«بحضور المحافظ وأساقفة عموم».. تجليس الأنبا مينا كأول أسقف لإيبارشية برج العرب والعامرية (صور)    الإسعاف الإسرائيلي: 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بالمر يقود تشكيل تشيلسي ضد لوس أنجلوس في كأس العالم للأندية 2025    مدحت شلبي عن أزمة ضربة الجزاء: ما حدث لا يليق    الأرصاد تكشف مفاجآت بشأن حالة الطقس فى الصيف: 3 منخفضات جوية تضرب البلاد    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    استوديو «نجيب محفوظ» في ماسبيرو.. تكريم جديد لأيقونة الأدب العربي    «الصحة»: ملتزمون بخدمة المواطن وتعزيز الحوكمة لتحقيق نظام صحي عادل وآمن    «سياحة النواب» توصي بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية بالأقصر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    "الإسعاف الإسرائيلي": 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بدأت بمشاهدة وانتهت بطعنة.. مصرع شاب في مشاجرة بدار السلام    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    خبير علاقات دولية: التصعيد بين إيران وإسرائيل خارج التوقعات وكلا الطرفين خاسر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    حالة الطقس غدا الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة الفيوم    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    فيفا يشكر كل من شارك في إنجاح مباراة افتتاح كأس العالم للأندية بين الأهلي وإنتر ميامي    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    الجالية المصرية فى لندن تحتفل بعيد الأضحى    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد المهدى أستاذ الطب النفسي: البطل الشعبى يصنعه فقدان الأمان
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 03 - 2014

■ كقارئ للتاريخ ومحلل نفسى لكثير من وقائعه.. كيف ترى الثورة عند المصريين.. أو متى يثور المصريون؟
- من المعروف اجتماعياً أن الشخصية المصرية تميل إلى الطيبة والوداعة والاستقرار، وهى عوامل أساسية فى تكوينها، وأن الثورات المصرية ليست كثيرة، فالمصريون يثورون ولكن الثورات الشعبية الشاملة عددها قليل، فأول ثورة يتم رصدها كانت فى عام 2013 قبل الميلاد، وكانت ضد حاكم ظل فى الحكم لمدة أكثر من 80 عاماً، وطوال هذه العقود التف حوله المغرضون وانتشر الفساد، ورغم دخوله فى حالة شيخوخة، إلا أنه أصر على البقاء فى الحكم. وهذه الحالة أشبه بعصر مبارك إلى حد كبير، وهناك ثورة دينية أخرى شهدتها مصر، وكانت فى عصر إخناتون، عندما انقض أتباع آمون فى ثورة مضادة لإخناتون ولعل ذلك يتضح فى الآثار الموجودة فى تل العمارنة وآثار التدمير الموجودة بها.
■ طالما تحدثنا عن الوازع الدينى.. إلى أى مدى يؤثر فى الثورات المصرية.. خاصة أن لدينا واقعة شهيرة عندما دخلت خيول الفرنسيين إلى الأزهر الشريف فى ثورة القاهرة.. كيف ترى هذا التداخل؟
- المعروف أيضاً عن الشخصية المصرية أنها تثور فى حالة الإهانة الوطنية أو المساس بالمعتقد الدينى، أو حينما يكون هناك تهديد للقمة العيش، وهذه هى الحالات الأساسية الثلاث للثورة، وغير هذه الحالات فإن الشخصية المصرية تميل إلى الاستقرار.
■ فى التاريخ يطلق على الثورة العرابية «هوجة عرابى» وهى ما تعنى الفوضى.. إلى أى مدى تتداخل «الهوجة» مع «الثورة» وما التأثير النفسى لعملية الفوضى؟
- الثورة العرابية بدأت كما نعلم بتذمر من الضباط المصريين نتيجة لتردى أوضاعهم، فليس من طباع المصريين أن يثوروا على الحاكم، فقد كان الحاكم له رهبة وغالباً ما يحمل صفة الولاية الدينية بجانب الصفة السياسية وهو ما يسهم بشكل كبير فى رفض فكرة الخروج عليه، وخلال فترة حكمها حرصت الأسرة العلوية على أن يكون الدين جزءا رئيسيا من أدوات الحكم، فمنحوا السلطة لرجال الأزهر ورعوا بناء المساجد والجمعيات الخيرية وتخصيص التكايا. ولذلك لم تكن مساندة المصريون لعرابى إلا من باب الإحساس بالظلم الذى وقع عليه هو وزملائه، وكانت الثورة من منطلق إهانة الكرامة الوطنية.
