السيسي: حلم مصر النووي يراود أبناءها منذ منتصف القرن الماضي واليوم نراه يتحقق    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    اليوم.. الرئيس السيسي يستقبل رئيس كوريا الجنوبية لتعزيز التعاون الثنائي    ترامب يعلن عن عقد لقاء مع زهران ممداني غدا في البيت الأبيض    الأرصاد تحذر قائدي المركبات من شبورة كثيفة وانخفاض حاد في مستوى الرؤية    اليوم.. حلقة نقاشية حول السرد التفاعلي ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما    أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس 20-11-2025 في الأقصر    البث المباشر لانطلاقة الجولة الثامنة من دوري أدنوك.. مواجهة مبكرة تجمع خورفكان وشباب الأهلي    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    براتب 9000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة مراقب أمن    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    شوقي حامد يكتب: الزمالك يعاني    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    محمد أبو الغار: عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة معجزة بعد منعه العام الماضي    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    المطربة بوسي أمام المحكمة 3 ديسمبر في قضية الشيكات    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في كتابه الخطير الذي حلل عصر مبارك منذ البداية:
حسام الدين مصطفي يحقق:
نشر في صوت الأمة يوم 25 - 02 - 2009

· ما حدث مع عبدالحليم قنديل في 2004 عجز للنظام عن قمع معارضيه بأي وسيلة أخري
· تشكيل حكومة نظيف في صيف 2004 أثناء علاج الرئيس في ألمانيا هو بداية الاعتزال الحقيقي لمبارك
· إذا كان الرئيس هو صاحب القرارات الحاسمة والآراء السديدة والحلول المهمة في حياة الشعب ..فما فائدة مجلس الوزراء؟!
· أمريكا هي الحاكم الفعلي لمصر من خلال مجموعة من الوسطاء في الداخل هم الذين يديرون شئون الدولة والباقي «صورة»
· لعب المنتفعون أدواراً رائعة في خلق قضية التوريث و«تبليعها» للمصريين
· الرؤساء والملوك والأمراء والحكام يأتون ويذهبون ومبارك قابع في مكانه.. فياله من رجل
يدرك من يقرأ أفكار الدكتور جلال أمين، وقواعده التي يرسيها للعبة السياسية والاقتصادية في مصر، ودولة الوسطاء التي تتحكم في قرارات هذه البلد، بحكمه ونظامه وسياسته واقتصاده، ومواقفها داخلياً وخارجياًِ، الوسطاء الذين ابتكروا فكرة «التوريث»، وبدءوا في خطوات واسعة نحو إعداد «الوريث»، وتجهيز الملعب له وإعداد الساحة من أجل وصوله إلي كرسي العرش، يدرك من يقرأ أن الرجل يخوض مختاراً في حقل من الألغام، التي تنفجر بمجرد الملامسة، فالكاتب يقدم المعلومة السياسية والاقتصادية في اسلوب روائي. ومن هنا اكتسبت كتاباته أهميتها وقدرتها علي مخاطبة كل المستويات المثقفة وحتي القارئة فقط.
ومن هنا أيضا جاءت أيضاً أهمية كتابه الجديد الذي صدر في أوائل هذا الشهر عن دار «ميريت» للطبع والنشر، تحت عنوان «مصر والمصريون في عهد مبارك «1981 2008» لأنه يورخ لعصر لم ينته، ورئيس مازال جاثماً علي كرسي السلطة، يشرح ويحلل في المعايير الاقتصادية والسياسية، والمتغيرات الاجتماعية والحياتية التي تشهدها مصر في فترة الرئيس محمد حسني مبارك، وارتباطها القوي بالمتغيرات الدولية، وامتداداتها في عصري عبدالناصر والسادات، والسنوات الاخيرة من الحكم الملكي لمصر.
