مع اقتراب المهرجان الدولي لفيلم المرأة الذي يعقد بمدينة سلا المغربية من اكتمال العقد الاول له تبدو تطورات الاداء المهرجاني والفني واضحة على ملامح الدورة التاسعة التي تستمر في الفترة من 28 سبتمبر وحتى 3 اكتوبر حيث تتشعب النشاطات وتضاف اقسام جديدة واعدة لم تكن حاضرة ضمن فعاليات الدورات الأولى التي صنعت اسما جيدا لهذا المهرجان النوعي-المتخصص في أفلام المرأة- ضمن العديد من المهرجان المغاربية والعربية سواء النوعي منها أو الدولي العام. إلى جانب مسابقة الفيلم الطويل التي تضم هذا العام اثنا عشر فيلما من المغرب ومصر وايران والبرازيل ليتوانيا وكندا وايطاليا وفيتنام وتركيا وبلغاريا وفرنسا واثيوبيا قررت ادارة المهرجان أن تضاف مسابقة جديدة فرعية للمسابقة الرئيسية وهي المسابقة الدولية للأفلام الوثائقية ضمن نفس اطار أفلام المرأة أي الأفلام التي تقدم من قبل مخرجات أو تتحدث عن قضايا وسياقات المرأة الأشكالية وقد شارك في المسابقة هذا العام ستة أفلام من فرنسا والجزائر وبلجيكا والأردن والمغرب. ومن المعروف أن المغرب يملك ملامح سينمائية متطورة وحاضرة بقوة على الساحة الدولية عبر افلامه الروائية الطويلة وانتاجاته القصيرة المميزة حيث تعتبر المغرب احد اغزر الدول العربية انتاجا للأفلام القصيرة نظرا لحجم الدعم الذي يقدم لتلك الأفلام وسهولة انجازها وتنوع موضوعاتها لكن على مستوى الحركة السينمائية التسجيلية فأن المنجز الفيلمي المغربي لا يزال في طور التشكل ومحاولة التواجد وتحقيق تجارب مغايرة ومختلفة عن السائد على مستوى الفيلم التسجيلي العربي-اذا صحت التسمية-ولهذا يعتبر اضافة القسم الجديد- مسابقة الأفلام الوثائقية- انجاز تشجيعي هام لمخرجي الأفلام التسجيلية المغربية بالأضافة إلى كونه اضافة لغرض الثقافي المفترض من وراء اقامة المهرجان أي تعريف المتفرج المحلي المغربي على نمط سينمائي مختلف عن الروائي ربما لا يتاح له مشاهدته والتفاعل معه نظرا لسيطرة الفيلم الروائي على ذهنية الفرجة لديه. وفي مقابل لجنة التحكيم الدولية التي يتم تشكليها لتقييم ومنح جوائز المسابقة الدولية شكلت ادارة المهرجان لجنة محلية لجوائز الفيلم الوثائقي مكونة من ثلاثة مثقفات مغربيات هما مريم عدو صاحبة التجربة الوثائقية المغربية الاهم العام الماضي«قراصنة سلا»ومجدولين العلمي الباحثة في مجال التواصل السينمائي والخبيرة الاعلامية صباح بنداود.وتأتي اهمية تكوين لجنة محلية للفيلم الوثائقي من كونها تتيح احتكاك فني وسينمائي ما بين التجارب الدولية المعروضة وبين المكون الثقافي المحلي وكيفية رؤية المثقف والسينمائي المحلي المغربي للتجارب الدولية في مجال السينما التسجيلية. إلى جانب مسابقة الفيلم الروائي الطويل ومسابقة الأفلام الوثائقية يحظي متابع المهرجان هذا العام بمتابعة سينما الضيف وهي مجموعة أفلام منتقاة هذا العام من بلجيكا وهو القسم الذي بدأ هذا العام وضعه ضمن البرامج التي سوف تمنح جائزة الجمهور الشبابي بالأضافة إلى قسمي نظرة على الفيلم المغربي القصير والطويل. جائزة الجمهور الشبابي تعد جائزة الجمهور الشبابي أحد الأضافات الهامة للدورة الحالية والتي تم التوصل لمنحها من قبل ادارة المهرجان من أجل تحفيز الجمهور الشاب الذي يمثل شريحة هامة يراد استقطابها من بين جمهور السينما المغربية على ان يشاهد الأفلام ويصبح مشاركا في ابداء الرأي ومنح جائزة خاصة بأسمه. ومن المعروف أن العديد من المهرجانات الدولية تطبق جائزة الجمهور والتي تمنح عادة من قبل احد المؤسسات الداعمة للمهرجان ولكن مهرجان سلا قرر أن يقتصر منح الجائزة على فئة الشباب من أجل تحقيق غواية ثقافية تجعل من