■ الثورة العرابية كانت ثورة «عسكر».. ورغم ذلك لم تكن هناك وقائع تشير إلى ضيق المصريين من أن يتصدر «العسكر» ثورتهم..كيف تحلل هذا المشهد؟
- هى بالفعل ثورة عسكر، ولكن ساندها الشعب لأن فى ذلك الوقت كان غالبية أفراد الجيش المصرى من غير المصريين. وكان هناك سخط عام من أن المصريين لا يحتلون مواقع قيادي ة فى جيش بلدهم وهو ما انعكس تأثيره النفسى على الشعب المصرى.
■ أحمد عرابى لم يذكر فى التاريخ على أنه ضابط قاد ثورة عسكر.. ولكن كان لفظ الزعيم يسبق اسمه.. هل يمكن أن يكون الرجل العسكرى زعيماً؟
- كان هناك فخر لدى المصريين من أن يكون أحد أبنائهم ضابطاً بالجيش المصرى أو أن يحتل منصبا ما داخل هياكله، فلم تكن الثورة هنا على وجه التحديد ثورة جيش بقدر ما كانت ثورة أفراد مصريين داخل الجيش. ولذلك فإن الثورة العرابية لا تذكر على أنها ثورة عسكرية بقدر ما هى بحث عن حقوق المصريين المهدرة. فالضابط عرابى كان يمثل الزعامة المصرية والفلاح الذى خرج باحثاً عن حقه وحق زملائه المصريين ولذلك حينما ننظر إلى حديثه مع الخديو توفيق لم يتطرق إلى فكرة إسقاط الحكم أو استغلال القوة بقدر ما كان الحديث عن حقوق المصريين.
■ كل الحركات التى أعقبت الثورة العرابية كانت تهدف فى المقام الأول إلى مقاومة الاحتلال.. هل مقاومة المحتل تمثل هدفاً رئيسياً لثورة المصريين؟
- هذا الكلام صحيح إلى حد كبير فى الفترة ما بين الثورتين العرابية و1919 إلا أن الموقف اختلف نسبياً عقب ثورة 23 يوليو 1952، فلم تستهدف هذه الثورة فقط المحتل الأجنبى ولكنها اتجهت أولاً إلى سدة الحكم لإسقاط نظام الأسرة العلوية. والملاحظ هنا أن ثورة يوليو على وجه التحديد تطرقت إلى فساد الحكم خاصة فيما يتعلق بحاشية الملك حتى وإن كان أفراد تلك الحاشية من المصريين.
■ كثيراً ما يتردد وصف «كاريزما الزعيم».. ما هى مواصفات الزعيم الشعبى عند المصريين؟
- المواصفات الجسدية للزعيم عند المصريين لها سمات منها طول القامة.. والصوت المؤثر والخطابة التى يغلب عليها العاطفة وهى صفات مستمدة من البطل الشعبى العربى، وكذلك متانة الجسد الفرعونى وفوق كل ذلك لابد أن يملك القدرة على تحريك عواطفهم، لأننا أمام شعب عاطفى لديه الرغبة فى أن يداعب البطل أو الزعيم وجدانه.
■ وإلى أى مدى توافرت هذه المواصفات فى زعماء مصر؟
- فى حديثنا عن ثورة 1919 نجد أن الكاتب الكبير عباس محمود العقاد قد وصف الزعيم سعد زغلول بأنه «أسد الثورة». وهو قد حاول أن يقارن بين ملامح وجهه وملامح وجه الأسد، وقال إنه أقرب شبهاً إلى ملك الغابة، وهذا التشبيه لاقى قبولاً شعبياً كبيراً لأن المصريين كانوا يشعرون بالوهن والضعف وغربتهم فى وطنهم، فقد رأوا فى زعيمهم القدرة على الوقوف فى وجه سلطة الاحتلال. ولعل أهم ما ميز شخصية سعد زغلول أنه رفع سقف مطالب المصريين فى الحرية والاستقلال، وبذلك استطاع خلال سنوات قليلة أن يكون زعيم مصر الأول.
■ وهل الحدث هو الذى يصنع الزعيم.. أم أن الزعيم هو الذى يحرك الأحداث؟
- غالباً ما يفجر الحدث الزعامة، فقد كان من الممكن أن تسير الأمور بشكل طبيعى ويظل سعد بين رفاقه وأقرانه، مثله مثل النحاس ومكرم عبيد، ولكن الظرف السياسى هو الذى أوجد الزعيم فى مواجهة الإنجليز.