بالقول: «لا شك في أنه قد آن الأوان لأن نلقي نظرة شاملة علي عهد الرئيس حسني مبارك بأكمله. فها قد مر أكثر من ربع قرن علي تسلمه حكم مصر، وهي فترة طويلة بأي معيار تسلم حسني مبارك الحكم ولم يكن قد مضي أكثر من عام علي استلام الرئيس ريجان الحكم في أمريكا، وبعد عامين فقط من صعود مسزثاتشر إلي الحكم في بريطانيا، أي لم يكن عهد الليبرالية الجديدة قد أحدث آثره بعد. وكان الاتحاد السوفيتي لا يزال في عنفوانه، ولم نكن سمعنا بعد عن جوربا تشوف أو سياسة البرسترويكا، ناهيك عن سقوط حائط برلين، ثم سقوط دولة شيوعية بعد أخري، بما فيها الاتحاد السوفيتي نفسه، خلال عهد الرئيس مبارك قام صدام حسين بالهجوم علي الحكم الاسلامي الجديد في إيران، ثم هجم علي الكويت واحتلها وانسحب منها، وانقلبت أمريكا من صديقة لصدام حسين إلي عدوة، والرئيس مبارك مازال في الحكم. عندما جاء الرئيس مبارك إلي الحكم كانت الحرب الأهلية اللبنانية الأهلية لا تزال محتدمة، والملك حسين كان يحكم الأردن، وحافظ الأسد يحكم سوريا. ثم حدثت أحداث 11 سبتمبر 2001، والرئيس مبارك لا يزال في الحكم فشهد صعود حركة مكافحة الارهاب، وتوجيه السهام إلي العرب والمسلمين بدلاً من الشيوعيين. هكذا جاء الرئيس ريجان وذهب، والرئيس بوش الأب وذهب، والرئيس كلينتون وذهب، ثم الرئيس يوش الابن لم تكن ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية عند كتابة هذا الكتاب وكاد يذهب ، كل هذا والرئيس مبارك قابع في مكانه، فالرؤساء والملوك يأتون ويذهبون إلا الرئيس مبارك فياله من رجل!.
ثم يؤكد علي أهمية رصد المرحلة في هذه الفترة بالتحديد بقوله «ربما كان تشكيل حكومة أحمد نظيف في صيف 2004، أثناء وجود الرئيس مبارك للعلاج في ألمانيا، هو بداية هذا الاعتزال الفعلي، دون أن نخطر به، فأي وقت أنسب من الوقت الحالي لتأمل عصر مبارك بأكمله» في النظرة الأولي لهذا الكتاب الذي طبع علي أوراق صفراء اللون في 261 صفحة، تلحظ أمرين هامين: الأول أن يري ارتباطا حقيقياً ومؤكداً بين كل الحقب الاقتصادية التي مرت علي مصر منذ نهايات الحكم الملكي وهذا الآن بشكل يستحيل الفصل بينهما فيه، بل إن الآثار والأخطار السياسية التي ارتكبها الرئيس السادات في فتره حكمة وخاصة معسكرات الفساد التي تكونت مع التوسع في الانفتاح الاقتصادي، كانت هي السبيل لحسني مبارك في التوسع في مجالات الفساد في فترة رئاسته لمصر، وفقاً لوجهة نظر المؤلف.
الأمر الثاني أن الدكتور جلال أمين ليس ناصرياًِ ولا يحب الحكم الملكي، ولكنه يري فيه نقاطاً مضيئة في مجالات الحريات السياسية والاقتصادية، وهو بالطبع يتعامل مع حسني مبارك وعصره بنظرة تحليلية بعيدة عن الحب أو الكراهية، ولكن الملاحظ وبشدة أنه يكره السادات وعصره، ملاحظة ربما أكون مخطئاً فيها، ولكنها بارزة في الكثير من تعليقاته. علي هذه المرحلة ولأنه قرر التعامل مع عصر حسني مبارك بكل عجائبه ونواقصه وزوائده، فإن يفرد فصلاً كاملاً للأعجوبة التي تفرد بها عصره عن كل العصور السابقة وكل رؤساء الجمهورية السابقين، وهي جمال مبارك وقضية التوريث يبدأ الحديث فيه عن أن عام 2008 شهد تحولا في المنظر السياسي المصري العام إلي ألغاز ومتناقضات تعجز المصريين عن الفهم، هل دولتهم رخوة إلي درجة عجزها عن تنفيذ حكم قضائي، أو حتي فرض احترام لإشارات المرور، أم انها دولة قوية لدرجة تعذيب أي شخص يخطر ببالها تعذيبه ثم ينجو من فعل هذا العقاب.
