بسيطة، عفوية وهجومية.. كان هذا هو حال كرة القدم الحديثة في السنوات الأولى فور اختراعها، لن تتقيد بطرق لعب، ولن تكون مجبرًا على الالتزام بمركز محدد له مهام صارمة، فقط «اركل الكرة واركض وراءها». كان اللاعبون يرتجلون في هذه الأعوام، لا يأبه أحدهم بزملائه حين تصله الكرة، يتسلمها ويركض يحاول مراوغة كل من يواجهه، كانت قوانين اللعبة تتشكل في هذا الحين، تعديل تلو تعديل يُقيد من حرية اللاعبين، وحين تم إقرار قانون التسلل عام 1848 أصبح المدربون مطالبين بوضع خطط محددة وتقييد لاعبيهم بتعليمات للتكيّف مع القانون الجديد. يرصد هذا التقرير أبرز خطط اللعب التي ظهرت في السنوات الأولى من عمر اللعبة الأكثر شعبية على مستوى العالم. البداية.. «1-2-7» في 30 نوفمبر 1872 أقيمت أول مباراة دولية في تاريخ كرة القدم بين منتخبي إنجلترا وأسكتلندا، كان المنتخب الإنجليزي يعتمد بشكل رئيس على المراوغة، لا يفضل لاعبوه التمرير، حين تصل الكرة إلى أحدهم ينطلق بها إلى الأمام ويحاول مراوغة كل لاعبي الخصم ليصل للمرمى، كانت الكرة في اسكتلندا على النقيض تمامًا، يعتمد اللاعبون على تمرير الكرة سريعًا دون الاحتفاظ بها. خاض منتخب إنجلترا المباراة بطريقة لعب «1-2-7» وكان السباعي المتواجد في الأمام مقسمّا كالتالي.. لاعبان على أقصى طرفي الملعب (winger) ولاعبان إلى جوارهما (inside forward)، إضافة إلى 3 لاعبين في العمق أمام مرمى الخصم مباشرة. أما اسكتلندا فكانت تلعب بطريقة «2-2-6»، وقرر لاعبوها قبل المباراة الابتعاد قدر الإمكان عن المواجهات الفردية، حين تصل الكرة إلى أقدامهم يمررونها سريعًا، التوقعات كلها كانت تصب في صالح المنتخب الإنجليزي للفوز بالمباراة، لكنها انتهت بالتعادل السلبي. عكست هذه المواجهة الطابع الهجومي الذي كان سائدًا في هذه الفترة، حيث كانت طريقة لعب «1-2-7» الأكثر شيوعًا خلال ستينيات وسبعينيات القرن قبل الماضي. المثلث.. «2-3-5» كان الصراع ما زال قائمًا، أداء فردي يعتمد على المراوغة وركل الكرة والركض خلفها، في مواجهة أداء جماعي يعتمد على تمرير الكرة بسرعة والابتعاد عن المراوغات، استمر الصراع حتى طرق لاعبو اسكتلندا أبواب الكرة الإنجليزية في مطلع العقد قبل الأخير من القرن التاسع عشر وقتها تغير كل شيء. لاعبو اسكتلندا وفدوا للدوري الإنجليزي بثقافتهم الخاصة، يمررون الكرة إلى أقرب لاعب بسهولة دون ركض أو محاولة للمراوغة إلا في حالات نادرة، ما ساهم في ظهور طريقة لعب جديدة كانت الأكثر شيوعًا في الملاعب حتى عشرينيات القرن الماضي وهي طريقة «2-3-5» أو المُثلث كما يطلق عليها. تعد «المثلث» أول طريقة لعب تعتمد على الأداء الجماعي بدلاً من المهارات الفردية، في الدفاع يتواجد لاعبان موكل إليهما مراقبة مهاجمي الخصم، وفي الوسط 3 لاعبين، أحدهم على الجانب الأيمن والآخر على الجانب الأيسر، وكل منهما يراقب الجناح المهاجم المتواجد في جبهته، أمّا اللاعب الثالث في خط الوسط فيتواجد في قلب الملعب (center half) ويعد هذا الأخير هو أهم لاعب في هذه الطريقة، إذ كان يكلف بقطع الإمداد عن المهاجمين من المنتصف إضافة إلى الربط بين خطي الدفاع والهجوم. فريق بريستون نورث إيند الإنجليزي هو أول من لعب بهذه الطريقة بعد وفود