النصب باسم الديمقراطية

فى القرن الماضى، بمحافظة الدقهلية، فى أثناء انتخابات مجلس الشعب، كان أستاذ الجيل «أحمد لطفى السيد» مرشحاً ضد أحد المتشددين، فاستغل الأخير- كعادة المتشددين دائماً- جهل البسطاء، ودار على أهل الدائرة يقرأ لهم ترجمة أستاذ الجيل لكتاب «السياسة» لأرسطو، ويدَّعى أن الرجل «ديمقراطى»، وأن هذا يعنى الدعوة لتبادل الزوجات، فأخذ رجال القرية يتندرون فيما بينهم قائلين (ديمقراطى وهياخد مراتى)، وحدث ما حدث، وسقط أستاذ الجيل بنجاح ساحق. الطريف أن أحمد لطفى السيد هو قائل العبارة الشهيرة: «اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية».. فهل بذرة الديمقراطية تصلح لأن تُزرع فى أى تربة، بالطبع لا (ماكانش حد غلب!)، ومن اعتدوا على أستاذ الجيل منذ قرن مضى لايزالون بيننا إلى اليوم، لم يتغير الكثير، وربما تغير إلى الأسوأ.
الديمقراطية تحتاج إلى عقل مفتوح لتلقى الأفكار والمعتقدات وليس إلى فم مفتوح لتلقى الزيت والسكر، ولذلك فهى تدخل من بابنا «ديمقراطية» فتخرج من الباب الآخر «أوتوقراطية» (حكم الفرد) أو «كليبتوقراطية» (حكم اللصوص)!
الديمقراطية ليست هى العملية التى نستخدم فيها صندوقاً شفافاً لنضع فيه أوراقاً بيضاء يجمعها موظف شريف يسلمها لقاض عادل! هذا هو مشهد الختام فى فيلم لم ننته من تصويره بعد! القصة قائمة على ثلاثة أعمدة، أولها أن يأتى الحاكم بصورة ديمقراطية، وثانيها أن يراعى الديمقراطية فى حكمه، وثالثها أن يرحل بطريقة ديمقراطية.. وعندنا فى مصر من أتى بلا ديمقراطية وحكم دون مراعاتها ورحل بغيرها (انظر مبارك)، وعندنا أيضاً من أتى بها وحكم دون مراعاتها ورحل بغيرها (انظر مرسى). الدور على من يأتى بها ويراعيها ويرحل دونها!
الديمقراطية فى مصر الآن ليست قناعة فى القلوب ولكنها قناع على الوجوه، فى وقت راجت فيه تجارة الأقنعة ومبيعات مساحيق التجميل. كفاية كذب على الناس! مصر لا تحتاج الآن إلى ديمقراطية بل إلى الحوكمة ولفترة انتقالية طويلة.
Twitter: @RamyGalalAmer