخروج على الحاكم يعد كفراً، عكس جماعة الإخوان التى كانت تناهض النظام وكل نظام لأنها لا ترى إلا نفسها..
والثابت أن التيار السلفى فى مصر لعب دوراً لا يستهان به فى زرع الفُرقة بين المسلم والمسيحى.. لعلنا نذكر الداعية السلفى الذى يعيش الآن فى إمارة الشارقة الذى أفتى بعدم جواز إلقاء التحية على القبطى، بل زاد على ذلك بأن قال (لما يقابلك نصرانى قول له وشك أصفر ليه يا عكر)، وحتى نصل إلى الشيخ السلفى الذى هتف من على المنبر فى قنا (عاوزينه مسلم)، وفى هذا خروج واضح على المنهج السلفى الذى يأمر بطاعة الحاكم..
ولكن التيار السلفى مع إحساسه بذاته خلع نفسه تماماً، وكشف عن باطنه، ومن الثابت أيضاً أن التيار السلفى لم يكن مع الثورة، بل كان مناهضاً لها، ولم يكف أو يلتزم الصمت إلا بعد رحيل النظام. فى أزمة محافظ قنا كان هذا التيار مع جماعة الإخوان «إيد واحدة»... وهكذا كشفت الجماعة عن نواياها الفعلية، ومع أنها أعلنت صراحة وعلناً أنها لا تمانع فى أن يكون رئيس الجمهورية من الأقباط فإنها دعمت وساندت رفض المحافظ القبطى، مما يؤكد أن أقوال الجماعة شىء وأفعالها شىء آخر.
وقامت جماعات رفض المحافظ القبطى بارتكاب جريمة قطع الطريق، وهى - قبل أن تكون جريمة - مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام، ولكن فرض الإرادة لا يعترف بقانون ويتعمد الابتعاد عن الدين ولو مؤقتاً. صحيح وثابت أن الحكومة قد أخطأت فى تعيين المحافظ، وذلك أنها فى الاختيارات الجديدة للسادة المحافظين لم تجهد نفسها ولم تفكر ولو قليلاً وسارت على نهج النظام السابق، واستعملت «الباترونات» التى كان يستخدمها، ومعروف أن وظيفة المحافظ تُمنح لشخص يراد مكافأته أصلاً دون النظر إلى سلامة الاختيار أو كفاءة الرجل الفائز بالمنصب..
وما جرى فى قنا جرى فى محافظات أخرى، وقد تراجعت الحكومة ورضخت بشكل جزئى عندما أعلنت أنها قامت بتجميد نشاط المحافظ، الذى تم استخدامه كحطب تأكله النار، وسوف تستمر هذه الحكومة فى التراجع والاستعانة بالمشايخ والناس البركة، بينما تتجاهل تطبيق القانون وإعماله، فأصبحت حكومة بلا هيبة،
وبالتالى فإن الشارع هو الذى يحكم الآن ويفرض قوانينه على اختلاف أشكالها.. وحكم الشارع ليس من الديمقراطية فى شىء ولا يتفق مع أبسط قواعد الاستقرار، وكلما تراجعت الحكومة عن القيام بدورها وإعمال القانون فإنها تفتح الطرق أمام جحافل الفوضى التى سوف تبتلع الثورة.
إنها حكومة شديدة الهشاشة كأنها حزمة قش وأكثر نعومة من أوراق الخس، ومع وجودها سوف تحترق الثورة، وهى خطر حقيقى على أمن وسلامة الوطن، هى تأخذ موقف المتفرج من أحداث جسام وهى تعلم أن معظم النار من مستصغر الشرر، لقد صرح السيد رئيس الوزراء فى اجتماعه مع السادة رؤساء تحرير الصحف بأن الحكومة ليست ضعيفة وإنما الشعب مجروح، وهذا قول يشوبه العوار، لأن الحكومة تستجدى وتتملق وتخادع ولا تملك القدرة على قول كلمة «لا» لأى شىء خاطئ، وتهدر القانون عمداً ولا تجرؤ على تطبيقه رعباً وخوفاً من الذين خرجوا عليه، لقد ذهب رئيس الوزراء إلى سيناء وأكل مع أهلها العيش والملح وجلس على الأرض معهم، وقال لهم كلامه الطيب، ولكنه عاد كما سافر تماماً، كانت النتيجة «صفر - صفر»..
