وزير الكهرباء يغادر إلى روسيا للمشاركة في «الأسبوع الذري العالمي»    تجارب غير مسبوقة.. مصر تكشف عن رؤيتها السياحية الجديدة في معرض باريس الدولي    هشام حنفي: القمة فرصة ذهبية لعودة الأهلي.. والزمالك مطالب بتحسين الأداء    براتب يصل 10 آلاف جنيه..«العمل» تعلن عن 300 وظيفة للشباب    «التضامن» تنفذ برنامجًا تدريبيًا متخصصًا حول إدارة الحالة وإعادة الادماج للأطفال والشباب في نزاع مع القانون    السيسي يصدر 7 قرارات جمهورية.. تفاصيل إنشاء جامعة شرق العاصمة    أسعار الماكولات البحرية اليوم الاربعاء 24-9-2025 في الدقهلية    تراجع في أسعار اللحوم بالأسواق والمنافذ اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    «تعليم قنا» يحرز مراكز متقدمة جمهوريًا في مسابقة التعبير والتصميم الفني    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين على الطريق الإقليمي بالقليوبية    ضبط ورشة لغش بطاريات سيارات بالإسكندرية تستخدم علامات شهيره    وصول الطفل ياسين إلى مقر محكمة إيتاي البارود الابتدائية    شروط جديدة لاستخراج رخصة القيادة المهنية    محمود ياسين جونيور: لا افكر في الإخراج حاليا| خاص    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 24-9-2025 في محافظة قنا    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم 217 ندوة بمساجد شمال سيناء    وكيل صحة بني سويف: نعمل على رفع كفاءة الخدمات وتوفير بيئة عمل آمنة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24 سبتمبر والقنوات الناقلة    وزيرا العمل والتضامن يبحثان أزمة "نايل لينين" للنسيج بالإسكندرية    مفاجأة.. تسعيرة الفراخ البيضاء اليوم تحت ال 60 جنيها    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    الرئيس اللبنانى: اللجوء إلى القوة لتنفيذ حصرية السلاح أمر غير وارد    بعد مضايقة طالبة.. حبس مدير مدرسة بشبين القناطر 4 أيام على ذمة التحقيقات    تسريب غاز في محطة القصر العيني بالقاهرة| إجراء عاجل من الشركة    وزير الخارجية يلتقي نظيره القبرصي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك    باكستان تؤكد التزامها الثابت بدعم القضية الفلسطينية    محادثات أوروبية إيرانية في نيويورك لتفادي العقوبات النووية    وفد السنغال يلتقي وكيل الأزهر لمناقشة تدريب الأئمة والوعاظ في مصر    حازم البهواشي مديرا للبرامج ب راديو مصر    رئيس «حماية المستهلك» يقود حملة ليلية مُفاجئة على الأسواق    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/9/2025 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    حسين فهمي: القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في مهرجان القاهرة    نيران صديقة، متحدث الأهلي السعودي يكشف سر الخسارة أمام بيراميدز (فيديو)    «التحرير الفلسطينية»: الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تحول استراتيجي هام    تراجع أسعار الذهب اليوم الأربعاء 24 سبتمبر في بداية التعاملات    إنقاذ طفل حديث الولادة مصاب بعيب خلقي خطير بالقلب بمستشفى أطفال مصر للتأمين الصحي    زيلينسكي يقترح دولا عربية وأوروبية مكانا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين    انتصار الحب، إلهام عبد البديع تعود لزوجها الملحن وليد سامي بعد 4 أشهر من انفصالهما    هاني رمزي: الموهبة وحدها لا تكفي وحدها.. والانضباط يصنع نجمًا عالميًا    كوريا الجنوبية: نعتزم الاعتراف بدولة فلسطين    «أوقاف أسوان» تكرم 114 من حفظة القرآن فى ختام الأنشطة الصيفية    ماكرون يلتقي رئيس إيران لبحث استئناف عقوبات الأمم المتحدة.. اليوم    نقابة المهن التمثيلية تنعي مرفت زعزع: فقدنا أيقونة استعراضات مسرحية    مصطفى نجم: تغييرات الزمالك أمام الجونة متسرعة.. وعدي الدباغ مرشح ليكون هداف الدوري    «احمديات»: لماذا ! يريدون تدميرها    ميلان يحجز مقعده في ثمن نهائي كأس إيطاليا بثلاثية نظيفة أمام ليتشي    «وريهم العين الحمرا.. واللي مش عاجبه يمشي».. رسالة خاصة من إبراهيم سعيد ل وليد صلاح الدين    وفاة النجمة الإيطالية كلوديا كاردينالي «ملكة جمال تونس 1957»    مسلم يفجر أسرار عائلته: «من 15 سنة سبت البيت والجيران كانوا بيسمعوا عياطي»    قرارات جديدة من وزارة التربية والتعليم بشأن الصف الأول الثانوي 2025-2026 في أول أسبوع دراسة    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 24 سبتمبر في محافظة الغربية    بدون صلاح.. إيزاك يقود ليفربول للتأهل في كأس الرابطة الإنجليزية    أنغام تشكر تركي آل الشيخ: روح الأخوة بين مصر والسعودية ستصمد    رسميًا.. موعد الإجازة المقبلة للقطاع العام والخاص والبنوك (يومان عطلة في سبتمبر)    إجراء جراحة ناجحة استمرت 17 ساعة لاعتدال عمود فقرى بمستشفى جامعة كفر الشيخ    مدير فرع الرعاية الصحية بالأقصر يطلق مبادرة "اليوم المفتوح".. صور    بعد انطلاق موسم الدراسة.. 5 أطعمة لا تضعيها لأطفالك في «اللانش بوكس»    أمين الفتوى يوضح كيفية الصلاة على متن الطائرة ووسائل المواصلات.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفلاطون وأرسطو.. في مسالة التوريث
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2009

لم يختلف اثنان من عمالقة الفكر الفلسفى فى التاريخ كله خاصة من ربطت بينهما علاقة الأستاذ بتلميذه كما اختلف الفيلسوفان اليونانيان العظيمان أفلاطون وأرسطو.
كان أولهما أستاذا للثانى.. وكان تأثيرهما على الفكر البشرى فى اتجاهين متباينين تماما. الأول فى الاتجاه المثالى والثانى فى الاتجاه المادى الحسى. مع ذلك فإن تأثيرهما فى الفكر الإنسانى تجاوز نفوذ أى فيلسوف أو مدرسة فلسفية على مدى الزمن منذ القرن الرابع قبل ميلاد المسيح وحتى الآن.
أكاد أقول إنهما اختلفا فى كل شىء، من فهم الوجود والطبيعة والمعرفة إلى فهم الدين والأخلاق والسياسة.. والجمال والفن والتربية.
وعندما عوتب أرسطو على خلافه واختلافه التامين مع أستاذه أفلاطون رد على معاتبيه: «إنى أعز أفلاطون.. ولكن الحقيقة أعز على منه». وقد رويت هذه العبارة البسيطة البليغة بطريقة أخرى، إذ تقول وبلسان أرسطو :«إننى مع الحق ولست مع أفلاطون».
ولهذا يعد اكتشافا مهما فى تاريخ الفلسفة على الأقل اليونانية أن تتبين من النصوص أن بينهما اتفاقا على نقطة ما. وتزداد أهمية هذا الاكتشاف عندما يكون متعلقا برأيهما فى السياسة، فى الحكم الأفضل. وبطبيعة الحال لسنا بصدد المقارنة بين مذهب أفلاطون «الطوباوى» فى السياسة ومذهب أرسطو المادى فى هذا المجال. إنما تتبين هذا الاتفاق فقط من خلال نص لأفلاطون فى أهم كتاب له فى السياسة، وهو «الجمهورية»، الذى شرح فيه المدينة الفاضلة كما كان يتمناها أستاذه سقراط بطل كل محاوراته الفلسفية بما فيها محاورة «الجمهورية»؛ ومن خلال نص لأرسطو فى أعظم كتاب له «السياسة»، والذى لا يزال يعد المرجع الأول لطلاب الفلسفة عن السياسة ولطلاب السياسة عن فن الحكم.
وتتبين من هذا الاتفاق أن الفيلسوفين العظيمين يرفضان التوريث فى الحكم.. ومتى كان ذلك؟ فى القرن الرابع قبل الميلاد.. حينما كانت الملكية والتوريث فى الحكم ملكيا وغير ملكى أمورا أكثر من مقبولة، بل مفروضة.
يقول أفلاطون فى «الجمهورية» على لسان سقراط وتحت عنوان «أبناء الأرض»:
«... على أنه قد يلد الذهب فضة، والفضة ذهبا. وهكذا يلد من يلد. وقد أودع الحكام من الله قبل كل شىء، وفوق كل شىء، هذه الوصية: أن يخصوا أولادهم بالرعاية ليروا أى هذه المعادن فى نفوسهم. فإذا ولد الحكام ولدا ممزوجا معدنه بنحاس أو حديد فلا يشفق والداه عليه بل يوليانه المقام الذى يتفق مع جبلّته، فيلحقانه إلى ما دونهم من الطبقات. فيكون زارعا أو عاملا. وإذا ولد العمال أولادا ثبت بعد الفحص أن فيهم ذهبا أو فضة وجب رفعهم إلى منصة الحكام.. أصحاب الذهب حكام، وأصحاب الفضة مساعدون».
ويستطرد أفلاطون فى الباب ذاته من «الجمهورية» ليقول عن الحكام إن «بيوتهم يجب أن تكون مما لا يحول دون كونهم حكاما كاملين، ولا تمكنهم من الإضرار بالآخرين». ويشترط فى الحكام أمرين: أولا «ألا يمتلك احدهم عقارا خاصا ما دام ذلك فى الإمكان». وثانيا «ألا يكون لأحدهم مخزن أو مسكن يحظر دخوله على الراغبين.. إنهم إذا امتلكوا أراضى وبيوتا ومالا، ملكا خاصا، صاروا مالكين وزراعا فضلا عن كونهم حكاما، فيصيرون سادة مكروهين لا حلفاء محبوبين. ويصبحون مبغضين (بكسر الغين) ومبغضين (بفتح الغين)، يكاد لهم ويكيدون، فيقضون الجانب الأكبر من حياتهم فى هذا العراك، وخوفهم من العدو الداخلى أكثر جدا من خوفهم من العدو الخارجى».
ولا يلبث أفلاطون أن يؤكد أن واجبات الحكام تشمل: «أن يحولوا دون الميل إلى إثراء بعض الأهالى وإفقار غيرهم فقرا مدقعا... إننا لم نؤسس الدولة لمجرد إسعاد قسم من أهلها، بل لإسعاد الجميع معا على قدر الإمكان.. إما بالنظر إلى وظائف غير الحكام فالأمر أقل شانا. فإن عدم جدارة الإسكافى أو ادعائه فوق جدارته فليس فيه كبير خطر على الدولة. ولكن إذا عدم الحكام وحماة الدولة والقانون الحقيقة واقتصروا على الظاهر فإنك ترى مقدار الدمار الذى يحلونه بالدولة، لأنهم وحدهم القادرون على توفير أسباب النجاح والسعادة العمومية».
ويعود أفلاطون إلى تأكيد معارضته التوريث، وتحت عنوان «الحكم حسب الجدارة لا الوراثة يقول: «يجب إقصاء من سفل من مواليد الحكام إلى فئة أدنى، ويجب رفع من تفوق من أنسال العامة إلى مصاف الحكام، والقصد من كل ذلك تأهيل كل فرد من سكان المدينة».