■ سنتوقف للحظات عند مقولتكم بأن الأحداث يمكن أن تصنع الزعماء.. بعد 95 عاماً على ثورة 1919 هل ترى أن الأحداث الحالية فى مصر يمكن أن تصنع زعيماً.. وهل مصر فى حاجة إلى زعيم أم رئيس؟
- المرحلة الانتقالية التى شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير أدت إلى حالة من الفوضى وفقد المصريون معها شعورهم بالأمان، كذلك حالة الانقسام الكبير الذى أحدثه حكم الإخوان أدت هى الأخرى إلى الشعور بالخوف وفقدان الأمان لدى المصريين.
■ وهل فقدان الأمن يدعو الناس إلى البحث عن زعيم؟
- نعم.. فالزعيم دائماً هو من يعطى للناس الشعور بالأمان وقدرته على الدفاع عنهم ضد الأخطار. وهذه المواقف تهيئ الأرض لظهور زعيم شعبى، فمصر كانت أمام تجربة ثورية فريدة من نوعها خلال ثورة يناير.. شباب يطمحون إلى التغيير وهم فى نفس الوقت يرفضون السلطة الروحية أو الأبوية، وكان مطلبهم أن يتم استبدال هذه السلطة بسلطة مؤسساتية، وهذه الرسالة لم يفهمها حتى الدكتور محمد مرسى حينما كان رئيساً، فقد كانت مفردات خطابه تشير غالبيتها إلى السلطة الأبوية، ولهذا لم يكن الخطاب ناجحاً ولم يتقبله الشباب الذين قادوا الثورة، فقد خرج الشباب لإسقاط السلطة الأبوية وبناء أنظمة ديمقراطية حديثة.
■ إذا تحدثنا عن السلطة الأبوية والروحية، ما تحليلك لمحاولات جماعات الإسلام السياسى إقحام الدين فى السياسة بعد تجربة مصر الضخمة فى مدنية الدولة مع بدايات القرن العشرين؟
- أنا بصفة شخصية أفضل ألا تخرج الجماعات الدينية عن إطارها الدعوى وألا تدخل على الإطلاق إلى معترك السياسة، وأن تكتفى بالنشاط التربوى والخيرى بوجه عام.
■ تحدثنا عن المواصفات الجسدية للزعيم ولكننا لم نتطرق إلى السن أو الشريحة العمرية.. فعرابى مثلاً كان فى الأربعينيات من عمره.. ومصطفى كامل كان فى الثلاثينيات أما سعد فقد تجاوز العقد السادس من عمره.. هل عامل السن له تأثير نفسى فى الزعامة؟
- من تحليل ثورات الشعب المصرى نجد أن هناك تباينا فى عمر الزعيم وأن مسألة العمر ليس لها موانع أو حدود على عكس المجتمعات الغربية التى يكون فيها الرؤساء والزعماء فى سن وسطى ويتمتعون بالحيوية والنشاط. أما فى تولى المناصب القيادية فالمصريون يطمئنون دائماً إلى كبار السن.
■ هل معنى ذلك أن مصر لن تشهد فى الوقت الحالى أو فى المستقبل القريب زعيماً فى الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمره؟
- فى الوقت الحالى من الصعب تحقيق ذلك.
■ لماذا؟
- لأن فكرة السلطة الأبوية لازالت قائمة حتى وإن كانت فى الشرائح العمرية للأجيال القديمة. فنحن أمام إشكالية خطيرة أن المجتمع مقسم إلى حزءين رئيسيين هما الشريحة العمرية حتى الثلاثينيات، ثم الجزء الآخر وهو الشريحة العمرية لما فوق الأربعينيات، وهذه الشريحة الأخيرة لازالت ترغب فى السلطة الأبوية، وهم يحتاجون إلى زعيم بالمواصفات القديمة يلتفون حوله، وهذا الخلاف فى رأيى أوجد تقييداً للحركة الثورية. فالجزء الأول وهو الشباب لا يؤمن بذلك على الإطلاق ولا يرغبون فى السلطة الأبوية فى العمل السياسى أو حتى فى البيت.. إذن الإشكالية هنا صراع بين أجيال لكل منها وجهة نظر فى الزعيم.
■ وفى رأيك من سيتغلب فى النهاية؟
- الشباب بالطبع.. ولكن ذلك سيحتاج إلى وقت طويل نسبياً!
