دائرة قطرها متر واحد نعيش فيها.. تتكرر فيها الأفعال وردودها وتتزايد حدة كل منهما ومبرراتهما بملل لا يحتمل.. براميل متفجرة تسقط من طائرات بشار على رؤوس البشر فإذا تكلمت نبهك آخر أن تنظيما آخرا بدأ يقتل الناس على الجبهة الأخرى.. علوي على رأس السلطة يضطهد السنة والآن حان دور سني ليمارس الفعل ذاته في الرقة والموصل.. مسلم يعاني الاضطهاد والعنصرية من جانب يمين متطرف في الغرب لكنه بدلا من رفض طائفيي دينه يعتبر منطقهم رد فعل طبيعي على التطرف، وداعشي يقطع رقبة مسالم ألبسه الزي البرتقالي – مقتنعا أن ذلك يذكر العالم بجرائم التعذيب في بو غريب وجوانتانامو –ويعتبر ذلك قصاصا للمسلمين. بعد ساعتين من جريمة شارلي إيبدو البشعة ظهرت مع التبريرات والتخفيفات من حجم الجريمة وانتقاد الحرية المبالغ فيها تعليقات غاضبة تسأل عن سر اهتمام العالم المبالغ فيه بهذا الشكل وتجاهله لما يحدث للسوريين والفلسطينيين؟! السؤال على ما فيه من سطحية وصبيانية يمكن الرد عليه بسؤال هؤلاء أنفسهم عما يفعلونه هم وما تفعله بلادنا نحن للاجئين السوريين في أٌقسام الشرطة ولا وفي مخيمات اللجوء على الحدود مع لبنان وتركيا والأردن، ولا على أبواب السفارات ويدفعهم لإلقاء أرواحهم في قوارب متهالكةبحثا عن شاطيء آخر أكثر احتراما لآدميتهم، لكن الاندفاع في نقاشات كهذه والرد على خطاب بهذا الشكل يسطح الأمور ويجعل كلا القضيتين تافه وواقع لابد أن نقبله ونمارسه كل مرة حتى نمل ونتوقف ثم نتفرغ لانتظار حادث جديد نتعامل معه بذات الطريقة..وهكذا. لكن.. «أدين القتل لكن لا يعني هذا أنني..»، «أدين القتل لكن الرسوم كانت..».. أدين القتل لكن.. أصبحت إدانة القتل فعلا يحتاج لشرح أسبابه وضرورة استبعاد ما قد يفهم أنه تبني لآراء من فارق الحياة برصاص ملثم تركه وهرب وهو يهتف «الله أكبر»، وكأن الأهم الآن هو آراؤك الشخصية وهويتك التي ستتلوث اذا ما أعلنت موفقا انسانيا بديهيا لا يمس شيئا من قناعاتك واعتقاداتك الدينية وهويتك التي لم يسألك أحد عنها الآن لكنك مصر بشكل شوفيني أن تستخدم «لكن» لتظهر لنا كم أنت عظيم ومتنازل حين قررت إدانة القتل رغم عدم رضاك عن السيرة الذاتية للقتيل. اعتبر كثيرون الأمر انطباحا ورأوا في رفض جرائم الإرهاب باسم الإسلام وما يفعله داعش -التنظيم الذي اختار لنفسه اسم الدولة الإسلامية ويجاهر كثيرون بإعجابهم به أو يختلفون معه في التوقيت أو الطريقة- تطوعا للدفاع عن فعل لا علاقة لنا به وكأن كل هذا الذي يحيط بنا لا يستحق الفزع وإعادة النظر من جديد في بيئاتنا والخروج من الرسائل الآلية التي تظهر مع كل حادثة عن تجديد الخطاب الديني وبيانات الشجب والإدانة من الأزهر التي تنفي أن يكون ذلك من الإسلام في شيء ثم تهدأ الأمور قليل فتبدأ مرحلة الهمز واللمز عن كون الارهاب صنيعة الاستعمار ومبرراته الجديدة للسيطرة على ثرواتنا –كأننا نملكها أصلا- أو انتقاد الحرية الغربية المبالغ فيها والتي تطال الأنبياء والمقدسات، وكأن هذه الأخيرة ممتلكات تحتاج للدفاع والتأمين عليها في وجه رسوم وكتابات بشرية قد تمر مرور الكرام لو لم تجد من يتشنج ويرغي ويزبد ويتوعد بالقتل بدلا من أن ينظر إلى حرياته وحقوقه المنتهكة في بلاده أولا ثم يتفرغ لتقييم تجارب الحريات والصحافة والأمن في بلاد أخرى. ببساطة لا تكن شارلي كما شئت ولكن انتبه قليل لأحمد الذي حولك وقد تحول من شخص يفرح برسالة مفبركة تصله في الرسائل العشوائية عن العثور عن رسام الكاريكاتير الدنماركي قتيلا في منزله إلى شخص يفرح بالانتقام المنقول على الشاشات ويعتبره تجرعا لنفس الكأس ثم يهدأ قليلا ليرى الأمر كله مؤامرة لتشويه الاسلام ولابد ألا نتعجل في الاتهامات، وتخيل أن هذا يقاسمك نفس الدين ونفس الأرض والهواء. وتذكر أن هذا الذي يفعله لا يوقف تطرف اليمين في أوروبا بل يشجعه، ولا يعيد حقوق المتجمدين من الصقيع بملابس بالية في عرسال بل يواري النظر عنهم، ولا يوجه الاهتمام إلى من يواجهون اجراءات تعسفية وحبس عشوائي بذريعة محاربة الارهاب بل يضم إليهم ألوفا أخرى، ولا يعيد الحق لهؤلاء المغلقة في وجوههم بوابات معبر رفح بل يصبح الوضع واقعا مفهومة أسبابه. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة