العبرة في النهاية ليست بكم الغيابات التي تعرض لها فريقك، ولكن بمدى قدرتك على التعامل بالأفراد المتاحين لديك، وفي حال كانت خط دفاعك ووسطك كاملين تقريباً، ومع ذلك تخسر مباراة 3-0، فالأمر أكبر فعلاً من الغيابات. أسوأ ما في مباراة اليوم بالنسبة لبايرن ميونخ وبيب جوارديولا ليس في أن فريق خسر 3-0، ولكن لأن أفضل لاعب في المباراة من الممكن أن يكون مانويل نوير حارس المرمى، مباراة سيئة جدًا للفريق في أغلب أوقاتها، ونتيجة مستحقة تتوج موسم متذبذب لبايرن ميونخ. وفي المقابل، برشلونة قريب جدًا، وبصورة مدهشة، من تحقيق الثلاثية، أقوى فريق في أوروبا، متقدم في جدول الليجا، ويلعب نهائي كأس إسبانيا، ما من أحد كان يتوقع في بداية الموسم أن تكون النهاية كالحلم كما يحدث الآن. الشوط الأول: (1) في الحقيقة لا يبدو واضحاً ماذا كان يريد بيب جوارديولا من المباراة! هل الدفاع والخروج بنتيجة 0-0؟ أم الهجوم ومحاولة إحراز هدف يعطيه الأفضلية في لقاء العودة؟ إذا كان الدفاع، فلماذا قرر اللعب بضغط عال جداً من خط دفاعه أمام لاعبين أسرع كثيراً من مدافعي فريقه؟ انفراد لويس سواريز في دقائق المباراة يحكي كل شيء، كرات برشلونة الطولية دائماً فرصة لهدف لأن اللاعب المنطلق أمام دفاعات بايرن– سواء كان هذا اللعب سواريز أو ميسي أو نيمار أو حتى ألبا أو ألفيش- ستكون فرصته أعلى دائماً في اللحاق بالكرة والانفراد بمرمى «نوير»، قرار كارثي من مدرب بحجم جوارديولا. المشكلة الأكبر أن هذه المغامرة في اللعب بدفاعٍ متقدم لم تكن لمغامرة هجومية في المقابل، البايرن لعب ب4 لاعبين في وسط الملعب لا يوجد منهم من هو قادر على اللعب بين الخطوط أو صناعة اللعب في نصف ملعب برشلونة، بالأحرى لا يوجد ماريو جوتزه، وبالتالي انعزل «مولر» و«ليفاندوفسكي» تماماً عن بقية الفريق، وفي اللمحة الهجومية الخطيرة الوحيدة لبايرن طوال اللقاء حدث الأمر بسبب كفاح فردي ل«مولر» وخطأ في التمركز من «بيكيه» فوصلت الكرة لليفاندوفسكي أمام المرمى، خلاف ذلك لم يكن لبطل ألمانيا أي شكل هجومي، (0) كرات بين الثلاث خشبات كما تقول إحصائيات اللقاء. (2) لويس إنريكي في المقابل كان متوازناً جداً، هو كعادته يؤمن بأن ثلاثي المقدمة قادر على صنع الفارق في أي وقت، لذلك لا يحاول المغامرة بلاعبين كُثر في الهجوم، ويفضل الحفاظ على الصلابة الدفاعية. برشلونة اليوم كان صلباً للغاية– باسثناء كرة ليفاندوفسكي تلك- ومجرد تمرير الكرة في نص ملعبه كان شيئاً شاقاً بالنسبة للاعبي بايرن ميونخ، بوسكيتس وإينيستا وماسكيرانو والأهم: راكيتيتش لعبوا مباراة كبيرة جداً. (3) في الثلث ساعة الأولى كان برشلونة يصل لمرمى لبايرن ميونخ بسهولة شديدة بسبب دفاع «بيب» المتقدم، ولولا بعض الرعونة في أداء سواريز ونيمار –أولاً- وتعملق ومباراة عظيمة لمانويل نوير –ثانياً- لخرج الفريق متقدماً في هذا الشوط بهدفين على الأقل. (4) أعاد «جوارديولا» ترتيب أوراقه بعد مرور 25 دقيقة تقريباً، فعاد للعب ب4 في الخلف، بدلاً من 3 مع سقوط تشابي ألونسو- وتراجع خط دفاعه للوراء، ما قلل من خطورة برشلونة كثيراً ومنح المباراة توازناً في بقية أحداث شوطها الأول. الشوط الثاني: (1) كان من الحتمي والمنطقي جداً خروج سباستيان شفانشتايجر مع بداية هذا الشوط، إما لنزول ماريو جوتزه لخلق شكل هجومي للفريق في النصف الثاني من الملعب، أو حتى لصالح خافي مارتينيز وتحرير تياجو