تلقيت اتصالاً هاتفياً من الرئاسة لإبلاغى بموعد مع رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور مع مجموعة أخرى من القوى الثورية والشبابية فى أول لقاءاته ضمن سلسلة لقاءات سيعقدها للحوار المجتمعى حول خارطة الطريق، وفى حقيقة الأمر أننى تلقيت الدعوة بشىء من الدهشة، فقد تعودنا بعد الثورة أن أى لقاء يجرى للتشاور من قِبَل السلطة سواء فى عهد المجلس العسكرى أو الإخوان كان دائماً، وأبداً ما توجه الدعوة إلى رؤساء الأحزاب والنخب السياسية ويطلق عليه «حوار القوى السياسية»، وتبادر إلى ذهنى سؤالان أولهما: لماذا يريد الرئيس أن يجلس أولاً مع شباب الثورة على غير العادة؟ والثانى: هل تنبهت أخيرا السلطات الحاكمة المتعاقبة فى مصر إلى أن هناك شباب ثورة قاموا بثورتين من أجل التغيير ولم يشاركوا فى دوائر صنع القرار؟! اعترضت تفكيرى هذه الأسئلة وغيرها وقاطعها صوت رجل المراسم فى رئاسة الجمهورية وهو يقول: «السيد رئيس الجمهورية»، فى تنبيه لدخول الرئيس إلى القاعة الفخمة التى جلسنا بها فى قلب قصر الاتحادية الذى وقفنا أمامه منذ عدة أشهر لنشتم رائحة الغاز المسيل للدموع وتدوى طلقات الخرطوش فى آذان الثوار، وهم ينقلون القتلى والمصابين عندما كنا نطالب برحيل مرسى وهو داخل القصر فيما عرف ب«أحداث الاتحادية»، وكان آخر عهدنا بالقصر فى 30 يونيو عندما وقفت جموع الشعب مع ثواره للمطالبة بإسقاط نظام الإخوان. جلس الرئيس فى المقعد المخصص له وجلست بالقرب منه، فلم يكن بينى وبينه سوى شخص واحد فقط، وانتهزت فرصة قربى منه لكى أراقب الرجل الذى اخترته مع الثوار، وطالبنا به قبل 30 يونيو، فضلاً عن أنه أول لقاء رسمى لى مع رئيس جمهورية فى حياتى، حتى إنه قال لنا: «إنكم طالبتم بى كرئيس المحكمة الدستورية، ولكنكم لم تعرفوا اسمى، فرددت عليه بأننا كنا نعرف اسمك». وبدأ حديثه بالإجابة عن الأسئلة التى بدرت إلى ذهنى، حيث قال: «أردت أن أبدأ بكم، لأن الشباب أهم عنصر فى البلد، ولم أرد أن أستقل بالقرار فى شأن التعجيل بالانتخابات الرئاسية وقانون الانتخابات إلا بعد الحوار المجتمعى وفى مقدمته الشباب». وبدأنا الحوار الذى استمر أكثر من خمس ساعات، ولأول مرة فى تاريخ مصر يجتمع رئيسها بشبابها كل هذا الوقت، دون أن يمل أو يكل، ولم يقطعه سوى لاستئذانه ليصلى العصر ويعود مرة أخرى. ورغم أن أجندة اللقاء كانت فقط لاستطلاع رأى الشباب حول استحقاقات الرئاسة والبرلمان وأيهما أولاً، وقانون الانتخابات فإن الثوار هم الثوار، فلم نترك الفرصة حتى نتحدث عن قانون التظاهر وأحوال البلاد ومحاولات تشويه ثورة 25 يناير والمعتقلين من الثوار، حتى إنه كان يقول لنا ضاحكا أكثر من مرة: «رغم أن أجندة اللقاء فقط للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وقانون الانتخابات فإنكم تفرضون علىَّ الحديث عن قانون التظاهر، لكن لا بأس»، حتى إن أحد مستشاريه قال لنا: «إنه غير مقرر الحديث عن ذلك، حتى لا يثار ذلك فى الإعلام»، إلا أنه قاطعه قائلا: «لكن الموضوع طُرح، وهذا حقهم». وفى معرض كلامه معنا حول هذا القانون قال: «هل تريدون دولة القانون أم لا؟؟ أجيبونى»، فرددت عليه قائلاً: «بالقطع نحن نريد دولة القانون وما نقوله ليس استمراء منا على الثورة أو التظاهر، دون أى هدف، لكن يجب الوضع فى الاعتبار أن الثوار فى النهاية مدافعون عن الحقوق والحريات، وأن أى اعتداء عليها ستجد أن الثوار يعترضون عليه»، وشرحنا له كل تحفظاتنا على القانون وخطورته، وتقبل كل الانتقادات حوله، وكان من الواضح على الرئيس أنه متفهم ما طرح، وقال: «إن القانون سيعدل فى البرلمان القادم»، ولكنى استشعرت أنه سيفعل شيئاً بشأن القانون قبل البرلمان، أما عن التشويه المتعمد لثورة يناير والثوار فى الإعلام فقد أكد لنا أن «ثورة 25» جزء لا يتجزأ من «30»، ولولا «25» ما كانت «30 يونيو»، كما أكد أنه لا سيطرة له على الإعلام الخاص، فقلت له إن ذلك يحدث فى الإعلام الحكومى، فقال: «إنه سيوقف ذلك التشويه فى الإعلام الحكومى». وبعد اللقاء استشعرت، وبكل أمانة، أن هذا الرجل قاض من طراز فريد، وأنه يتعامل مع كرسى الرئاسة بهذه الصفة، حيث إن القاضى يحرص على الاستماع للجميع ولكل الأدلة والاستدلالات قبل تكوين رأيه وعقيدته فى الأحكام التى يصدرها، وشعرت بأن فكره وآراءه قريبة من شباب الثورة، وقلت فى نفسى: «قد أفلح الثوار هذه المرة فى اختيار هذا الرجل الهادئ العاقل كرئيس، حتى ولو كان مؤقتاً».