يحار المصريون أيضاً فيما إذا كان رئيس الجمهورية رجلاً قوياً جداً أم ضعيفاً جداً. كل الأعمال الجيدة، والقرارات الحاسمة تنسب للرئيس بصورة تدفعك للتساؤل: واذا كان الوزراء يتنظرون أفكار الرئيس ليديروا مصالح الشعب.. فما فائدتهم إذن؟ ولكن كل هذا لا يظهر الرئيس أو يبدو واضحاً في مواقف أو أزمات تمس الشعب المصري سواء تعلقت بهجوم أمريكي بريطاني علي العراق، أو هجوم إسرائيلي علي غزة أو لبنان، أو كارثة إنسانية وقعت في مصر كغرق عبارة تحمل آلاف المصريين أو احتراق قطار بسبب الاهمال .تصريحاته في مثل هذه الحالات ضعيفة وإهانته، غير عابئة أو مهمة إهتمامه بمتابعة مباريات كرة القدم مثلاً.
ووسط كل هذا، كما يؤكد المؤلف يسطع نجم مبارك الشاب، ويتدرج في الصعود السريع وكأنه يطمع في الجلوس مكان أبيه، وتنتج له المناصب، وكل هذا يحدث والأب يتصرف وكأنه لا يري ما يجري إعداده، وإذا سئل عن التوريث أجاب بالنفي عن وجود أية نية لهذا، هو بالطبع يتحدث عن وراثة الحكم بشكل مباشر، وليس انتقال السلطة عن طريق الاستفتاء أو الانتخابات لجمال مبارك، وهو ما لم ينفه مبارك الأب، وهو واثق أن هذا ما يجري إعداده حالياً.
هذه الخطوات المحسوبة بكل دقة لا يقدم عليها الوزراء مثلاً أو رئيس الوزراء فهم أضعف كثيراً من أن يعول عليهم في مثل هذه الأمور، ولكن الحاكم الفعلي والمدير الحقيقي للرئاسة المصرية وللنظام المصري، والتوريث أيضاً،هم مجموعة مهمة من الناس يقيمون في الخارج عادة، ويساعدهم علي فهم المكون المصري وما يتطلبه الواقع من تعديلات، محموعة أخري تقوم بدور الوسيط بين الادارة الامريكية وهي الحاكم الحقيقي والمنفذين المصريين الذين يحتلون مناصب الوزراء أو حتي رئاسة مجلس الوزراء هؤلاء الوسطاء تجمع بينهم نواة صلبة لا تتغير بسهولة قد يرجع تاريخها في السياسية المصرية إلي عبدالناصر نفسه، وإن كانوا يلعبون وقتها أدوراً أخري.
ويحلل الدكتور جلال شخصيات هؤلاء الوسطاء ،مؤكداً أنهم يكرهون الشهرة ويميلون للعمل في الظلام وهم أقرب الأعضاء للنظام المصري، لمبارك وعائلته، وهم أيضاً أصحاب الفكرة الأصلية «للتوريث» من أجل الحفاظ علي مصالحهم فابن ،الرئيس له مزايا كثيرة بالنسبة لهم ،فهو شاب طيب تمتع برغد العيش منذ نعومة أظافره. ولا تعي ذاكرته شيئاً عن والده إلا وهو رئيس للجمهورية أو علي الأقل وهو نائب للرئيس، ولا شيئاً عن والدته إلا وهي سيدة مصر الأولي أو الثانية وليس فيها شيء من خبث الطاوية، وهو قليل الخبرة أو عديمها بألاعيب الوسطاء، وبالتالي فمن السهل إقناعه بغير الحقيقة وبالتالي كان الأمر والبداية في التوريث.
ويحدد جلال أمين المخاطر التي يمكن أن تهدد عملية التوريث بثلاثة مخاطر يحسبها الوسطاء جيدا : أولها الولايات المتحدة ، ثم الشعب المصري ، ثم شلة الوسطاء أنفسهم فهم مختلفو المشارب والأمزجة وتثور بينهم الصراعات وتتفجر بينهم الفضائح من أجل التقرب للحكام الحقيقيين ولكن هل يقبل الناس هذا التوريث وهو الخطر الثاني؟! يؤكد جلال أمين ان الفكرة في «تبليع» المصريين فكره «التوريث» بدأت منذ سنوات طويلة من خلال تهميش القانون بشكل جعل مبدأ«سيادة القانون» مبدأ عفي عليه الزمن، ثم اعتياد المصريين الخلط الدائم بين المال الخاص للأسرة الحاكمة وبين المال العام، واعتيادهم أيضاً علي ظهوره في المناسبات العامة وفي انتصارات فرق الكرة وغير ذلك من الأمور التي تجعله صورة مألوفة ومستساغة للمصريين.