العديد من الاسكتلنديين إلى صفوفه، فاز بالدوري الإنجليزي والكأس موسم 1889 دون أن يتلقى أي هزيمة. انتشرت الطريقة في العديد من بلدان العالم، لكنها بدأت تتوارى قليلاً منذ النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي حين تم تعديل قوانين التسلل مجددًا. «W-M».. «3-2-2-3» أضفى قانون التسلل منذ اختراعه قدرًا من التعقيد على اللعبة، كان الأمر قبل ظهوره شديد السهولة، يستطيع أي لاعب متواجد خلف دفاع الخصم أن يتسلم الكرة ثم ينفرد بالحارس ويهز الشباك، وفور صدور القانون كان المتبع في البداية أن يتم احتساب التسلل إذا مرر اللاعب الكرة لأي زميل يتواجد أمامه ما كان يدفع اللاعبين للركض بالكرة وتمريرها إلى الخلف أو بالعرض، ثم تم تعديل القانون لاحقًا عام 1866 ليصبح اللاعب متسللاً إذا تسلم الكرة وبينه وبين مرمى المنافس 3 لاعبين، من بينهم حارس المرمى. بمرور الوقت، أصبحت «مصيدة التسلل» فخًا يسقط فيه اللاعبون كثيرًا، برع بعض المدربين في تدريب اللاعبين عليها، خاصة في ظل الاعتماد على مدافعَين فقط في الخط الخلفي في أغلب الأوقات، كان التسلل حينها أسهل وسيلة لإفساد هجمات الخصم، قلّت عدد الأهداف المسجلة، سادت حالة من الملل، تلاها تراجع أعداد الجماهير في المدرجات، انتقدت الصحف القانون ودعت لإحداث تغييرات فيه، واستجاب المشرّعون عام 1925 حيث تم تعديل القانون ليصبح اللاعب متسللاً إذا تواجد بينه وبين مرمى الخصم لاعبان فقط عند تمرير الكرة وليس ثلاثة. أربك هذا التغيير بعض الفرق، أبرزها أرسنال الذي كان هربرت تشابمان قد تولى تدريبه مطلع موسم «1925 – 1926»، وتعرض المدفعجية لهزيمة ساحقة أمام نيوكاسل «7-0»، دفعت المدرب العبقري للتفكير في تغيير طريقة اللعب السائدة «2-3-5». لاحظ تشابمان أن التغيير الأخير في قواعد التسلل منح مهاجمي الخصم قدرًا أكبر من الحرية، ولاحظ أيضًا أن السبب الرئيس في خروج نيوكاسل بشباك نظيفة أمام أرسنال، كان تشارلي سبنسر، مدافع الفريق المنافس، الذي كان يتراجع للخلف كثيرًا ليساعد في التغطية خلف المدافع الآخر. قرر تشابمان سحب لاعب من خط الوسط إلى الدفاع ليتولى مراقبة مهاجم الفريق المنافس ووضع إلى جواره مدافعًا على الطرف الأيمن وآخر على الطرف الأيسر، لتصبح طريقة اللعب «3-3-4» ثم قرر تغييرها مجددًا لإحداث أكبر قدر ممكن من التوازن بين الدفاع والهجوم، فقام بسحب لاعب من الخط الأمامي وقرر الاعتماد على 4 خطوط داخل الملعب بطريقة لعب «3-2-2-3» حيثُ يتولى مسؤولية الدفاع 5 لاعبين.. 3 منهم في الخط الخلفي وأمامهم لاعبان في الوسط للتأمين الدفاعي (half back) و5 لاعبين في الهجوم.. 3 أمام مرمى المنافس، جناح أيمن وجناح أيسر ومهاجم، وخلفهم لاعبان. أتاحت هذه الخطة، التي انتشرت بشكل سريع للغاية في إنجلترا، ثم مختلف الدول الأوروبية، مرونة كبيرة داخل الملعب، إذا كانت تتحول أحيانًا إلى «3-4-3» وأحيانًا إلى «3-6-1» في حال ارتداد الجناحين للدفاع، وكان رباعي الوسط يتحرك داخل الملعب على شكل مربع يمثل كل لاعب أحد أضلاعه. سُميت هذه الطريقة ب«W-M»، لأن الرسم التكتيكي للخماسي المكلف بالدفاع كان على شكل «W» وللخماسي المكلف بالهجوم على شكل «M»، واستمر الاعتماد عليها بشكل واضح حتى عام 1945.