بيتر كريكو يكتب: «بوتين» لا يريد أوروبا موحَّدة وقوية

منذ بداية الصراع الأوكرانى فى عام 2014 ورغبة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين تتزايد فى التدخل فى السياسة الأوروبية بشدة. ويتمثل المبدأ الأساسى فى هذه العملية لدى بوتين، وهو «فرِّق تَسُد»، فى تركيزه على أعضاء الاتحاد الأوروبى الأكثر ضعفاً الذين سيتأثرون بسهولة أكثر من مساعيه لإضعاف الاتحاد الأوروبى.
مقالات متعلقة
* «بوتين» لزعماء أوروبا: انتخابات سوريا لن تعرقل عملية السلام
* «ميركل»: «بوتين» أكد الالتزام بوقف إطلاق النار في سوريا
الدبلوماسيون الروس لم يخفوا رغباتهم فى التعامل مع الدول الأوروبية كبلاد منفردة بدلاً من التعامل مع الاتحاد ككتلة. وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف قال العام الماضى إنه يفضل أن تتخذ الدول الأوروبية موقفاً سياسياً، حيث تعطى كل دولة فى الاتحاد الأولوية لمصالحها الوطنية فوق مصالح الاتحاد. سياسات الجيش الروسى ووزارة الخارجية الروسية الحالية ترى الغرب ومؤسساته أعداء وليس حلفاء. وقال سفير روسيا لدى الاتحاد الأوروبى فلاديمير شيزوف، الشهر الماضى، إن تجزئة الاتحاد الأوروبى لم تكن هدفاً من أهداف روسيا أبداً، لكن روسيا تريد من الاتحاد الأوروبى أن يتصرف باستقلالية وألا يتأثر بالولايات المتحدة.
وبالتالى، ليس من المفاجئ أن يفضل الكرملين أن يؤدى الاستفتاء المقرر فى 23 يونيو المقبل فى بريطانيا إلى مغادرة الاتحاد الأوروبى، رغم أن بوتين نفسه لم يقل أى شىء فى موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد، وبعد تصريحات رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون بأنه من الأفضل لبريطانيا أن تبقى فى الاتحاد الأوروبى لكى تتمكن من محاربة العدوان الروسى، والكورى الشمالى وتنظيم «داعش» بشكل أكثر سهولة، إلا أن السفير الروسى فى لندن رد عبر «تويتر» بقوله إن حملة كاميرون للبقاء فى الاتحاد لم تقنع روسيا، وإنها ليست مبنية على المنطق. ولكن الإعلام الروسى الذى يدعم الكرملين لم يخف دعمه لخروج بريطانيا من الاتحاد، فقد نشرت وكالة «سبوتنيك» الروسية مقالاً تتهم فيه بريطانيا بنشر السرطان الذى يتمثل فى السياسة الأمريكية، وبتحريض الاتحاد على أن يتعامل مع موسكو بتصلب غير ضرورى. وعلى مدار العامين الماضيين ركز موقع «روسيا اليوم» الحكومى بشدة على احتمال انقسام المملكة المتحدة، وسلط الضوء على تصريحات رئيس الوزراء الأسكتلندى نيكولا ستيرجون بأن مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبى قد تؤدى إلى إجراء استفتاء ثان تنفصل بموجبه أسكتلندا عن المملكة المتحدة بعد أن قرر الأسكتلنديون البقاء فى المملكة المتحدة فى استفتاء سبتمبر 2014.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية «ريا نوفوستى» عن مراقبين روس أن الاستفتاء على انفصال أسكتلندا لم يُلبِّ المعايير الدولية بشأن إحصاء الأصوات، الذى أسفر عن عدم استقلالها عن المملكه المتحدة. إن استفتاء على استقلال أسكتلندا سيلقى ترحيباً من بوتين والانفصاليين الأوكرانيين، لأنه سيخلق سابقة لانفصال دولة عن الاتحاد الأوروبى.
كما أسست روسيا روابط مع بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية التى تطالب بتفكيك الاتحاد الأوروبى، فأعضاء الحزب البريطانى اليمينى «يو كيب» كثيراً ما يظهرون عبر القنوات الروسية الوطنية مثل «روسيا اليوم»، وأشاد رئيس الحزب نايجل فاراج ببوتين، وقال إنه «قائد ممتاز»، وإن تدخله فى سوريا كان أمراً بارعاً. وأشاد بوتين بزعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينى الفرنسى المتشدد، مارين لو بين، لاستعدادها أن تنشر القيم المحافظة فى أوروبا، والتزامها بتقوية السيادة الوطنيه بدلاً من أن تخدم بروكسل، بعد فوزها فى الانتخابات الأوروبية فى 2014.
من الطبيعى لبوتين أن يريد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى، لأنها من حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين فى كبح روسيا عن النمو. خروج بريطانيا قد يؤدى إلى مغادرة بلاد أخرى الاتحاد الأوروبى، ليس فى أوروبا الغربية فقط بل أيضاً فى دول أوروبا الشرقية التى كانت تدور فى فلك روسيا فى الماضى.
رئيس الوزراء التشيكى قال إنه فى حالة مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبى، سيثار جدل فى بلاده بشأن عضويتها فى الاتحاد الأوروبى، وليس من الصعب تصور موقف مماثل فى الدول الشيوعية السابقة، فى وقت اختبرت فيه الاضطراب داخل الاتحاد الأوروبى بشأن أزمة اللاجئين علاقات الجوار.
نظام بوتين محق فى اعتقاده أنه من الصعب أن يؤثر على أوروبا وهى موحدة وقوية، بوتين لم يقدر أن يكسر وحدة أعضاء الاتحاد فى قرار فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا فى عام 2014، وفى البرلمان الأوروبى يتم تمرير القرارات التى تنتقد نظام بوتين بأغلبية كبيرة، كما هو الحال فى المفوضية الأوروبية. روسيا تجد صعوبة أكثر الآن فى التأثير على القرارات، فتم وقف مشروع «السيل الجنوبى» لنقل الغاز، كما تواجه الصفقة النووية مع المجر خطراً كبيراً. بوتين مهتم بإضعاف الاتحاد الأوروبى، لأنه يعرف أن الاتحاد وهو قوى ومتماسك عدو سياسى كبير. الأمر كما يراه بوتين فرصة فى التغلب على أوروبا، هى مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبى. الفوضى المؤسسية والسياسية التى ستتبع مغادرة بريطانيا الاتحاد ستكون بدون شك فى صالح روسيا، وأوروبا ستكون أضعف وأكثر تفرقاً، وقائد ذكى مثل بوتين سيكون مدركاً لذلك، خاصة أن الاستفتاء البريطانى يقترب بسرعة.
نقلاً عن مجلة «نيوزويك» الأمريكية
ترجمة - كمال مجدى
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة