صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    فلسطين.. طائرات الاحتلال تنفذ غارات على مخيم البريج وسط قطاع غزة    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    طلاب الشهادة الإعدادية بالإسماعيلية يؤدون امتحان مادتي العلوم والتربية الفنية    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    مفاجأة.. شركات النقل الذكي «أوبر وكريم وديدي وإن درايفر» تعمل بدون ترخيص    الصحة: منظومة التأمين الصحي الحالية متعاقدة مع 700 مستشفى قطاع خاص    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية موجة تاريخية فى المشرق العربى
نشر في الشعب يوم 11 - 04 - 2008

لن تنتهى أحداث التاريخ المتفاعلة المتسلسلة إلا بقيام القيامة (يوم الحساب) وهو ميقات لا يعلمه إلا الله وإن أظهر علاماته الصغرى والكبرى. فللتاريخ بداية واحدة ونهاية واحدة يجهلهما الإنسان رغم علمه المتنامى. العكس تماما يكون لتاريخ التطور المجتمعى الإنسانى الذى يحوى العديد من البدايات والنهايات يمكن تمثيلها فى موجات صعود وإزدهار وأخرى فى هبوط واندحار.
هناك فارق كبير بين "الإنسانية" كحالة تصنيفية عامة (Generic) وبين "الإنسان" ككينونة فردية. الإنسان يولد ويموت ويمكن تمثيل حياته بمنحنى شهير يسمى "المنحنى الطبيعى" أو منحنى "جاوس" أو منحنى "الولادة والممات" أو منحنى "الناقوس" (الجرس) لشكله حيث تبدأ الولادة من العدم صاعدا إلى قمة واستقرار قبل السقوط والانحدار حيث العدم مرة أخرى ... حيث الموت.
التطور الإنسانى ليس كذلك فهو يأتى فى موجات متتالية بين صعود مزدهر وهبوط منكسر وهو ما يمكن تمثيله بموجات "إليوتية" (نسبة إلى "رالف نيلسون إيلوت") المأخوذة من أفكار "داو" المطبقة بالأسواق المالية والبورصات (وإن كان مجالها أشمل وأعم مثل حركة "الحشود" فى الحروب أو فى تطبيقات السياسة بمفهومها التعريفى كإدارة الجماهير).
البداية فى المجتمعات الإنسانية (حسب النظريات المادية) كانت البدائية والهمجية، وكانت العبودية هى السمة المميزة للعلاقات الإنسانية حيث تتصارع غرائز الإنسان المادية وذاتيته الروحية أو المعنوية. السيد هو القوى المنتصر الذى يغنم كل شيء من طعام ومأوى وإشباع جنسى وسيادة وقيادة أما العبد فهو الضعيف المنهزم الذى يقتات البقايا والفتات ويكبت غرائزه وشهواته فى الدموع والعبرات.
ظهرت العقائد (فكرية ودينية) ونَعم الإنسان لفترات تاريخية (كموجات "إليوتية") باحتياجاته المادية وذاتيته الروحية ولكن سرعان ما جاء الانكسار فى موجات الانحدار.
قد يختلف البعض فى تحديد بدايات موجة الانحدار التى تعيشها الأمة الآن، أما الاتفاق التام فهو أن منطقة المشرق العربى تعيش فعلا الآن حالة ذل وانكسار وضعف وهوان.
نقاط التحول ظهرت (وليس بدأت) منذ الثورة العربية أبان الحرب الكونية الأولى حيث استطاعت الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا) التغرير بالقوى العربية واستغلال "الدين الإسلامى" لصالحها وتحقيق مأربها. جزاء العرب المغرر بهم جاء أفدح من جزاء "سنمار" وتمت مكافأتهم "بوعد بلفور" و "اتفاقية سايكس – بيكون". للأسف كانت "مصر" المحتلة نظريا (فى ذلك الوقت) هى وكر المؤامرات ومنه انطلقت جماعات "لورانس" وفيها تمت الإتفاقات.
السمة الغالبة للمرحلة (الموجة) التى استمرت منذ الحرب الكونية الأولى إلى الآن هى إضفاء الشرعية على الاستعمار الإستغلالى (أمريكا فى المقام الأول) والإستيطانى (إسرائيل) والحكومات الإقليمية "الأوتوقراطية" من منطلقات عديدة منها القوة والتفوق الثقافى والحضارى والنخبوى وغيرها.
تعود "الأوتوقراطية" إلى العصور الأولى من بدايات المجتمعات الإنسانية، وهى الرئاسة أو القيادة الاستبدادية المتمحورة حول الشخص الواحد أو حول مجموعة صغيرة ضيقة تبرز أحد شخوصها فى الواجهة. ظهر هذا فى الإتحاد السوفيتى قديما بنظامه الشمولى وبقياداته التى حاقت بها الشيخوخة وأصابها "الزهايمر" ولم تكن سوى واجهة لجماعة منتفعة وبسببها كان الانهيار المأساوى لإمبراطورية الاشتراكية فى العالم الحديث. وظهر هذا جليا فى "المشرق العربى" فى قيادة "الحبيب بورقيبة" بتونس (كمجرد مثال) حيث كان الرجل ميتا سريريا وحولته الجماعة المنتفعة إلى خيال مآته لا ليطرد الغربان بل لتحط فوقه تملأ بنهم بطونها من دماء ولحوم شعبها.
تظهر "الأوتوقراطية" فى أشكال أو أنواع ثلاث، ومن الملفت للنظر ولمثير للأمر أنها تحققت بأنواعها الثلاث المختلفة فى الجمهوريات الثلاثة "المصرية".
النوع الأول هو الأوتوقراطية "الخَيرّة" التى تستأثر بالسلطة ولكنها تحاول استخدام أساليب مرتبطة بالإدارة الإيجابية، وهو مفهوم أقرب إلى فكرة "المستبد العادل" التى تنسب للإمام "محمد عبده"، وقد ظهر هذا النوع فى الحقبة "الناصرية" حيث تحقق المحور الأول من الحرية وهو "العدالة الاجتماعية" مع هامش وإن كان بسيطا محدودا من الحرية السياسية (وقد ظهر هذا فى الكتابات الأدبية الناقدة وفى مسرح الستينات).
النوع الثانى وهو الأوتوقراطية "الديماجوجية" المناورة (البهلوانية السياسية) وفيها يقوم الحاكم المستبد (ومجموعته الضيقة) بإيهام الجماهير بالمشاركة فى السلطة واتخاذ القرار وهو حقيقة منفرد تماما بالأمر على عكس ما يقوله. وقد ظهر هذا النوع بوضوح وجلاء فى حقبة "السادات" الذى أقر هو بذاته بأنه أخر الفراعين المؤلهين وبأنه "أمير المؤمنين" رغم أنه كان سكيرا (كما جاء فى شهادات الأستاذ "محمد حسنين هيكل" بكتاباته ولم يكذبه أحد). ويتسم هذا النوع غالبا بسمة غياب المحور الإجتماعى للحرية (العدالة الاجتماعية) مقابل الإيهام بوجود المحور السياسى (الديموقراطية ) كنوع من أنواع "المخدرات" السياسية.
أما النوع الثالث فهو الأوتوقراطية العنيدة المتشددة التى تتفانى فى التمسك بالقواعد والنظم والقوانين الموروثة والمستحدثة التى غالبا ما تسن لتعظيم نفوذها وتعضيد سلطانها. ويتسم هذا النوع بغياب "الرؤيا" السياسية والفكر الإبداعى وينطبق عليه المثل العامى المصرى (حافظ صامم وليس دارس فاهم). ويشترك هذا النوع مع سابقه (النوع الثانى) فى سمة الديماجوجية وإن كانت ذات شكل ركيك مفضوح كما يشترك معه فى غياب البعد الإجتماعى (العدالة الاجتماعية) ويزيد عليه غياب البعد السياسى (الديمقراطية). أما السمة التى يتفرد بها هذا النوع فهو "غياب الإمكانيات وضعف القدرات" بمعنى العجز عن الإصلاح حتى لو أراد (!!).
محاولات تصحيح موجة الانحدار والانكسار لم تأت تالية بل أتت متنوعة (منها العلمانى ومنها الإسلامى) ومتوازية متزامنة كنوع من رد الفعل الطبيعى والتلقائى.
ظهرت العلمانية فى حركات فردية وفى أيديولوجيات مستحدثة أبرزها "القومية" (البعث والناصرية) بينما ظهرت الحركات الإسلامية أكثر عددا وأوسع انتشارا بداية من "الوهابية" النى تم إجهاضها عثمانيا ثم احتوائها جغرافيا، إلى حركة "جماعة الإخوان المسلمين" فى ثلاثينات القرن العشرين مرورا بالمهدية والسنوسية والإدريسية ولفيف من الأنشطة والحركات الأصغر حجما وإن كان تأثيرها ملموس محسوس.
حاولت تلك المحاولات التخلص من لجة الاستعمار الإستغلالى والإستيطانى والقيادات الوطنية الموالية له والضعيفة ولكنها وقعت فى آفة التنافس فيما بينها والجهل بأساسيات إدارة الصراع مع عدو "شرس" و"ذكى" فكانت النتيجة الوقوع فى براثن الأوتوقراطية المتوحشة وفى المزيد من الاستغراق فى أحضان المستعمر والتبعية له.
ومع اشتداد مظالم الاستعمار والحكم الأوتوقراطى، وتطبيقا لإحدى قواعد الفقه الأساسية "إن المشقة تجلب التيسير" فقد ظهرت بوادر موجة تصحيحية وطنية جديدة (بالمشرق العربى بالخصوص) تنبئ بقرب زوال تلك المرحلة (الموجة) لحساب أنظمة جمهورية ديمقراطية فى العباءة الإسلامية (كعقيدة جديدة تجمع بين الدينية والفكرية) وهو الأمر الذى يظهر فى النقاط الحاكمة الآتية:
1 – النجاح الساحق للثورة الإيرانية الإسلامية التى انطلقت فى العام 1979 على يد "آية الله الخمينى" بعد أن خبت القوى الإسلامية الإيرانية الشيعية فى الخمسينات فى زمن "آية الله كاشانى". وقد ظهر هذا النجاح فى القضاء على أشرس نظام إمبراطورى بالمنطقة (نظام الشاهنشاه أو ملك الملوك)، وفى اجتياز مؤامرة "الاحتواء المزدوج" النى انقادت لها العراق بتحالف مخابراتى نفعى مع الولايات المتحدة ("فاضل البراق" – "روبرت جيتس") كان فيّه تدميرها واحتلالها، وفى تطوير منظومة إدارة سياسية (جمهورية إسلامية) يشهد لها المتخصصون المحايدون بالديمقراطية، وفى التحول إلى دولة تقنية قوية تم تتويجها بالتصنيع النووى (عمليات التخصيب) وليس فقط مجرد الاستخدام، وفى حسن إدارة الصراع باللعب على المتناقضات الدولية بالانضمام إلى تحالف "معاهدة شنغهاى" المناوئ لهيمنة القطب الأمريكى الأوحد، وفى التحول إلى لاعب فاعل قوى وأساسى بين ثلاثية اللاعبين بالمنطقة (إيران – تركيا – إسرائيل)، وفى التحول إلى "مرجعية" أساسية يحتذى بها فى كونها مركز "المقاومة" للمد الصهيومسيحى بالمنطقة وفى كونها التجسيد المادى للطرف "الإسلامى" الوارد ذكره فى أطراف صدام الحضارات "لهينتجتون" باعتبار أن الأطراف الأخرى (ومنها "القاعدة") هى أقرب لروحانيات أو ثقافة منها لتجسيد مادى ملموس.
