لم يعد في الساحة متّسعٌ للغموض، ولا في الوقت مساحة للمراوغة. فالقضية اليوم لم تعد مجرد خلاف إداري داخل وزارة، بل صارت ملفًا وطنيًا كاملًا وصل إلى أعلى درجات الاهتمام. بعد الحكم النهائي بإلغاء الشهادة المهنية وعودة الاعتبار الكامل للشهادة الأكاديمية، أصبح المطلوب واضحًا وصريحًا: يا وزير التعليم... نفّذ الحكم. فالحكم القضائي لم يأتِ لإسقاط نظام تعليمي، بل لإسقاط فكرة التمييز بين شهادة أكاديمية تصدر عن الجامعات وبين شهادة أخرى جرى تقديمها تحت مسمى "مهني" داخل نظام التعليم المدمج، وهو بالأساس الامتداد الجديد للتعليم المفتوح. وقد أكد الحكم أن المعيار الأكاديمي واحد، وأن خلق درجتين لمؤهل واحد أمر يهدم مبدأ تكافؤ الفرص ويخالف روح العدالة التعليمية. والدولة كلها تعيش لحظة صارمة تجاه احترام أحكام القضاء. القيادة السياسية – أكدت مرارًا أن الالتزام بأحكام القضاء خط أحمر لا يجوز تجاوزه أو التباطؤ في تنفيذه. وهذا ما يجعل التنفيذ اليوم ليس مجرد خطوة إدارية، بل رسالة سياسية وقانونية بأن الوزارة تسير على خط الدولة وتحترم مؤسساتها. فالأمر لا يحتمل الروتين ولا المعالجات البطيئة. بل يفرض سرعة وانضباطًا يتناسبان مع حكم صادر باسم الشعب. الحكم القضائي جاء واضحًا كحدّ السيف، ينهي سنوات من الخلط بين شهادات متساوية في جوهرها لكنها صُورت للطلاب كأنها درجات متفاوتة القيمة. كثير من الطلاب وجدوا أنفسهم في مأزق لا يليق بدولة قانون، فوقفوا يطالبون بحقهم، وواجهوا في بعض المراحل مماطلات إدارية لم تفهم حجم الأزمة ولا حساسيتها. لكن وسط هذا كله، كان هناك رجال شرفاء لم يساوموا، وعلى رأسهم الدكتور عامر حسن، الذي حمل القضية فوق كتفيه، ثابتًا على موقفه حين تراجع كثيرون. مواقفه لا تُحسب له فقط بوصفها ردًا قانونيًا، بل لأنه آمن بأن الحق لا يحتاج إلى ضجيج، بل إلى رجل يعرف كيف يحمله. كلمة شكر له واجبة، فقد كان من أعمدة هذا الانتصار، وأثبت أن الأمانة لا تُلغى بالتعليمات ولا بالمصالح. ومع أن الحكم جديد ولم يُختبر بعد في التنفيذ، إلا أن المسؤولية الآن على الوزارة في أن تتحرك بالسرعة التي تليق بحكم حاسم في مسألة تعليمية كبرى. والسؤال المنطقي هنا: لماذا قد يتباطأ البعض في فهم دلالة الحكم؟ ولماذا يظهر داخل بعض الإدارات سلوك روتيني يتعامل مع الحكم كأنه ورقة تستحق الانتظار؟ وهل يتصور أي مسؤول أن القيادة السياسية ستتسامح مع مجرد إشارة لتأخير أو التفاف على حكم قضائي صادر باسم الشعب؟ الرئيس السيسي قالها مرارًا: "الدولة دولة قانون... ومفيش حد فوق القانون". إذن، لم يعد هناك مبرر للتردد أو البطء. تنفيذ الحكم ليس رفاهية ولا خيارًا، بل هو واجب وطني، واختبار حقيقي لمدى قدرة مؤسسات الدولة على العمل تحت مظلة سيادة القانون. لأن القضية لم تعد قضية طلاب، بل قضية احترام الدولة لنفسها. وإذا كان الرئيس لا يقبل الفوضى ولا العبث بحقوق الناس، فمن باب أولى ألا يقبل بطئًا في تنفيذ حكم واضح وملزم. إن أي تأخير، حتى لو كان غير مقصود، يمثل رسالة سلبية للمجتمع. فلا يمكن أن تطلب الدولة من الناس احترام القانون بينما يرون مسؤولين يتعاملون مع الأحكام في نسختها الورقية فقط. ولا يمكن أن نرفع شعارات العدالة والشفافية بينما هناك من يظن أن التنفيذ يمكن أن ينتظر أو يعالج ببطء لا يتناسب مع معنى الحكم. لذلك نقولها بوضوح، وبنبرة مسؤولية: يا وزير التعليم... نفّذ الحكم الآن.. نفّذه احترامًا للقضاء. نفّذه احترامًا للدولة.. نفّذه حتى لا يتحول الأمر إلى قضية رأي عام أكبر مما يحتمله أي مسؤول. نفّذه قبل أن يصبح التدخل الرئاسي ضرورة لا مفر منها. الطلاب كسبوا معركتهم، والقضاء قال كلمته، وبقي أن تقول الوزارة فعلها. وأي محاولة لإعادة إنتاج الشهادة المهنية تحت مسميات جديدة، أو ترحيل التنفيذ تحت ضغط الروتين، ستجد القيادة السياسية أمامها تقف عند الحد. وفي النهاية.. يا وزير التعليم، نفّذ الحكم.. فالتاريخ لا ينسى من نفّذ، ولا ينسى من تهرّب.. والدولة لا تُختبر... والرئيس لا يقبل المماطلة.