تلك الفئة تذهب لمشاهدة الأفلام وتقييمها عبر استمارات تقييم توزع عليهم قبل العروض. والملاحظة الأساسية هي تطبيق الجائزة على أقسام الفيلم المغربي وذلك لتشجيع المشاهدة المحلية للأفلام والتعرف على الأنماط السينمائية التي تستهوي الجمهور بعيدا عن تقيمات الأيرادات الخادعة والتي غالبا ما تعاني من حيل التوزيع ومساوئ القرصنة. أما منح الجائزة لسينما الضيف فمن الواضح أنها فلسفة تكريمية لعملية التبادل الثقافي والسينمائي المستهدفة من وراء فكرة سينما الضيف وهي التعرف على طبيعة انتاجات السينما في بلد بعينه سواء عبر افلام نوعية- كأفلام المرأة-أو انتاجات عامة تمثل صورة للمنجز الفيلمي في تلك البلد. من ابرز الملاحظات على برامج السينما المغربية المحلية ضمن فعاليات الدورة التاسعة هي عدم التزامه بالسياق النوعي لأفلام المرأة رغم محاولة التزام برنامج نافذة على الفيلم القصير بهذا السياق فنجد ستة أفلام قصيرة من أخراج مخرجات مغربيات يمثلن جانبا واعدا من حركة السينما القصيرة في المغرب على رأسهم بالطبع الكاتبة والمخرجة الشابة اسماء لمدير بفيلمها دوار السويلما وزينب الأشهب بفيلمها نقطة رجوع إلى جانب تجارب سميرة القاضي«شكر غريب»ونادية المهدي«كونيكسيون»وجنان محمدي بفيلمها«دنيا». أما نافذة الفيلم الطويل فقد شهدت حضور ذكوري بحت من خلال افلام«جوق العميين»لمحمد مفتكر وهو ابزر الأنتاجات السينمائية المغربية في 2014- وقد عرض مؤخرا في مهرجان الأسكندرية الدولي- و«الوشاح الأحمر»لمحمد يونسي و«رهان»لمحمد كغاط و«ملاك»لعبدالسلام الكلاعي والفيلم الكوميدي«الفروج» للممثل والمخرج المغربي عبدالله توكونه الشهيرب«فركوس». ولكن ليس معنى الحضور الذكوري كتابة وإخراج في مجموعة الأفلام الطويلة المنتقاة غياب المرأة كعنصر اساسي ضمن اختيارات الدورة التاسعة فالأفلام الخمسة في النهاية تلعب فيها المرأة دورا اساسيا أن لم يكن محوريا ضمن سياقات الدراما والصورة فجوق العميان يتمحور حول فرقة موسيقى شعبية في بداية حكم الملك الحسن الثاني حيث نتابع قصة حب ما بين وقت أن كانت المجتمع محافظا بدرجة كبيرة ولما كانت تعاني من التبطل فقد قررت أن تدعي انها مكونة من مجموعة عميان من أجل أن يتم دعوتهم لأحياء الأفراح الشعبية التي تنفصل فيها السيدات عن الرجال على اساس انهم لا يملكون من البصر ما يمكنهم من البحلقة في النساء. وفي فيلم رهان وهو كوميديا رومانسية خفيفة يدور الصراع حول امرأة هي شخصية الممثلة الشهيرة ياسمين زرقي وذلك بين شابين يتراهن كل منهم على الوصول لقلبها. بينما في الوشاح الأحمر فنتابع معاناة الشاب المغربي لحبيب في الوصول إلى زوجته الجزائرة التي تلد بعد أن تم اغلاق الحدود بين الجزائرة والمغرب على اثر اندلاع حرب الرمال. وتعد تجربة«ملاك»هي التجربة الأكثر التصاقا بواقع المرأة المغربية والعربية والتي سبق وان حازت عليها الممثلة الشابة شيماء بن عشة العديد من الجوائز حيث تدور احداث الفيلم حول شخصية الفتاة الشابة ملاك ذات السبعة عشر عاما التي تجد نفسها وحيدة ومنبوذة من اسرتها ومجتمعها على اثر حملها سفاحا من شاب احبته وكيف ينحدر بها الحال اثر هذا الخطأ الذي لا يزال المجتمع لا يتقبله ويعتبر أنه موت الفتاة نهاية حتمية بسببه. سلوى وهالة ومنال وقفت الفنانة سلوى خطاب على خشبة مسرح سينما هولييود في حفل الأفتتاح لتستقبل حالة من الأحتفاء والتصفيق وهي تكرم عن مجمل اعمالها من قبل ادارة المهرجان وذلك ضمن برنامج التكريمات السنوية الذي يقيمه مهرجان سلا ورغم أنها سطعت اخيرا في العديد من الأدوار التليفزيونية إلا أنها لم تبتعد كلية عن السينما حيث قدمت العام الماضي فيلم