■ كيف ينظر المصريون إلى الزعيم.. أو الرئيس القادم من مؤسسة عسكرية؟
- حتى الشهور الأولى من ثورة يناير والأخطاء التى وقع فيها المجلس العسكرى كان هناك رفض لفكرة الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية، فلدى المصريين شعور بأن المؤسسة العسكرية تحكم مصر منذ عام 1952 وأن كل الذين حكموا من مؤسسة عسكرية لم يحققوا طموحات الشعب المصرى، وكذلك كان تقلد المناصب القيادية للشخصيات القادمة من المؤسسات العسكرية والأمنية وهو ما يعكس لماذا اختار الشباب موعد الثورة فى يوم الاحتفال بعيد الشرطة.. فهم استهدفوا إسقاط المؤسسة الأمنية التى تمثل رمز البطش.
■ هل كانوا يستهدفون إسقاط المؤسسة الأمنية أم إنهاء الحكم العسكرى؟
- تصاعد سقف المطالب بشكل كبير نتيجة لتأخر رد الفعل من السلطة أدى إلى أن المطالب لم تعد فى إسقاط وزير أو حكومة، ولكن رحيل النظام نفسه، ثم تطورت الهتافات فى جزء من حكم السلطة الانتقالية إلى الهتاف بسقوط حكم العسكر. ولكن مع قدوم الإخوان المسلمين إلى الحكم والأخطاء التى وقعوا فيها أحس الناس بالخوف على كيان الدولة خاصة بعد تصاعد الانقسام بشكل كبير وأحس المصريون أنهم مقبلون على نفق مظلم لا يعلمون نهايته، وأن هناك خطراً شديداً يهدد كيان الدولة، هذه الحالة الضبابية جعلت الناس يتجهون إلى البحث عن الأمان حتى لو كان فى ذلك تغاض عن مطالب أخرى كالحرية مثلاً. وهنا ظهر المشير السيسى كواحد من رجال المؤسسة العسكرية استطاع أن يقنع الناس بقدرته على إشعارهم بالأمان وأن يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعى.
■ وهل يتمتع المشير السيسى بصفات الزعيم؟
- سأتحدث هنا عن رؤيتى المتخصصة وليس كسياسى، فلو عقدنا مقارنة بين الزعيم عبدالناصر والمشير السيسى سنجد أن عبدالناصر يتفوق بمراحل كبيرة خاصة من ناحية المظهر والصوت والأداء وإذا جاز لنا أن نطلق لفظ الزعامة على المشير السيسى فإن الحدث هو الذى صنع هذه الزعامة، وحتى الآن لم تتح الفرصة لاختبار هذه الزعامة فأغلب خطابات المشير السيسى كانت تتوجه نحو العاطفة عند المصريين، مؤكداً أنه يلمس آلامهم، ويتطلع معهم إلى الحلم.. كل ذلك يتم توجيهه بكلمات ونبرة صوت هادئة، وهو ما أوجد إحساساً لدى الناس بأن هذا الرجل يخاف عليهم، ويفعل ما يريده الناس منه.
■ وما تحليلك لخطاب المشير؟
- هو خطاب عاطفى موجه إلى قلوب الناس، ويخاطب وجدانهم إلا أنه لا يحمل إلى إجراء محدد. وأعتقد أن الاختبار الحقيقى للمشير السيسى سيكون خلال المرحلة المقبلة ليس عندما يصبح رئيساً فحسب، ولكن فى طريقه إلى الرئاسة، خاصة حينما يجد الشعب المصرى أنه أمام مرشح قوى له برنامج متماسك ومقنع وعملية انتخابية تتمتع بتنافسية ثم بعد ذلك ندخل إلى المرحلة العملية.. وهى هل يستطيع تحقيق آمال الناس وتحويل هذا البرنامج من مجرد خطوط عريضة إلى واقع ملموس؟.. وبالتالى الوقت مبكر فى الحكم على المشير السيسى إن كان سيكون زعيماً أم لا، فعبدالناصر ظل مجهولاً بين عامى 1952 و1954 ولكنه استطاع أن يخترق الصفوف ويظهر من بين أقرانه من ضباط يوليو بعدة مشروعات ملموسة على الأرض كالإصلاح الزراعى، فأحست الطبقات المهمشة أن حقوقها عادت إليها، ومن هنا اتجه إلى مشروعات أخرى كالقواعد الصناعية مثلاً.
■ كيف استطاعت النخبة فى ثورة 1919 أن تقود عملية جمع التوكيلات من الفلاحين البسطاء فى الوقت الذى تفتقد فيه هذه النخبة التواصل مع الشرائح الدنيا الآن؟
- لأن الثورة المصرية كانت لها قيادة فى عام 1919 جمعت الأطياف المختلفة من الشعب المصرى حتى حينما اعتقل سعد ورفاقه كان هناك جهاز سرى يدير الثورة، أما ثورة يناير، فلم يكن لها قيادة وهو ما أبعدها عن تحقيق أهدافها.