2 – تحول تنظيم "القاعدة" الإسلامى والمحسوب على أهل السنة إلى فكر وثقافة وجد انتشارا فى بقاع الأرض من شرقها لغربها بمن فيهم البلدان الأوربية، كما أصبحت "كيانا" مكلفا (بحسابات البيزنس الليبرالية – العائد والتكلفة الذى يترجم إلى مكسب وخسارة) للقوى الصهيومسيحية والقوى المتحالفة معها يحسب حسابه فى معارك "صراع الأديان" التى أطلقتها الولايات المتحدة جهرا بعد انهيار الإتحاد السوفيتى والتى بدأت بأطروحة "فرنسيس فوكوياما" (نهاية التاريخ وخاتم البشر) وأطروحة "صموئيل هينتجتون" (صدام الحضارات). (ولا شأن للمقال بأعمال بعض الجماعات التى تنسب نفسها للتنظيم وتقوم بأعمال تخريبية بأوطانها إما ظلما وزيفا أو بعدا عن الحكمة فى حسن إدارة الصراع ضد العدو الصهيومسيحى والأوتوقراطية المتوحشة).
3 – تكرار تجربة "طالبان أفغانستان" فى "المحاكم الشرعية بالصومال". فالأولى تم خلقها جماهيريا بعد لجوء الأفراد العاديين بالقرى والمدن الأفغانية إلى أفراد ومجموعات من "طالبان" لرفع الظلم الواقع عليهم من أمراء ومماليك وإنكشارية الحرب الأفغان وهو الأمر الذى شكل نوعا من "المبايعة الجماهيرية" التى مكنت حكومة "طالبان" لاحقا من تحقيق الأمن والاستقرار لأول مرة فى التاريخ الأفغانى، أما الثانية (المحاكم الشرعية) فقد اشتركت قوى الرأسمالية الصغيرة والمتوسطة والتجمعات الجماهيرية فى تفعيل دور "المحاكم الشرعية" ودفعها لتولى الحكم لرفع الظلم الواقع عليها من أمراء الحرب فى الصومال ومجموعات العصابات المنظمة وشبه المنظمة. والتجربتان دليل لا يقبل الجدلية فى كون "الإسلامية" التى تتسم أساسا "بطهارة اليد وخشية الله" هى الحل والملاذ وقت الشدة والفوضى. وما نقصده بالإسلامية ليس بتعريف الغرب "للثيوقراطية" بل بتطبيقات سياسية عصرية حديثة - اشتراكية أو ليبرالية أو بتوليفة بينهما (فيما يعرف بالطريق الثالث) تحت العباءة الإسلامية – فكما قلنا سابقا إن الإسلامية هى "مدرسة منهجيات" وليس مجرد منهجية أو أيديولوجية يمكن تطبيقها فى شتى أنواع التطبيقات السياسية الأيديولوجية باستثناء "النيوليبرالية" – فالإسلامية لا يمكن أن تكون نيوليبرالية.