ولكن الخطر الأهم علي هذه اللعبة هم الأمريكان، الحاكم الفعلي في مصر،فالإدارة الأمريكية تعرف بالضبط ما يدور في أذهان المجموعة الممسكة بدفة الحكم في مصر، فهم يتلقون منها الأوامر ويبادرون بتنفيذها للحفاظ علي مصالحهم في هذه البلاد، وتعرف الإدارة الأمريكية أيضاً أهمية التوريث بالنسبة لهؤلاء الوسطاء، ولهذا فهي لا تطمئنهم إلي موافقتها علي التوريث ولا تعلنهم برفضها له وإنما تترك المسألة عائمة، وهو ما يلائم الإدارة الأمريكية بشدة، وهي حالة القلق المستمر لهؤلاء الوسطاء، والتي تضمن لهم ومن خلالهم الاستسلام التام للموقف الأمريكي في النهاية.
ويشبه جلال أمين في كتابه اللعبة بين شلة الوسطاء المنتفعين من وجود مبارك وابنه جمال علي مقعد العرش، وبين أمريكا بلعبة «الكلب الحيران» التي يلعبها الأطفال في مصر، وأن السلطة هي الكرة التي يتقاذفها الطرفان من فوق رأس الشعب المصري المسكين القابع في المنتصف يحاول أن يتلقفها بين يديه وييأس من تكرار الفشل. وخلاصة القول في قضية التوريث التي يطرحها الدكتور جلال أمين في هذا الفصل هي أن الشعب المصري الذي تكاثر عليه أصحاب المصالح ستصبح السنوات التالية لنجاح مجموعة الوسطاء في وضع الحكم بين يدي جمال مبارك من أسود السنوات في تاريخه، فهذه الفترة سيحاول كل منهم الحصول علي حصيلة ما بناه في السنوات السابقة.
ويعود الكاتب إلي حسني مبارك نفسه مع كرسي العرش ،ويروي بداية حسني مبارك مع رئاسة الجمهورية المصرية وكيف أن السادات ترك له تركة ثقيلة جداً سواء في الاقتصاد أو السياسة، في الاقتصاد ديون خارجية لم تعرف مصر مثلها، ومعدل مرتفع من التضخم واختلال في الهيكل الاقتصادي، وفي السياسة كان المصريون غاضبين من حركة الاعتقالات التي قام بها السادات في نهاية عهده لكل التيارات. ويؤكد أن العلاقة بين مبارك والمصريين بدأت بشهر عسل قصير للغاية، فبعد أسابيع من توليه الحكم أفرج عن كبار السياسيين المعتقلين واستقبلهم في قصره، وامتنع عن الظهور المستفز للسيدة الأولي، كما كان الوضع مع جيهان السادات؟ وبدا مهذباً للغاية في وصف المعارضين السياسيين علي عكس كلمات السادات الجارحة أحياناً. وفي فبراير 1982 دعا صفوة العقول الاقتصادية المصرية لمؤتمر يناقش الوضع المتردي للاقتصاد المصري واقتراح سبل للخروج منه، اضافة لعودة صحف المعارضة للظهور وعودة كبار الكتاب بمختلف اتجاهاتهم.
ولكن السماء بدأت تتلبد بالغيوم ولم يمض عام واحد علي توليه السلطة يقول جلال أمين «اكتشفنا أن تحالفاً تم عقده بين أصحاب المصلحة في الخارج والداخل، تتعارض أهدافه تعارضاً تماماً مع المصلحة الوطنية، سواء فيما يتعلق بالسياسة الخارجية أو العربية، أو بالموقف مع إسرائيل، أو بسياسة الانفتاح الاقتصادي».
