أعتقد أن أسباب الحزن فى مصر واضحة، أما أسباب الحيرة فهى تعود إلى التساؤل القديم الجديد: كيف الخروج مما نحن فيه إلى ما تصبو إليه؟ وحول هذين المحورين – الحزن والحيرة – يدور هذا المقال. لم أشعر بالحزن العميق يعتصر قلبى على مصر الحبيبة الحنونة التى أعطتنا جميعاً الحياة ومن حقها أن تنتظر منا جميعاً أن نعطيها الحياة الكريمة التى تستحقها فإذا بعضنا – إذا كانوا حقاً بعضاً منا – لا يعطيها إلا الغدر والدمار بل والخيانة بأوضح معانيها.. هؤلاء الذى يفجّرون هذه الأماكن الآمنة فى مصر لماذا يروّعون أهلها وأهلهم، إذا كانوا حقا أهلهم؟! لماذا ترويع الأبرياء الذين لم يرتكبوا ذنباً ولا إثماً؟ لماذا تفقد تلك السيدة زوجها أو ابنها؟ إنها لا تدرك لذلك سبباً إلا أنها جزء من شعب مصر، وهناك من يريدون تحطيم مصر وشعب مصر. وهل يتصور أحد أن هناك مصرياً ينتمى إلى هذا البلد وشرب من مائه وأكل من خيره – حتى لو كان قليلاً ومحدوداً – تطاوعه نفسه وتمتد يده بإلقاء قنبلة على مبنى حكومى هنا أو جامعة هناك، أو على مبنى أهلى أو على أى جدار أو حجر فى هذا البلد؟! لم نعد نقرأ كل صباح إلا أخبار انفجارات هنا أو هناك، وقتلى هنا أو هناك، وثكلى هنا أو هناك. والذين يرتكبون هذه الآثام والمعاصى يظنون أنهم أصحاب دين.. أى دين هذا – سماوى أو غير سماوى – يمكن أن يبرر لهؤلاء الإرهابيين الطغاة الجناة هذا الذى يفعلون؟ إن جوهر الدين – أى دين – هو المحبة. الدين محبة. والله محبة. النور محبة. الخير محبة. فأين الانفجارات وترويع الآمنين من هذه المحبة، أو بعبارة أخرى من الدين الذى يتصورون أنهم يؤمنون به، وأى دين منهم برىء لأنهم «نجس ورجس» من عمل الشيطان؟! واعتبارهم وأمثالهم من الجماعات الإرهابية – وإلصاق هذه الصفة بهم على مستوى العالم كله – هو أقل ما يستحقون. وإذا كانت هذه هى مصادر الحزن الواضحة التى أدخلت الهم والغم على قلوب المصريين جميعاً، وجعلت القلة القليلة التى كانت تدافع عن هؤلاء البغاة أو تلتمس لهم بعض العذر تعدل عن ذلك وتنضم إلى ملايين الشعب المصرى الذى يلعنهم فى الصباح وفى المساء، وفيما بين ذلك. إذا كانت هذه هى مصادر الحزن التى أدت بالشعب المصرى العامل، متمثلاً فى نقاباته، مثال ذلك نقابة الأطباء التى سيطر عليها هؤلاء الحمقى عقوداً يؤول أمرها إلى أن تصبح نقيبة الأطباء سيدة مسيحية. أنتهز هذه الفرصة لأهنئها من كل قلبى وإن كنت لا أعرفها شخصياً. المهم إذا كانت هذه مصادر الحزن فما أسباب الحيرة وكيف الخروج إلى ما تستحقه مصر وتصبو إليه وتريده الكثرة من شعبها؟ جميل جداً ورائع أن يقول الفريق أول عبدالفتاح السيسى مخاطباً الشعب المصرى: «من يمسكم لن نتركه على وجه الأرض». هذا كلام جميل، وأنا واحد من ملايين المصريين المعجبين بالفريق السيسى، ولكن الكلام وحده لم يعد كافياً فى مواجهة الإرهاب الذى يخيم على مصر ويرعب أهلها ويروعهم. لابد أن يتحول الكلام إلى فعل. إن الخيانة – كما قلت من قبل – ليست جريمة عادية تُعامَل كما تُعامَل الجرائم العادية. القتل أو السرقة يقع على فرد أو مجموعة أفراد ولكن الخيانة تقع على مجموع الشعب كله، ومن هنا لابد من مواجهتها بمنتهى الردع والشدة، بل وأقول القسوة. هذا من ناحية الأمن الذى هو ضرورى من أجل استقرار هذا البلد وطمأنينة أهله، ومن أجل مستقبله الاقتصادى الذى يمكن أن يكون أكثر من رائع. من ناحية أخرى.. إلى متى تستمر محاولات تجميع القوى المدنية ثم تنفض الاجتماعات ولا شىء يتغير فى البنى الحقيقية والتحتية لهذه القوى المدنية؟! . صحيح نحن فى بداية هذه المحاولات، ولكننا يجب أن نزداد تكاتفاً، ونزداد ارتباطاً، وندرك أن بقايا قوى الإرهاب وهى فى اقترابها من النهاية ستحاول أن تكون أكثر شراسة وعنفاً. أيها الإخوة جميعاً، وبالذات من شباب مصر: انسوا كل ما قد يوجد من خلافات فكرية فى هذه الفترة على الأقل، وضُمُّوا الصفوف واعملوا من أجل إنقاذ مصر. وحِّدوا كلمتكم، وكونوا لنا – نحن الكبار فى السن فقط وليس المقام – مثلاً نحتذيه ونقتدى به. وأرجو أن يسمح لى الصديق العزيز الشاعر العذب فاروق جويدة- أن يسمح لى بأن أستعير بعض أبياته لكى أعبِّر عن حزنى على مصر، مصر التى أعطتنا الحياة وبخلنا عليها حتى بالحزن والدموع. يقول فاروق الذى حرمنى من رؤيته منذ زمن طويل فى التعبير عما أحس به من ألم: «نهر جريح... تنزف الشطآن فى أعماقه... حتى سواقيه الحزينة مات فى فمها النغم». ويقول فى نفس القصيدة: «يا أيها الوطن الذى أسكنته عينى وأسكننى سراديب الألم.. قم من ترابك... أطلق الأحجار فى وجه السكارى... والمواخير الكئيبة... لا تدع فى أى ركن من روابيها صنم». نعم إن مصر تستحق غير هذا الذى نحن فيه، وعلينا جميعاً جميعاً جميعاً أن نضم الصفوف من أجل إنقاذ مصر. ولتكن البداية هى أن تخرج ملايين الشعب المصرى فى الاستفتاء على الدستور لتقول «نعم» ثم «نعم» حتى يبدأ طريق الاستقرار. تعالوا جميعاً ننقذ مصر قبل أن تغرق بنا جميعاً والعياذ بالله. وسيحفظ الله مصر. والله المستعان.