بقلم: د. ياسر الدرشابي جاءت الثورة فغسلت خطايانا و محت سلبياتنا و كسرت حاجز الخوف الذي جَثم علي الصدور و أخرس الألسنة لعقود طويلة. اليوم، قال لي أحد الأخوة العرب "أخيراً عادت لمصر قيادتها" نعم لقد جاءت الثورة فأعادت لمصر مكانتها و رئاستها للعالم العربي الذي تشتت لسنوات طويلة في غياب المارد المصري الذي غرق في بحر الفساد و الطغيان. جاءت الثورة لتعيد إلينا إنتماءنا الذي كنا نعتقد إنه ذهب مع أخر أطياف حرب أكتوبر و لم نكن لنتذكره حتي مع الأغاني الوطنية التي هي أيضاً إستبدلها النظام السابق فجعلنا نتَغني "نعم نعم نعم" بعد أن كنا ننشُد من أعماق قلوبنا "بسم الله، الله أكبر، بسم الله" فتهتز الأرض و يرتعش كل من تسول له نفسه أن يعتدي علي شبراً واحداً من أراضينا. عادت إلينا الأغاني و عادت الروح و عاد الإنتماء بل أصبحت مصر هي شغلنا الشاغل في كل وقت و كل حين. خرجنا لأول مرة من عصور لا لنقول نعم أو لا في الإستفتاء بل لنقول "نحبك يا مصر" فقد عادت إلينا حبيبتنا بعد طول غياب و بعد أن كانت سجينةً نظام إستباحها و إستباحنا معها. جاءت الثورة فغيرت سلوكياتنا و طَهرتنا، جعلتنا نحب و نتحاور، نأمل و نحلم و نتمني الخير لأولادنا داخل مصر و ليس خارجها. من ذا الذي كان يحلم من قبل؟ من الذي كان يريد البقاء فيها و هي مغتَصبة مستَعمرة؟ جاءت الثورة فغسلت القبح و السلبية و أنهت كابوساً كنا نعتقده باقٍ لنا و لأجيالٍ بعدنا. أصبحت الشعوب الأخري تأخذنا مثلاً لها إذا أرادت التغيير و أصبحت الثورة المصرية حديث العالم كله لسلميتها و تحضُرها و لما رأه العالم من تصميم و وحدة حتي تحقيق الهدف و تحقيق الأحلام. كل هذا و مازال منا من لا يريد أو لا يستطيع أن يتطهر، مازال فينا من يرفض العزة و الكرامة، مازال منا من إعتاد أن يعيش مهزوماً مهاناً يقبل أيادي الأسياد، مازال فينا من يرفض الحرية و يفضل العبودية، من يري صعوبةً بالغةً في العيش بشرف، بدون سرقة أو رشوة، بدون نفاق أو تملق، بدون ظلم أو إستعباد. مازال فينا من لا يريد مستقبل أفضل لأولاده أو لا يري أبعد من سنوات عمره و ما يستطيع أن يجنيه فيها من مكاسب مادية لا تغني و لا تسمن من جوع إذا ما قيست بلحظة واحدة يشعر فيها المرء بالحرية و الكرامة. مازال فينا من سيفتقد الحياة الوَضيعة بما فيها من ذُل و إنحطاط، و كأنهم يأبون الحياة الكريمة، و كأن الله أعماهم أن يروا الحق و يدركوا الطرق إليه. مازال فينا من لا يريد حياة نظيفة طاهرة ، مازال فينا من يرفض الإستحمام ... مازال فينا من سيخرج في 25 إبريل لرد الجميل للمخلوع... عجباً علي هؤلاء... يجب علينا أن نرغمهم علي الإستحمام فهم مهما كان جزءاً من هذا الجسد الذي يجري الأن تطهيره.