ألكانترا قليلاً في صناعة اللعب. «شفانشتايجر» كان غائباً تماماً عن الشوط الأول، كاستمرار لأدائه في موسمي بيب جوارديولا، خصوصاً في المباريات الكبرى، مهامه في الملعب غير واضحة، وأبطأ كثيراً من صراع وسط الملعب. ولكن «جوارديولا»، لسببٍ ما، أبقاه في الملعب، وبدا «شفايني» غائباً لدرجة التأكد إذا كان لازال موجوداً في الملعب أم لا. (2) ظلت المبارة دائرة في وسط الملعب طوال 30 دقيقة من الشوط الثاني، أفضلية نسبية لبرشلونة، يبدو أقرب لإحراز هدف، ولكن بايرن ميونخ متماسكاً في المقابل، وال«موود» العام للقاء – خصوصاً مع تعملق «نوير»- يتجه نحو ال0-0. الإجابة في النهاية كانت «ليونيل ميسي». قبل اللقاء قال «جوارديولا» أن «ميسي إن كان في مستواه لا يمكن لأحد إيقافه»، اللاعب الأرجنتيني قدم 19 دقيقة مثالية، نموذج مثالي للأسباب المتعددة التي تجعل الأغلبية تراه ضمن أعظم لاعبي كرة القدم في تاريخ اللعبة. بطء وتوتر وتسرع خوان بيرنات يؤدي في النهاية لخطأ قاتل في فقدان الكرة أمام داني ألفيش، تمريره ل«ميسي»، تصويبة قوية.. هدف قلب المباراة. (3) خطيئة «جوارديولا» الأهم في تلك المباراة، ضمن خطاياه العديدة، هي في تعامله وتعامل لاعبيه مع اللقاء عقب الهدف، لم يستفد بأي شكل من مباراة ال0-4 ضد ريال مدريد في الموسم الماضي، ولم يستغل حتى إن تلك هي مباراة الذهاب والخسارة 1-0 ليست سيئة أبداً، فجأة انفتحت الخطوط وظهرت المساحات وأصبح من السهل أن ترى لعبة ل1 ضد 1، «ميسي» ضد «بواتنج» مثلاً؟.. النتيجة هي مراوغة وسقوط كوميدي للاعب الألماني.. ثم «فينش» عظيم جداً وماركة مسجلة وهدف ثاني جعل ليلة برشلونة مثالية. (4) حين قرر «جوارديولا» التدخل وإجراء تغييره الأول، والوحيد، قام بسحب توماس مولر ونزول ماريو جوتزه! لماذا يخرج «مولر» في وقت يحتاج فيه الفريق للهجوم؟ لماذا يبقى «شفانشتايجر» في الملعب؟ لماذا لم يتم سحب «رافينا» أو «بيرنات» الكارثي ولعب «لام» كظهير؟ إذا كانت المشكلة في انعزال لاعبين عن بقية الفريق هجومياً.. فما قيمة إخراج واحد منهم ونزول آخر مكانه؟ نزول «جوتزه» وضعه في نفس موضع «مولر»، استلام الكرة دون وجود خيارات للتمرير، مما يبطئ الهجمة بشدة وتقطع في النهاية. وعلى الناحية الأخرى انفرط عقد الفريق دفاعياً، قبل الهدف الثالث كان هناك انفراداً ل«سواريز» صوبها في السماء، لم يكن هذا رادعاً أمام «جوارديولا» وفريقه للم الخطوط والخروج بخسائر أقل، استمر التقدم العشوائي ضد 3 من أسرع لاعبي العالم والنتيجة هدف نيمار الثالث الذي أنهى الأمر تقريباً. (5) على الأغلب قد يكون هذا هو عام «جوارديولا» الأخير في ميونيخ، وهو أمر مستحق تبعاً لما قدمه في كل المباريات الكبرى خلال العام الجديد: خسر من الثلاثي التالي له في جدول الدوري الألماني، خرج من كأس ألمانيا ضد دروتموند، خسر 3-1 ضد بورتو ثم تلك الخسارة أمام برشلونة، نتائج كارثية في 5 أشهر فقط لمن يعتبره البعض (أفضل فريق في العالم). على الناحية الأخرى فلويس إنريكي حقق أعلى كثيراً من أي شيء انتظره عشاق برشلونة، إنجاز كبير على المستوى الدفاعي في خلق فريق بتلك الصلابة رغم أنهم نفس الأفراد الذين قدموا أداءات سيئة جداً في الموسمين الأخيرين، وإنجاز أكبر على المستوى الهجومي في صنع هذا القدر من التفاهم والتألق الفردي والجماعي لل«إم إس إن» في المقدمة. برشلونة يستحق الثلاثية فعلاً، ويبدو قريباً جداً منها.