4 – تعظيم وتأكيد دور ومكانة جماعات "الإخوان المسلمين" عالميا بالعموم ومركزية الجماعة بمصر بالخصوص. ظهر هذا فى حصول أحد كوادرها ("عصام العريان") على حوالى 44% من أصوات المقترعين باستفتاء الجزيرة الفضائية على منصب رئاسة الجمهورية المصرية (مقابل 18% للرئيس الحالى "حسنى مبارك"). وظهر فى اكتساح مرشحى الإخوان فى الانتخابات التشريعية الأخيرة وحصولهم على ما يقارب 20% من مقاعد البرلمان رغم محدودية عدد مرشحيهم (حوالى 150) ورغم حالات التزوير الصريحة التى كشفت إحداها الدكتورة "نهى الزينى" المستشارة القانونية ورغم أعمال العنف والقوة التى وصلت إلى حد "القتل" عن طريق الأجهزة الأمنية وميليشيات الحزب الحاكم ومجموعات البلطجية والمجرمين المستأجرين أو المدفوعين من قبل الأجهزة الأمنية (وخاصة أقسام ووحدات المباحث). وظهر هذا فى حملة الاعتقالات والمطاردات الأمنية المتلاحقة لكوادر وقيادات الجماعة وخاصة فى انتخابات المحليات الحالية (إبريل 2008) وهو ما يفسر حالة الخوف الشديدة للنظام من كونها البديل الأوحد الصالح للحكم. وظهر هذا فى انحسار كافة القوى السياسية (أو مدعية السياسة) فى مصر أمام المَدّ الإخوانى. وظهر هذا فى المبايعة الصريحة لجماعات الإخوان فى البلدان العربية (خصوصا) لمركزية الجماعة فى مصر (مثلما حدث فى السودان صراحة وفى الأردن وسوريا وفلسطين ضمنيا) وهو الأمر الذى يعيد إحياء فكرة "الخلافة" الإسلامية فى ثوب عصرى جديد. وظهر هذا فى "مسودة" البرنامج السياسى الذى قدمته الجماعة وهو وإن تشابه مع برامج أخرى فى بعض حيثياته إلا أن الفارق الجوهرى والأساسى يتلخص فى كون القائمين عليه لا يخشون القوانين الوضعية مثل الأحزاب العلمانية فقط ولكنهم يخشون "الله" كمرجعية مقيدة يتقيدون بها أكثر من غيرهم. وظهر هذا فى الاتصالات الدولية (الأوربية والأمريكية) مع قيادات "الإخوان المسلمين" التى خرجت من الخفاء والسرية إلى الجهر والعلانية بهدف تفهم الأطراف لبعضها واستقراء النوايا (الإستراتيجيات) ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة تجعل من جماعة الإخوان البديل الأمثل للنظام فى مصر بغرض إيقاف مد التعصب الإسلامى (باعتبار تمتع الإخوان بالوسطية المتنورة) ومنع التيار الشعبى العربى المتنامى من التأييد المطلق للنموذج الشيعى المقاوم المتمثل فى إيران و"حزب الله" اللبنانى (باعتبار أن الإخوان من أهل السنة وعلى أمل واهم أن "الإخوان" سيمثلون الطرف المقاوم والمناهض للمد "الشيعى") ويضاف إلى هذا الخوف الأوربى والأمريكى من تصدير "التجربة اليسارية" لأمريكا اللاتينية إلى المنطقة العربية وتفضيلهم للخيار الإسلامى (كأخف الضررين) باعتبار أن الإسلامية محسوبة على "الليبرالية" أو على ايدولوجيا الطريق الثالث (الليبرالية بتطبيق يراعى العدالة الاجتماعية).
وتعقيبا على إشكالية "السنة" و"الشيعة" التى يحاول الغرب اللعب على متناقضاتها نزعم ومن قراءة متجردة للمحور الشيعى بقيادة "إيران" و"حزب الله" وللمحور السنى بقيادة "جماعة الإخوان المسلمين" أن حكماء المحورين (وهم أهلا لها) سيسعون جاهدين إلى تفعيل وتنمية عناصر الاتفاق بينهما والعمل على تقليل هوة الخلافات بين المذهبين وتحويل "الصراع المذهبى" إلى "أتفاق سياسى" تلعب فيه "حكمة" القيادات دورا كبيرا فى تحديد الأولويات وفى حسن تخصيص الموارد والإمكانيات نحو أهداف يتم تحقيقها بأسلوب (من أسفل إلى أعلى – Bottom Up Approach) – أى العمل على تأمين سلامة "الخلق" فى أحوالهم ومعيشتهم المادية والروحية حتى "حد الاكتفاء" الآمن أولا وهو الأمر الذى سيؤدى إلى التطبيق الأمثل "للشرع" تلقائيا.