«الدولة الرخوة» كان المصطلح الأكثر قوة في الكتاب، واستغرق من الدكتور أمين في تحليل رخاوة . الدولة المصرية فصلاً كاملاً صاحب هذا المصطلح هو الاقتصادي وعالم الاجتماع السويدي «جنار ميردال» ونشر هذا في كتابه الذي صدر عام 1970 تحت عنوان «تحدي الفقر في العالم»، وتشير هذه النظرية إلي دولة تصدر القوانين ولا تطبقها ليس لثغرات القانون فحسب ولكن لأن الكبار لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه والصغار يتلقون الرشاوي لغض البصر عنه، والقيود لا تفرض إلا ليثري البعض من كسرها، والضرائب نادراً ما تحصل، ويلهث الناس وراء المناصب طمعاً في مكاسبها المادية، والامضاءات تباع وتوهب للمحاسيب، والعملات الأجنبية وبدل السفر يوزعان بلا حساب علي أصحاب السلطة ومقربيهم، وقروض البنوك تمنح بفوائد رمزية لمن لا يستحقها وتمنع عن المستحقين، في هذه الدولة الرخوة يعم الفساد والرشوة، ليصبحا «نمط الحياة». يؤكد الكاتب أن ميردال كان ينظر في مصطلح «الدولة الرخوة الي عدد من دول آسيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول حديثة الاستقلال في إفريقيا، وأنه شاهد في مطلع السبعينيات في لبنان مظاهر كثيرة من الدولة الرخوة التي يقصدها ميردال، ثم بدأ عصر السادات وبدأت الدولة في التحول إلي الرخاوة شيئاً فشيئاً، ويقول في هذا: تحولت الحكومة في مصر خلال السبعينيات إلي دولة رخوة، وتضاءلت مكانة الوزراء، وظهر من الموظفين من يذهب إلي مكتبه الحكومي في الصباح ويتاجر في العملة بعد الظهر، وأصبح كل شيء خاضعاً للمفاوضة والمساومة، وكل شئ متوقفاً في النهاية علي الشطارة»
ويتابع في موضع اخر:«كان كل يوم من عهد مبارك يأتينا بدليل جديد علي رخاوة الدولة المصرية بدأت هذه الحقبة حسب وصفه باعتداءات إسرائيل علي صابرا وشاتيلا التي وقفت منها مصر موقف المتفرج، ثم حادث الباخرة «اكيلي لاورو» وخطف الطائرة المصرية في 1986 تبعاً لهذه العملية ولم يصدر من السلطات المصرية رد الفعل الملائم، ثم انهار مصرف النوبارية ولم يعاقب الوزير المختص، وانتشرت فضائح مذهلة عن وزارة البترول، انتهت بإقالة الوزير دون محاكمة، ثم فضيحة توظيف الأموال، ثم وصول جثث العمال المصريين من العراق وما تردد عن رميهم بالرصاص في شوارع بغداد، وهو الخبر الذي سارعت مصر بنفيه حرصاً علي العلاقة مع العراق الشقيق الذي أصبح عدواً فيما بعد، ثم عودة المصريين من الخليج وانضمامهم إلي أعداد البطالة في مصر، وقيام الفقراء ببيع أجزاء من أجسادهم، ثم حالات الغش الجماعي التي مرت دون عقاب، مروراً بحادث فتاة العتبة. يؤكد المؤلف أن كل هذه الحوادث وغيرها كشفت بوضوح رخاوة الدولة المصرية حتي مطلع التسعينيات، التي جاء فيها زلزال 1992 ليدمر القشة الباقية بين الدولة الرخوة ومعني الثبات الحقيقي.
ويري الدكتور جلال أن القول الشائع بأن السبب في رخاوة الدولة يعود إلي سياسات الانفتاح الاقتصادي الذي عبر عنه أحمد بهاء الدين بقوله «انفتاح السداح مداح» أي أنه بلا ضوابط، هو قول في غير محله لأن الذي حدث بعد ذلك ليس ما تشير به فكرة الانفتاح أصلاً من تخلي الدولة عن البنية الأساسية والنشاط الانتاجي وحماية النظام وتطبيق القانون، ولكن الذي حدث هو فتح باب الاستيراد وعلي مصراعيه حسب مصالح فئة معينة، ويأتي هذا أو من ضمن أسبابه هو «رياح العولمة» فقد كانت الدولة المصرية بداية من عام 1945 حتي 1975 تتدخل في الاقتصاد والمجتمع وتمنع مظاهر الترف والرفاهية، ثم جاءت موجة العولمة التي فككت النظام القائم لتبحث عن تعريف منتجات رؤوس الأموال الغربية، وبالتالي وجدت في مصر بعد بداية عصر مبارك ما يساعدها علي هذا من حيث السيطرة علي قواعد الانتاج وشراء المشروعات الحكومية القائمة. وكان ساعدها علي هذا في مصر هو هزيمة 1967 وكذلك شخصية أنور السادات، اضافة إلي موجة التضخم الجامح التي اقترنت بالعولمة.