■ فى النصف الأول من القرن العشرين شهدت مصر عدداً من الموجات الثورية التى أعقبت ثورة 1919، خاصة فى معركة دستور 23 وإسقاط دستور 30 وثورة الطلبة عام 35، كيف ترى الوضع الآن بعد أن شهدت مصر ثورتين شعبيتين فى أقل من ثلاث سنوات؟
- الموجه الثورية هى امتداد الثورة الأم ولذلك فإن ما حدث فى 30 يونيو هو موجة ثورية كبيرة وامتداد لثورة يناير، ولا يجوز أن نقول إن هذه ثورة، وهذه ثورة أخرى، فلابد أن تحقق الثورة الأولى أهدافها، ثم نتحدث عن ثورة جديدة وما دون ذلك فهى موجات ثورية.
■ هل معنى ذلك أن مصر ربما تشهد موجة ثورية فى المستقبل القريب؟
- أقولها بتحليل نفسى، وليس بمنظور سياسى: احتمالات الموجة الثورية لازالت قائمة مادام هناك هذه الحالة من الفوران الداخلى والقلق العام، وأخشى أن يفسر الهدوء القائم حالياً على أن الأمور قد رجعت إلى وضعها الطبيعى، ولكنه يمكن تفسيره بالهدوء الذى يسبق العاصفة.
■ ما أسباب تلك الموجة الثورية المقبلة؟
- سببها الرئيسى سيكون أن الجيل الذى قام بهذه الثورة مازال بعيداً عن الحكم، وأن كل المنظومة السياسية القائمة الآن هى لنفس الوجوه القديمة، فلايزال هناك الشخصيات المتقدمة فى السن التى لا تؤمن بالفكر الثورى.
■ هل تعتقد أن شباب الثورة هم الذين عزلوا أنفسهم أم أن هناك تعمداً لعزلهم؟
- هناك ما يمكن أن نسميه عملية «الانسحاب الاحتجاجى» وربما هذا ما انعكس فى نسبة الإقبال على الاستفتاء على الدستور، ولذلك فإن فكرة الثورة مازالت فى فترة الحضانة، وهى تدور فقط فى عالم الشباب الافتراضى على الإنترنت، وهى تقريباً نفس الصورة التى كانت قائمة قبل سقوط نظام مبارك.
■ هذا هو السبب الرئيسى.. فماذا عن بقية الأسباب التى يمكن أن تؤدى إلى موجة ثورية جديدة؟
- الأسباب الرئيسية هى عودة النظام القديم، وإن كان فى مسميات أخرى أو أشخاص مختلفة أو مجموعات المصالح التى كانت تستفيد من هذا النظام، خاصة فى عالم الاقتصاد والأعمال والحقل الإعلامى.
للأسف الجهاز الإعلامى عموماً مازال يتحرك بنفس المنطق القديم الذى كان سبباً فى اندلاع الثورة، السبب الثانى الذى لا يقل أهمية عن الأول هو تردى الحالة الاقتصادية التى ستحول الموجة من إطار نخبوى إلى إطار شعبى ربما تشارك فيه عدة طوائف وشرائح مجتمعية.
■ هل ذلك يعد بمثابة جرس إنذار؟
- هو بالفعل كذلك، فنحن لا ندين الواقع، ولكننا نحذر من تكرار أخطاء الماضى التى كانت تؤخذ قبل سنوات قليلة بمنطق الاستخفاف.
■ كيف تحلل الواقع السياسى الآن؟
- نحن أمام مرحلة نقوص سياسى، فالإعلام يمهد لعصر الرجل الواحد والكيان السياسى الواحد، وهو ما يعود بنا إلى مرحلة الستينيات، ولذلك بعض السياسيين يروجون إلى فكرة استنساخ الحقبة الناصرية فى غير توقيتها.
■ على وجه التحديد، ما يحدث فى مصر الآن هو استنساخ للحكم الناصرى!
- للأسف، هذا ما يحدث بالفعل، لأن حتى إيجابيات الحكم الناصرى لم تعد موجودة الآن كالإصلاح الزراعى والقاعدة الصناعية، فلا يجوز أن نتحدث عن الرؤية الواحدة فى السياسة وعن الزعيم الأوحد دون أن تكون هناك أسانيد واقعية على الأرض لهذا الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.