المخرج الشاب كريم حنفي«باب الوداع»الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة في دورته الأخيرة. وكتقليد متبع يتم تكريم ممثلة مغربية إلى جانب الممثلة المصرية –اعترافا من المهرجان بالدور الذي لعبته السينما المصرية في تشكيل الوجدان الفيلمي للشعوب العربية- حيث يكرم المهرجان هذا العام الممثلة المغربية نايدة نيازي ضمن فعاليات حفل الختام وهي احد اشهر الوجوه التمثيلية المغربية وشاركت في العديد من الأفلام الهامة على رأسها«عاشقة من الريف»لنرجس النجار و«النهاية»لهشام العسري و«براق» لمحمد مفتكر. أما ثاني ملامح الحضور المصري هذا العام ضمن فعاليات الدورة التاسعة فهو اختيار الممثلة المصرية منال سلامة كعضوة في لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الطويل التي تضم سبعة نساء من العاملات في مجال السينما على رأسهم مانون باربو الكاتبة والمنتجة الكندية ودجييا مومبو الناقدة السينمائية السمراء من الكونغو والمنتجة الفرنسية ماري كوتمان وبالطبع التمثيل المغربي عبر مشاركة الممثلة فاطمة الزهراء بناصر احد ابرز الوجوه التمثيلية العاملة حاليا في السينما والتفلزيون المغربي. فقط تبقى ملاحظة اساسية على تكوين لجنة التحكيم وهو اصرار ادارة المهرجان على ان تكون كلها من النساء دون عنصر ذكوري واحد وهو أمر يتجاوز الأحتفاء بفكرة سينما المرأة أو افلام المرأة-رغم جدلية المصطلح-إلى تخوم العنصرية فلا شك أن وجود عنصر سينمائي رجالي بما يحمله الرجل من تكوين ثقافي ومرجعية نفسية وذهنية مختلفة – ولا نقول اكثر ولا أقل فقط مغايرة-من الممكن أن يثري لجنة التحكيم عبر تنوع الرؤى واختلاف زاوية النظر للتجربة السينمائية نظرا للمساحة الطبيعية الفارقة ما بين نظرة الرجل ونظرة المرأة مهما كانت ثقافتهم السينمائية أو حجم موهبتهم وخبراتهم في مجال الفيلم. اما اكثر المشاركات المصرية الملفتة في الدورة الحالية فكانت ندوة«نظرات متقاطعة للرجل والمرأة حول النوع في السينما»والتي شاركت فيها المخرجة المصرية هالة خليل مع المخرج المغربي محمد مفتكر وهي الندوة التي شهدت نقاشات حادة حول مواضيع مختلفة طرحت في مساحة الحوار المشترك بينهم ففي مقابل حديث هالة عن وجهة نظرها كسينمائية امرأة في الموضوعات والتفاصيل الفيلمية التي تشغلها تحدث مفتكر عن كون الفيلم بالنسبة له بحث لا يدرك نهايته إلا مع المشهد الأخير وفي مقابل اعلان هالة عن أن المكان يمثل لها عنصر اساسي في اعمالها لا تستطيع أن تتخلص منه بل لا تحب اوضح مفتكر أن افلامه(براق وجوق العميين)يتمثل فيهما دوما علاقة الأب بالابن ومحاولة مقاومة السلطة الأبوية بختلف اشكالها ثم تطرق النقاش إلى طبيعة خيارات الأنتاج السينمائي المطروحة حاليا على الساحة المصرية والمغربية خاصة فيما يعرف بتيار السينما المستقلة في مصر أو محاولة الخروج عن النمط الأنتاجي السائد وكيفية مقاومة سطوة الانتاج التجاري البحت وحرب التوزيع الطاحنة. تبقى الإشارة إلى أن فيلم الأفتتاح للدورة التاسعة«حضور اسمهان الغير محتمل»للمخرجة الفسطينية عزة الحسن لا شك يعتبر جزء من الحضور المصري الواسع ضمن الفعاليات وهو الفيلم الذي انجزته مخرجته عبر التصوير في مصر ولبنان والنمسا من خلال تتبع مسارات فكرية لحضور شخصية اسمهان المطربة السورية التي شهدت مجدها في مصر وتوفت في حادث غامض عام 1944 حيث قدم الفيلم شهادات مختلفة حول فكرة تقديس الماضي والوقوف على أطلاله والرغبة في الثورة عليه بالأضافة إلى ذلك التماس مع فكرة الاجئين حيث كانت اسمهان لاجئة ذات يوم من جبل الدروز إلى مصر وكيف كانت مصر تستقبلهم وكيف تستقبلهم اوروبا في الفترة الحالية!!.