ويقول: «كان أنور السادات بطبعه أضعف من أن يقاوم هذا التفكيك، بل كان بصفاته الشخصية عاملا مساعداً في حدوثه» ويتابع كان دخول الولايات االمتحدة طرفاً في اتفاقيات تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي قد تم في مقابل خضوع مصر لنفوذها»
ويرجع الكاتب أحد أهم أسباب رخاوة الدولة إلي رجال الرئيس نفسه، فيقول «كان جمال عبدالناصر صاحب مشروع، فجلب رجالاً يؤمنون بهذا المشروع، أو يتظاهرون بالإيمان به. وكان أنور السادات مطالباً بتنفيذ مشروع جديد ل يتعارض مع مشروع عبدالناصر» فجلب بدوره رجالاً يؤمنون بتنفيذه أو يتظاهرون، أما حسني مبارك فلم يكن صاحب مشروع ولا مطلوباً منه هذا تأتي بنوع جديد من الرجال مستعد للقيام بأي شئ ما دام هناك مقابل حجز، وأظن أن هذا هو التعريف الصحيح لوصف المرتزقة.
ثم يروي الكاتب قصة الفساد في مصر، مؤكداً أن الفساد تطور بتطور العصور الرئاسية المصرية بداية من نهاية الحكم الملكي حتي عصر مبارك، ففي العهد الملكي كانت هناك أحزاب سياسية حقيقية تتنافس للوصول للحكم بنزاهة واستقامة، ولهذا كان منصب الوزير طيلة العهد الملكي ذا هيبة واحترام حقيقي. ولكن جمال عبدالناصر رغم أنه كان ديكتاتوراً لكنه لم يكن فاسداً، وكان لابد أن ينعكس ذلك علي تصرفات الرجال المحيطين به فلم يكن يقبل أن يثري أحد رجاله علي حساب المال العام، لدرجة أن السادات خشي شراء جاكت أخضر فاقع اللون أعجبه في روما خوفاً مما يمكن أن يقوله له عبدالناصر لو رأه مرتدياً إياه، وبسبب هذا التقشف كانت أقل واقعة فساد تستلفت النظر، وكان المناخ العام مساعداً علي تقليل الفساد واحترام القانون.
ولكن الفساد ليس فساد المال وحده وهو ما أخذ علي عصر عبدالناصر لأن الفساد الأوضح كان شهوة السلطة والسيطرة، ولكن في عهد السادات شهدت مصر أمثلة جديدة وغير معهودة للفساد في مختلف المجالات سواء في التعليم أو في الاقتصاد، وكانت صدمة المصريين كبيرة بعد مقتل السادات عندما اكتشفوا حجم ثروة «عصمت السادات» شقيقه. ولم ينته الفساد بمقتل السادات حسب رواية الكتاب، حيث اتخذ أشكالاً جديدة مع بداية الثمانينيات.
ويطرح الكاتب سؤالاً عن مجيء حسني مبارك إلي الحكم قائلاً «ما الذي كان الرئيس مبارك يكافح من أجله إذن».
لم تكن هناك قضية وطنية مطروحة؟ لم يكن هناك استعمار يستلزم الجلاء ولا تحرير اقتصاد ولا دعم للحركات العربية، وحتي سيناء عادت للمصريين بالمفاوضات، وبالتالي لم يكن لديه - أي مبارك - ما يعد به المصريين، حيث إنه ومجيئه كانت مصر حققت كل آمالها الكبار ولم يبق هناك ما يمكن أن تلتف حوله قلوب المصريين. يؤكد الكاتب أن هذا ليس مبرراً لمبارك، فقد كان من الممكن أن يجعل قضيته القومية تصحيح أخطاء عهد السادات العديدة في الاقتصاد والسياسة الخارجية، وتصحيح الإهمال الشديد في الزراعة والصناعة، وتطبيق ديمقراطية حقيقية تبتعد عن تزييف الانتخابات والاستفتاءات، ولكن شخصية الرئيس مبارك كانت مؤهلة للسير علي الخطي التي رسمها السادات قبل قتله، ولهذا كان اختياره لرؤساء الوزارة معبراً عن توجهه هذا. يقول المؤلف «كان فؤاد محيي الدين، الذي كان أول من شغل منصب رئيس الوزراء في عهد مبارك، آخر رئيس وزراء له تاريخ معروف في الاشتغال بالسياسة، أو حتي في الاهتمام بها، ثم أتي بعده رؤساء للوزارة ليس لهم أي تاريخ سياسي، بل وعرف عنهم قبل توليهم لمناصبهم النفور من السياسة وتفضيل الاهتمام بأمورهم الشخصية، أو بشئون وظيفتهم الضيقة. وربما كان هذا هو السبب - حسب رأي الكاتب - في اعتياد الناس علي الفساد وصوره وأشكاله.