5 – النجاح الغير مسبوق "لحزب الله" الإسلامى اللبنانى فى انتصاره التاريخى على الكيان الصهيونى فى حرب العام 2006 وباعتباره أول انتصار عربى حقيقى فى جولات الصراع العربى – الإسرائيلى. بالوضع فى الاعتبار إن "الانتصار" هو فرض الإرادة على الخصم ومنعه من فرض إرادته – وهو الأمر الذى لم يتحقق فى حرب أكتوبر 1973 وإن كان فى متناول اليد خاصة فى الأيام الأولى (6 – 10 أكتوبر) وأضاعته الإدارة السياسية وانتهت الحرب فعليا بتحقيق إرادة العدو الصهيونى الإستراتيجية التى تمثلت فى "تحييد مصر" عن دائرة الصراع ، والنجاح فى "عزل" سيناء (المنطقة الأسيوية من مصر والتى تمثل أكثر من 6% من مساحتها) تمهيدا لسلخها (!)، كما تم نزع سلاحها تقريبا (الثلث الغربى يحوى فرقة عسكرية بأعداد محدودة من المدفعية والمدرعات وبدون صواريخ أو طائرات – والثلث الأوسط لحرس الحدود بتسليح خفيف – والثلث الشرقى الأخير المتاخم لإسرائيل بقوات أمن بتسليح شخصى)، أما الأخطر فهو فرض شروط إذعان على الإدارة المصرية فى تثبيت الفكرة الأمريكية القانونية بالإدارة المشتركة لمنطقة "طابا" بعد رفض إسرائيل تنفيذ الحكم القضائى الدولى فى النزاع حولها، وفى فرض شروط استيراد بأسعار ومدد زمنية تفضيلية للبترول والغاز المصرى، وأخيرا وليس أخرا هو السماح لمواطنى إسرائيل بدخول سيناء بالهوية الشخصية وبدون قيود السيادة العادية التى تمارسها الدول.

أكثر ما يتميز به "حزب الله" الإسلامى هو كسره لحاجز "الخوف والرعب" التى سعت إسرائيل منذ نشأتها إلى ترسيخه فى الوجدان العربى. ولم يكتف "حزب الله" بذلك بل أنتقل من مرحلة "الخشية والاتقاء" إلى مرحلة "الدفاع السلبى" ثم مرحلة "الدفاع المقاوم النشط" وأخيرا إلى مرحلة "الهجوم الإيجابى والتهديد الجدى بإفناء إسرائيل" وهو ما ظهر فى خطابات السيد "حسن نصر الله" الأخيرة .
و"نصر الله" لا يكذب ولا يطنطن وإسرائيل قبل وأكثر من غيرها تعلم ذلك ولذا أخذت تهديداته على محمل الجدية الشديدة وهو الأمر الذى ظهر فى تدابيرها الأمنية والعسكرية أخيرا.
6 – النجاح الأكثر من متميز لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) ، المنتمية للمذهب "السنى" والمحسوبة كأحد روافد جماعة الإخوان المسلمين، فى إدارة صراعها ضد الكيان الصهيومسيحى (وليس الكيان الإسرائيلى فحسب) بعد نجاحها فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتوليها مسئولية التشكيل الوزارى ورئاسته. نجحت "حماس" فى قراءة مقدمات مؤامرة "دايتون – دحلان" والتى كانت تسعى لاستئصال الحركة بالقوة المسلحة فبادرت إلى إجهاضها وردها إلى نحر أصحابها وتم طرد المتآمرين من قطاع غزة والاستيلاء على أسلحتهم وعتادهم والقيام بإدارة القطاع إسلاميا متنورا معتدلا تحت ضغوط إسرائيلية ودولية ومن بعض القوى الإقليمية فيما لا قبل لبشر به. كفاءة وقوة وطهارة يد "حماس" يشهد به الإسرائيليون قبل غيرهم. فمن أقوال "أولمرت" بعد فوز "حماس" ردا على سؤال رد الفعل الإسرائيلى تجاه هذا الفوز قوله "نعلم أن حماس نظيفة اليد وسننتظر عاما أو اثنين لنرى نتائج صدامها مع السلطة الحالية (المحسوبين على فتح)". ويضاف إلى ذلك رفض "يهود براك" وزير الدفاع الإسرائيلى الحالى تزويد ما يسمى بالسلطة الفلسطينية فى "الضفة الغربية" خشية من "إنقلاب حماسى" واستيلاءهم على ذلك العتاد – وهو أمر لا يحتاج إلى تعليق من بيان "فساد" السلطة المحسوبة على أرث "فتح" التاريخى وضعفهم وهشاشة عظمهم.
