النور مكانه في القلوب .. احضن خيوط شمس الغروب .. يا تكون قد الحياة ... يا تعيش وحيد وسط الدروب ... اليأس ضعف وخوف جبان ... لكن الأمل يفتح بيبان ... يا تكون قد الحياة ... يا تعيش وحيد وسط الدروب ... المس خَضار الشجر ... حِس بضياء القمر .... انقش قلوب على الحجر .... على شىء ما تندمشى ... يَمّك قوام عديه .... امشى الطريق ... امشيه ... العمر ايه يرويه ... غير قلب ما يخافشى ... فيه ناس كتير ترضى المصير .. وناس تشوف بضمير ضرير .. يا تكون قد الحياة ... يا تعيش وحيد وسط الدروب ... حَلّى مرار الأيام ... لسه الحياة قدام ... قوم لون الأحلام ... واوعى ماتضحكشى جسدك فى قلبه الروح .. تداوي كل جروح .. بالسر اوعى تبوح.. وإياك متحلمشى .. " أغنية فيلم أمير الظلام لمدحت صالح كلمات الراحل مجدى كامل و ألحان و توزيع خالد حماد " فى نهار أحد الأيام الأولى من شهر يونيو الماضى , انتابنى عطش شديد مع حرارة الجو و المجهود البدنى المتصل الذى يتطلبه العمل فى الدعاية الدوائيةو كنت وقتها فى المعهد القومى للأورام بشارع القصر العينى , فعبرت الطريق إلى حيث يقع دكان بقال أمام المعهد مباشرة و اشتريت منه زجاجة مياه معدنية من الحجم الصغير . كانت المياه فاترة لم تحصل على فرصتها فى اكتساب البرودة الكافية داخل الثلاجة نظراً لزيادة الإقبال من العطشى مثلى ,فأصابنى مذاقها بالغثيان وأنا عموماً أشعر بتعب شديد فى الجو الحار و أتعرض لإنخفاض ضغط دمى و الإغماء أحياناً لذلك فكرت فى سكبها فى حوض أية شجرة أمر بها بعد أن رطبت حلقى الجاف بالقليل منها .أية ومضة إلهية تلك التى سطعت فى ذهنى و فى تلك اللحظة بالذات لأتذكر أن فى مثل هذه الأيام قبل ثلاثة و أربعين عاماً كان الألاف من زهرة شباب هذا الوطن يصارعون الموت عطشاً فى قلب الصحراء ؟؟؟ شعور مروع بالخسة و العجز والسخط انتابنى عندما تذكرت نشيج ذلك البدوى المسن الذى شاهدته ذات مرة على شاشة التليفزيون فى أعياد أكتوبر يتحدث عن أولئك الذين كانوا يلفظون أنفاسهم بين يديه قبل أن يبلل شفاههم بالماء بينما البئر على بعد أمتار , لكن الذين ألقوهم بين مطرقة الصحراء و سندان العدو دونما حتى خطة للإنسحاب المنظم لم يعبأوا للأسف بتعليمهم مهارة بديهية كمهارة البحث عن المياه الجوفية فى أرض المعركة الصحراوية و فى ذروة قيظ الصيف ... !!! لعلها كانت المرة الأولى التى أعرف فيها معنى ذلك التعبير الأدبى" أرتعش من الغضب " و الذى كنت أظنه تعبيراً مجازياً صرفاً... احتجت للسير بعض الوقت على الكورنيش الضيق أمام المعهد لأستعيد هدوئى و أسيطر على الدموع التى راحت تتجمع فى عينىّ رغم أنى قليلة البكاء عموماً و كثيراً ما تعرضت لسخرية صديقاتى بسبب ذلك ... أغلب المرات التى بكيت فيها فى حياتى كانت بسبب توتر الإمتحانات ...!!!و هذه إحدى مشكلاتى الكبرى , أننى خُلقت عصباً عارياً يهتز بعنف لأى ذرة غبار تمر بجواره لكن فى الوقت ذاته لا أجيد التنفيس عما أشعر به سوى عن طريق الكتابة .ياه ...!!! قد يسخر منى بعضكم , لكنى تمنيت لحظتها أن أمتلك آلة الزمن حتى أتمكن من رى ظمأ هؤلاء المساكين الذين ظنوا أنهم سيصلون العصر فى تل أبيب فلم يجدوا من يصلى عليهم . لقد كانت رمال سيناء أكثر رحمة بهم من الذين ألقوا بهم إلى التهلكة بينما هم متفرغون لملذاتهم الشخصية الرخيصة للأسف ....!!!! الآن ... و بعد أن عرفنا المصيرالمروع لمهندس البترول طارق عبد اللطيف و مصمم الجرافيكس زياد بكيرالذين تحولت نداءات البحث عنهما إلى جزء من الروتين اليومى لمستخدمى تويتر و فيس بوك فى مصر بعد اختفائهما الغامض يوم 28 يناير الدامى , أشعر بالشعور ذاته الذى انتابنى يومها . لا أعرف أياً من الشهيدين شخصياً , و لكن اللهفة التى كنت أستشعرها فى نداءات الأسرتين المكلومتين عبر الإنترنت لكل من يمكنه المساعدة فى البحث كانت تدمى قلبى حتى بت أنا الأخرى أتوق لمعرفة أية أنباء مطمئنة عنهما. تألمت جداً لمعرفة خبر العثور على جثة طارق عبد اللطيف التى ظهرت أخيراً فى مشرحة زينهم , و تألمت أكثر لنبأ تأكد هوية جثة زياد التى ظل الأمل يراود أسرته المنكوبة حتى آخر وقت ألا تكون له .كلما نظرت لصورتيهما , لنظرة طارق الهادئة الودود , و ابتسامة زياد الحالمة الوديعة , تمزقنى لوعة حارقة , وأشعر بذنب هائل لا أعرف له سبباً , و بندم ساحق على فعل لم أرتكبه, و بخجل ثقيل الوطأة ليس له ما يبرره .أكتب هذه السطور و صورة صديقتى الراحلة هناء عطوة شهيدة قصر ثقافة بنى سويف تطاردنى بجنون .. تذكرتها و قرأت لها الفاتحة يوم 11 فبراير, و الآن أشعر بها تتململ فى قبرها و ألتمس لها العذر دون أن أملك ما أفعله .لأول مرة فى حياتى أشعر أن الكلمات تخذلنى و لا تسعفنى .. لقد اكتشفنا استشهاد زياد و طارق بعد يومين فحسب من إحياء يوم الشهيد الذى حل فى التاسع من مارس فعادت جراح حزننا على سالى زهران و رفاقها تنزف بشكل أكثر ضراوة ووحشية .عزاؤنا الوحيد أنهم جميعاً الآن حيث يستحقون أن يكونوا , و حيث يلقون المكافأة الحقيقية التى تليق بتضحياتهم الشجاعة النبيلة .يا رب. ملحوظة : هل انتبه أحد لمفارقة أن اسمىّ الشهيدين يشكلان معاً اسم بطل عربى شهير ؟ " التدوينة هى هى و صور الشهيدين تجدونها على مدونتى الرئيسية : بره الشبابيك " http://reeeshkalam.blogspot.com/2011/03/blog-post_13.html