ومازال الموقف هناك على ما هو عليه، وكانت رحلته إلى مدينة قنا فاشلة تماماً، وتدعو إلى الأسف، فالرجل على ما يبدو يرى فى نفسه أشياء لا نراها نحن البسطاء ويتصور أنه شيخ قبيلة له السمع والطاعة، أو أنه زعيم طائفة دينية تدين بالولاء لشيخها وزعيمها وغاب عن الرجل الطيب أن شيخ القبيلة يحكم بالقوة والحكمة، والزعيم الدينى يسيطر على أتباعه أيضاً بالقوة والوساطة عند المولى عز وجل، ورجلنا الطيب لا يملك من هذه الأمور شيئاً، إنها دولة يا معالى رئيس الوزراء، والدول تحكم بالدساتير والقوانين.
السطور الأخيرة...
■ مصر لم تكن يوماً ما أرض بداوة، والحقيقة - التى يجب ألا تغيب - أنها عامرة بالرجال والشباب والنساء الذين يملكون العلم والمعرفة والطموح المشروع، وحافلة بالشباب المشحون بالأحلام الكبيرة والرفض لكل أنواع الوصاية التى تحاول بعض التيارات فرضها عليه.
■ قال لى من أثق فى عدله وتقواه إن المظاهرات التى يقوم بها التيار السلفى من أجل السيدة «كاميليا شحاتة» ليس الهدف منها إنقاذها والعودة بها إلى ديار الإسلام على اعتبار أنها أسلمت، فهى لا تعنيهم فى شىء على الإطلاق.. وإنما هى مجرد سبب يبرر خروجهم فى مظاهرات للإعلان عن أنفسهم وفرض وجودهم فى الشارع.
■ لا أحد يتعاطف أبداً مع أقطاب النظام السابق الذين تتم محاكمتهم هذه الأيام، خاصة بعد هذه الاتهامات التى تحيل التراب ليكون جمراً من شدة الغضب.. إلا أن ما يحدث معهم هو جور على أساسيات العدالة ومن حقهم جميعاً الحماية وضمان المحاكمات العادلة. إن ما يحدث هو إهانة إنسانية وإرهاب للعدالة، وترك هؤلاء فريسة لجمهور معبأ بالغضب يصدر أحكامه المسيئة فإن ذلك يفسد العدالة ويبطل أحكام القضاء.
■ أرجو أن يكثر الأستاذ خيرت الشاطر من أحاديثه الصحفية، وأن يزيدنا من لقاءاته التليفزيونية، فهو عندما يتكلم يكشف عن نوايا ومخططات الجماعة الحقيقية.. عندما يتكلم السيد النائب الأول للمرشد تخسر الجماعة.. أيضاً يهمنا أن نطمئن على الأستاذ الدكتور عصام العريان، فقد مرت ثلاثة أيام لم نره فيها على أى شاشة تليفزيونية.. نسأل الله أن يكون المانع خيراً.
■ أنا سعيد جداً بخروج الأستاذ الدكتور مفيد شهاب حراً طليقاً شريفاً مرفوع القامة، والرجل لا تربطنى به معرفة أو صداقة، ولكن سر سعادتى أننى أفرح تلقائياً لإقامة العدل، ونفس الشىء بالنسبة للفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، الذى عرفته عن قرب، والذى اجتهد فى عمله، فأصاب أكثر مما أخطأ، ولم يكن يوماً من الوزراء المتربحين.
■ سألت أحد رجال الدولة فى عهد سابق: ماذا كنت تصنع فى أزمة مثل أزمة محافظ قنا؟ قال الرجل بكل هدوء: كنت سأصلح خطأ الحكومة بتغيير المحافظ، وسأصلح خطأ الناس بإخضاعهم لأحكام العدالة.
■ أبشروا يا قوم.. ظهر الجيل الجديد من المنافقين وكأنهم لم يستوعبوا الدرس أو يتعلموا مما حدث أمام أعينهم، وبالمناسبة المنافقون هم صُنّاع الطغاة، وكلاهما مرتبط بالآخر، سواء فى الطغيان والجبروت أو فى النهاية التى تفوق كل خيال متوحش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.