تجربة "حماس" الإسلامية فى الإدارة تحت الضغوط الغير مسبوقة تماثل تماما ما يمكن تسميته "باختبار العمل تحت الضغط الشديد الذى يصل لدرجة الحرق" (Burning Test)، ونجاحها حتى الآن فى مجرد "الصمود" هو انتصار للتجربة الإسلامية فى الحكم وليس "لحماس" فقط. تجربة من يملكون أهم أسلحة إدارة الصراع ..... "الإيمان بعقيدة" وامتلاك "الإرادة" وطهارة النفس واليد.
يشهد المشرق العربى (وإيران) الآن الفصول الأخيرة من أشرس صراع شهده التاريخ والذى يعتبر تكرارا تاريخيا (أو قولبة تاريخية – History Template) شرسا ومعدلا من مثيل وقرين سابق (وهذا حسب فكرتنا عن "قولبة التاريخ" التى جاءت فى مقالات سابقة) .
هناك "حافة هاوية" تبدو فى الأفق خلال الأشهر القليلة القادمة يمكن أن ينجح فيها أساقفة الدين الأمريكى الجديد (البروتستنتينية اللوثرية الكالفانية الهيجيلية المتحررة فى ثوبها الصهيونى) فى التغلب على مقاومة بعض الممانعين داخل الإدارة والمجتمع الأمريكى لإيصال الصراع مع المحور الشيعى (إيران – حزب الله – سوريا) إلى مرحلة الصدام عبر سيناريو "مخيف" تقوم فيه "إسرائيل" بالقيام بضربة جراحية جوية وصاروخية بذخائر تنتمى للجيل الوسيط بين التقليدى والنووى وعبر مجموعات عمليات تعمل بالفعل فى المناطق الحدودية الإيرانية العراقية بل وداخل إيران نفسها بحيث يظهر الأمر للمجتمع الدولى وكأنه نزاع بين دولتين فى المنطقة (إيران وإسرائيل) وبالقطع سيتم تحييد "حزب الله" بالقوة المسلحة، وسيكون الخيار أمام الجمهورية الإسلامية صعبا فإذا هاجمت إسرائيل صاروخيا فقط أو عبر عمليات عسكرية (محدودة) انطلاقا من الأراضى اللبنانية فلن يكون لها التأثير المساوى لحجم التدمير المتوقع للمنشآت الحيوية الإيرانية وستفقد مصداقيتها أمام العالم وشعوب المنطقة، وهى أن قامت بعمليات واسعة ضد القوات الأمريكية فكأنها تعطى أمريكا "المبرر الأخلاقى" لضربها نوويا.
التصريحات الأخيرة "لقيادات حزب الله" ولبعض القيادات الإيرانية، إضافة إلى الاستعدادات السورية فى منطقة "البقاع" (البطن الرخوة للكيان السورى) تظهر انحياز المحور "الشيعى" إلى "الخيار شمشون".
الحكمة فى إدارة الصراع مع الكيان "الصهيومسيحى" تقتضى "بأن نتوقع الأسوأ .. ونأمل فى الأفضل" – هكذا قال الجنرال "الجمسى" .... نحن نوافقه.

وللحديث بقية ...
هشام الناصر
الجمعة 4 أبريل 2008
http://alnasser-hesham.maktoobblog.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.