أما أرسطو فيجدر بنا أن نشير إلى ما قاله بارتلمى سانتهلير وزير خارجية فرنسا الأسبق، الذى ترجم كتابه «السياسة» من الإغريقية إلى الفرنسية، وعنها ترجم لطفى السيد الكتاب إلى العربية عن أن «كثيرا من المؤلفين حاولوا أن يثبتوا أن أرسطو كان نصيرا لحكومة الفرد. وهذا المعنى يناقض تماما جميع نظرياته، غير أن هؤلاء المؤلفين كان يجب على الأقل أن يضيفوا إلى ذلك أنه لم يكن نصيرا للوراثة فى حكومة الفرد».
فيقول أرسطو: «حينما شملت الدولة عدة مواطنين متساوين فى الأهلية الممتازة لم تكن لتطاق الملوكية (الملكية) بعد ذلك زمنا طويلا. فبحث عن شكل حكومة يمكن أن يكون السلطان فيها مشتركا وأنشئت الجمهورية... وقد أفضى الفساد إلى تبذيرات عامة وخلق على الأرجح، بسبب التقدير الخاص الذى يصبغ على المال، أوليجاركيات (حكم الأقلية) انقلبت بادئ الأمر إلى طغيانات، كما انقلبت الطغيانات سريعا إلى ديماجوجيات. وإن حرص الحاكمين المخزى المؤدى بلا انقطاع إلى نقص عددهم قد قوّى الجماعات التى استطاعت بعد قليل أن تقلب الاضطهاد رأسا على عقب وأن تضع يدها على الولاية لنفسها. ثم بعد ذلك كاد نمو الدول لا يسمح باتخاذ شكل آخر للحكومة سوى الديمقراطية».
ويواصل: «غير أننا نسائل أولئك الذين يشيدون بفضل الملوكية: أى خط يريدون أن يجعلوه لأولاد الملوك؟ أيكون أن هؤلاء يجب أن يملكوا أيضا بالمصادفة؟ وفى الحق إذا كانوا كما قد رأى الناس فى كثير منهم فإن هذه الوراثة ستكون جد مشئومة. لكن قد يقال إن الملك يكون صاحب القول فى ألا ينقل السلطان إلى ذريته. أما الثقة هنا فهى عسيرة جدا والوضع مؤذن بالانزلاق، وهذه النزاهة تقتضى بطولة فوق ما يطيق القلب الإنسانى».
ومن الواضح أن أرسطو لم يتصور أن تنشأ مشكلة التوريث فى نظام غير ملكى، فى نظام جمهورى أو ديمقراطى، ولهذا اقتصر على ذكر اعتراضه على التوريث فى النظام الملكى... الأمر الذى يؤكد أنه لو واجه مشكلة التوريث الرئاسى لكان معارضا له على الأقل بالقدر نفسه. ولعل النص التالى لأرسطو يدل على ذلك دلالة كافية: «لعمرى، إن ارتأى أحد أن الأفضل للدولة أن تنهج فى سياستها نهج الحكم الملكى، فما يقرر بشان أبناء الملوك؟ أيجب أن تملك سلالتهم؟ لكن إن أنجبوا بنين لئاما كما صودف بعض منهم فعاقبة تمليكه وخيمة».
لا يستقيم فهمنا لمغزى الاتفاق بين أفلاطون وأرسطو فى مسالة التوريث إلا فى إطار معرفتنا بالتناقض التام فى آرائهما من المفاهيم الأساسية فى السياسة وخصوصا الديمقراطية والطغيان. فقد كان أفلاطون شديد المعارضة للنظام الديمقراطى، وفضل عليه النظام الارستقراطى الذى يكون فيه الحاكم فردا واحدا، إنما فيلسوف. أما أرسطو فكان مؤمنا بالديمقراطية معتبرا أنها الدولة التى يكون فيها الأحرار والفقراء أى الأغلبية هم الذين يستثمرون سلطة الدولة.
... وكأنهما كانا يقولان:... كل شىء إلا التوريث (...)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.