القصور الاقتصادي المصري ومراحل التأخر والانهيار كانت محور فصل الاقتصاد بالكتاب وأكد خلاله أن النمو الاقتصادي تغير بتغير العصور بداية من العصر الملكي انتهاء بعصر مبارك، ثم يروي بالتبعية قصة الفقر في مصر، ويقول مقارناً «الفقراء اليوم ليسوا مثل فقراء الأمس والأشياء والتي يشعرون بالحاجة الشديدة إليها ليست هي نفس ما كانوا يحتاجون إليه منذ خمسين عاماً، ولا حتي منذ ربع قرن، والأغنياء الذين يرونهم، أمامهم ويقارنون أنفسهم بهم يبدون من نوع مختلف عن أغنياء الأمس، ويفعلون أشياء لم يكونوا يفعلونها بالأمس». ويتابع :«كل هذا أدي إلي أن أصبح شعور الفقراء بالحرمان اليوم في مصر أشد قسوة بكثير مما كان منذ خمسين عاماً».
ثم يتحدث بعد ذلك عن طبقة الباشاوات الجديدة، ومصادر التمتع بالباشوية أي في أساس الطبقية وترتيب الناس بعضهم فوق بعض، مؤكداً أن لفظ باشا تحول من تمييز الموصوف والإعلاء من شأنه إلي الاستخدام من أجل الاستجداء وطلب الاحسان والرحمة في استخدام السلطة. وفي اطار حديثه عن انهيار الطبقة الوسطي يطرح تساؤلاً يغني عن أي تعبير قائلاً: «ما فائدة الكلام عن طبقة وسطي مصرية الآن وقد رأينا أنها انضمت إلي الطبقة الدنيا فيما تحمله من أعباء، وما تشعر به من احباط، وبتعليمها المتدني، وبوطنيتها المنقوصة، وقلة ما لديها من فراغ، ويأسها من الصعود من الهوة التي سقطت فيها»؟.
ثم يتحدث عن المثقفين المصريين، مؤكداً أن ما آل إليه حال البلاد من الفساد يجعل بعض أصحاب المواهب الحقيقية يلجأون للانسحاب والانزواء، بينما يحاول آخرون منهم تغيير مواقفهم مما يطفئ موهبتهم الحقيقية، وينتهز الفرصة أنصاف الموهوبين فيقفزون لاحتلال المناصب. وهو ما انعكس علي الصحافة في هذا البلد، ويسوق الكاتب مثالا صارخاً لفساد النظام في قمع معارضيه بأن يسرد واقعة اختطاف عبدالحليم قنديل في عام 2004، ويتساءل «كيف تبلغ بمجموعة من الرجال القسوة والجرأة إلي هذا الحد؟.. الرجل لم يقتل أو يسرق أو يضرب، وصنعته الوحيدة هي الكتابة في الصحف، فما الذي يمكن أن يكون قد كتبه مما يمكن أن يسبب لبعض الناس كل هذا الغضب» ثم يتابع: «كل هذه القوانين والمحاكم لم تكف ولم يبق من وسيلة لردع رئيس تحرير جريدة معارضة إلا اختطافه بعد منتصف الليل وتجريده من ملابسه وإلقاؤه في الصحراء.
واستمراراً أيضاً لمساندة النظام يؤكد الكتاب أن شيخ الأزهر أصبح أكثر نشاطاً من مقتضيات منصبه، واقباله علي ابداء الرأي في الأمور الساسية خارجاً عن المألوف ومناصرته لهذا الاتجاه أو ذاك من اتجاهات السياسة الجارية، زائدة عن الحد. والمؤسف أن هذا النشاط في معظم الأحيان في غير الاتجاه الذي يتوقع المرء من قلعة من أهم قلاع الإسلام. وهو ما يعكس أيضاً حالة التشنج الديني التي وصل إليها المجتمع لدرجة التحليل والتحريم والتكفير أيضا في مجلس الشعب، وهو ما خلق أيضاً درجة عالية من الشعور بالاغتراب بين أفراد الشعب المقترن بالاكتئاب أو اليأس، وكان ناقصاً أن يخرج عليهم النظام بفكرة التوريث.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.