زهقت من حديث السياسة: دولة برلمانية أم رئاسية، حكومة أغلبية أم ائتلافية، انتخابات قائمة بالتمثيل النسبى أم بالأغلبية النسبية أم فردية أم بالنظام المختلط، دوائر انتخابية مقسمة، طبقاً لعدد السكان أم طبقاً للاتساعات الجغرافية، دولة حارسة أم متدخلة فى الشؤون الاقتصادية، لا مركزية أم مركزية، حكم محلى أم إدارة محلية، حوار وطنى شامل أم حوار مقصور على النخبة السياسية؟! صحيح أن الاهتمام بالسياسة من الشأن العام، والذى لا يهتم بالشأن العام ليس شخصاً منعدم الضرر، إنما هو شخص منعدم الفائدة، وانعدام الفائدة فى حد ذاته هو ضرر للمجتمع.. وصحيح أن قليلاً منا هم المبتكرون والمخترعون والذين يعملون بجدية.. ولكن الظاهر أننا كلنا فى السياسة خبراء موهوبون، يبدو أننا كنا فى «جرّة وطلعنا لبرّه»، وعوج الطاقية وقاللى «ما تيجى نتكلم.. ورانا إيه» ومادام الموضوع كلام فى كلام، دعونا نتكلم قليلاً عن الاقتصاد، و«عن الاقتصاد سألونى» والاقتصاد كالسياسة، من أمور الشأن العام.. موازنة 2010/ 2011 الموضوعة قبل الثورة قَدرت إيرادات الدولة بحوالى 280 مليار جنيه، منها 200 مليار إيرادات الضرائب والجمارك والرسوم وما فى حكمها، و80 مليار جنيه إيرادات سيادية من دخول قناة السويس، والبترول والغاز، وربما من بيع أراضى وأرباح شركات قطاع أعمال، أما المصروفات فَقُدرت بحوالى 480 مليار جنيه معظمها أجور، والباقى مصروفات فى شؤون الصحة والتعليم والبنية الأساسية وخلافه، والفرق بين الإيرادات والمصروفات هو مقدار العجز فى الموازنة، وقيمته 200 مليار جنيه.. كان من المفترض تدبيرها عن طريق الاقتراض من الخارج والداخل، والمتوقع الآن - بعد الثورة - هو نقص الإيرادات نتيجة حالة الركود الاقتصادى، وتعطل الإنتاج، ونقص إيرادات الضرائب والجمارك، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، زيادة المصروفات فى بنود الأجور والتعليم والبنية الأساسية، مما تترتب عليه زيادة العجز، الذى ربما يصل إلى 300 مليار جنيه بدلاً من 200 مليار كانت مقدرة فى الموازنة. وبعد أن أدخل الإعلام فى عقولنا أن ثروة الرئيس السابق تصل إلى 70 مليار دولار، أضعاف ثروة الوليد بن طلال، التى تصل إلى 20 ملياراً فقط، تفاءل الناس وعمهم الانبساط «وعشّمتنى بالحلق خرّمت أنا ودانى، لا ودانى طابت ولا الحلق جانى» والجانى هو الإعلام، زغاريد وتصفيق فى الأول وإحباط فى الآخر، وسوف يكون من السذاجة أن نعقد الآمال على سرعة استرداد أموال موجودة خارج البلاد، ومن العبط أن نتوقف عن العمل تحت ظن أن هذه الأموال ستنغنغ الناس، عاملاً وعاطلاً، كما يأمل كثير من البسطاء.. وعلى فرض صحة هذه الأرقام - المشكوك فى مقدارها - فإن «أخذ الحق حرفة»، ونحن - للأسف الشديد - لسنا محترفين فى هذا الشأن ولا فى غيره من الشؤون، ومعلش إحنا بنتكلم.. والعمر المديد لكم ولى، ولأن رئيس الوزراء أدرك ذلك فقد كلف وزيرة الشؤون الخارجية بمحاولة تدبير احتياجات مالية لإنقاذ البلاد، عن طريق الاقتراض وطلب مساعدات من الخارج، لم يُعلن عن مقدارها بعد، وكل شىء وله ثمن، ونحن نريد أن نعرف المبالغ المطلوب تدبيرها، وفيما ستنفق وثمنها، فهذه الأمور يتعين عرضها على الرأى العام فى ظل غياب البرلمان، خاصة أن الحكومة هى حكومة تسيير أعمال.. برلمان إيه، فالبرلمان كان غائباً من زمان، فعمله كان يقتصر على التصفيق والانتقال لجدول الأعمال.. اعذرونى للكلام فى السياسة، أصل الكلام بيجيب بعضه، وبمناسبة الإعلام، فأنا أرى أن نأخذ مقال الأستاذ سليمان جودة يوم الجمعة الماضى بعنوان «انظر حوله» على محمل الجد، فالكاتب يعتقد أن معظم الأموال المنهوبة محلها جيوب رجال أعمال كانوا قريبين من السلطة وليس رجال السلطة أنفسهم، وأنا أرى أنه من السهل حصرهم ومراجعة صفقاتهم مع الحكومة، واسترداد ما قد يكونون تربَّحوه دون وجه حق، وأنا لا أقصد التنازل عن أى حقوق، ولكن أقصد البدء بالميسور، الذى يمكن استرداده باتفاقات وحلول، مع الاستمرار فى البحث عن الأموال التى تم إخفاؤها خارج البلاد. القصد، الشأن العام ليس سياسة فقط ولكنه يمتد لكل شؤون الحياة، «وكلمنى عن بكره وأيضاً.. عن إمبارح» بما يفيد المستقبل، وليس بغرض أن نعيش فى «الذكرى وسهمها الجارح» أو أن نحيا مع الأوهام.. وبعيداً عن السياق، عندى سؤال محيرنى: أيهما أصح.. مقولة «إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل الدار الرقص»، أم «كيفما تكونوا يُولَّ عليكم»؟.. وتعالوا نتكلم.. ورانا إيه؟! ولا حاجة.