سقوط الهيبة.. وتفشي العيبة.. خلال فترات ما من الزمن تمتع بعض القائمين بأدوار اجتماعية معينة بقدر كبير من الهيبة ونظرات الاحترام والإجلال ومشاعر الخوف الشديد في كثير من الأحيان.. فبعضهم عرف بأنهم أصحاب هيبة.. قد تكون اكتسبت من خلال مكانة موروثة.. أو من خلال دور ممارس في الحياة الخاصة أو العامة.. فهم من كان يحسب لهم ألف حساب.. وبحضورهم يطأطأ الظهر عند فتح الباب.. وفي وجودهم يسود الوجوم ووجوه العبوث والغيوم.. ينظر إليهم وكأنهم عمالقة وسط جموع البشر بأبصارهم المتطلعة المحلقة. وقديماً.. في غضون عقود ليست ببعيدة.. كان أصحاب الهيبة ذو ثقل وكلمة وسلطة على المحيطين بهم.. مثل كبير العائلة، وشيخ البلد، وسي السيد، ومرتدي زي الجيش أو الشرطة، العسكري أو رجل البوليس في الشارع، والارستقراطين من أصحاب الوسية وملاك الأطيان والعزب.. وغيرهم ممن كان لهم شنة ورنة ونظرة احترام ووقار وسط جماعات البشر.. تغير الحال في ظل الوقت الحالي، وتبدلت مقاييس نظرة الاحترام لأصحاب الجاه والسيادة مهما كانت المكانة.. بداية من السيادة الأبوية حتى سيادة النظام والدولة.. وبعد أن كان هناك إنصياع وإطاعة كاملة للنظام الضابط والرابط الذي يوضعه أصحاب السيادة.. أياً كان مكانتهم وأدوارهم.. أصبح هناك انعدام قيمة لهيبة النظام والقائمين على تسييره بأدوارهم المختلفة: سواء كان مسئول كبير، موظف عادي، مدرس بمدرسة، أستاذ جامعي، رجل أمن أو شرطي، طبيب أو ممرض، وغيرها من الأدوار الاجتماعية.. سقطت حواجز الاحترام والتوقير والمهابة والخوف.. سقطت بإنهيار النظام القيمي الداعم لها بسبب التغيرات التي طرأت على أسلوب الحياة وعلى منهج التنشئة الاجتماعية.. وذلك مع دخول مؤثرات جديدة على هذا المنهج تختلف عن المؤثرات التقليدية.. الموروثات التقليدية التي دائماً ما وقرت وعظمت احترام كلمة الكبير.. الموروثات التي دائماً ما غرست ثقافة العيب في سلوكياتنا وتعاملاتنا اليومية.. تضمنت قوانين العيب الكثير من النواحي في الحياة الاجتماعية، فكل جماعة لها قوانين العيب الخاصة بها تبعا للثقافة السائدة بها.. فقوانين العيب في جماعة البدو تختلف عن القوانين المعترف بها في الريف أو المدينة، كما أنها تختلف في الدول العربية عن الدول الغربية.. كلً له قوانينه في العيب وتحديد السلوكيات المجرمة غير المقبولة في الجماعة الصغيرة أو المجتمع الكبير.. في بعض الأحيان قد تكون ثقافة العيب شديدة الوطأة والقسوة في رفض ونبذ كل ما هو غريب "غير طبيعي".. خارج عن النمط أو المسار الطبيعي للثقافة والعرف السائدة.. ومن ثم يواجه هذا الكائن الغريب (سواء كان عيبه سلوكي – نفسي، أو جسماني – عضوي، أو ظروف حياتية متعثرة وصعبة) الكثير من المعايبة والمعايرة.. من أبرز نماذج ثقافة المعايرة أو المعايبة.. هو ما تتعرض الفتاة أو المرأة من انتقادات في سلوكياتها وأحداث حياتها.. علاقتها الاجتماعية في الأوساط المخلفة، حدث خطبتها أو زواجها أو طلاقها، مختلف شئون حياتها.. وهكذا تكون المرأة منذ طفلتها معرضة دائما للنقد والتقييم وفقاً لمنظور ثقافة العيب أكثر من الرجل.. وتعدد الكائنات الغريبة التى تواجة الرمي بالمعايبة والمعايرة، سواء بالهمز أو باللمز أو المعايبة الجارحة المباشرة في الكثير من المواقف الحياتية.. مثل الكائن غير الموفق في حياته العملية أو العلمية أو الاجتماعية.. كائن تعرض لظروف قاسية مثله مثل أي كائن خاضع للأختبار الآلهي وفقا لمعايير مالك الكون عز وجل وحكمته تعالى في خلق بني أدم.. قد تكون ثقافة المعايبة أو المعايرة نمت بسبب ضعف قوة ثقافة وقيم العيب لدينا، القيم التي تغذي السمو الخلقي فينا حتى لا نفعل العيب: بجرح صديق، الانتقام من حبيب، معاداة قريب، بقطع صلة الأرحام لمنع العين خوفاً على الرصيد، بالسلب والنهب للمال العام والتهريب، بالهلوسة والمرزلة على خلق الله في الشارع والتفوة بأحدث صيحات الشتائم والتغني بأغاني ملوثة للسمع، بالقيام بأفعال مزرفة للدمع كالتهكم على الكبار وخاصة كبار السن وكبار العيلة وكبار الدولة، بتصغير وتحقير كل عمل ناجح مفيد، بتبنى أسلوب القوة والبلطجة لتحقيق ما نريد، بالقيام بأي من تلك الأفعال وغيرها التي تؤدي إلى سقوط الهيبة وتفشي العيبة.. حتى لا تضيع الدولة بصغيرها وكبيرها المنتمي لها.. د. نهلة أحمد درويش دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع 1/5/2011