رحلات ابن فؤاد فى وصف البلاد والعباد.. الكويت (3)

«هى الشنطة فيها إيه؟».. سؤال تردد كثيراً على مسامعى بعد نشر مقالى الأسبوع الماضى، من الزملاء والأصدقاء، وكانت إجابتى سأكشف عن سر محتويات الشنطة الأسبوع المقبل، فى الجزء الثالث من السلسلة.. وها أنا ذا أعلنها واضحة وضوح الشمس، مدوية فى سماء الحقيقة.. الشنطة فيها.. لا يا أستاذ.. أنا سامعك بتقول فيل.. الشنطة فيها «فيل».. أيوه قول معايا.. الشنطة فيها.. لا مؤاخذة غيارات داخلية يعنى فانلات و«......».. أيوه.. الله ينور عليك هى دى الكلمة اللى أنت قلتها.. وتنفست الصعداء وخابت ظنونى، الحمد لله حيث لا وجود للمخدرات المزعومة إلا إذا كان هناك قانون يمنع تداول الملابس لا مؤاخذة الداخلية.. داخلية داخلية. نسيت أن أقول لكم إن الملابس القطنية فى الكويت غالية الثمن، مقارنة بمصر، ولذا يشترونها من القاهرة.
المهم أننى اتجهت إلى المطار وسألت عن الطائرة المتجهة إلى الكويت وقالوا لى - وكان ذلك فى عام 1994وتحديداً فى أكتوبر - من هذا الاتجاه، وقمت بعمل «بوردنج».. والبوردنج لمن لا يعرفه هو إدخال الشنطة بعد وزنها إلى مخزن الطائرة، وتحديد رقم الكرسى، وبوابة المغادرة.. وذهبت إلى ضابط الجوازات وقدمت له الباسبور وقام بشطب كلمة «صحفى» من النموذج الذى يجب أن يملأه أى مواطن مسافر إلى الخارج أو عائد، وكتب «حاصل على ليسانس آداب» حسبما جاء فى الباسبور.
فى ذلك الوقت لم أكن عضواً بنقابة الصحفيين التى كانت حلماً لأى شاب يعمل بالصحافة، وفخراً أنك تحمل كارنيه تلك النقابة، والذى تركب به الأتوبيس الأحمر أبوبريزة ببلاش مجرد أن تبرز للكمسرى الكارنيه وبعض الأتوبيسات الزرقاء أم لامؤاخذه ربع جنيه، وكمان تقطع نص تذكرة فى المترو.. يا بلاش، وحتى تصبح عضواً فى النقابة، لابد أن تتوافر فيك عدة شروط، كلها كانت تقريباً مستحيلة، حيث لابد أن تكون معيناً فى صحيفة حكومية أو حزبية، وكانت الصحف فى مصر 6 هى: «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية» و«الأهالى» و«الوفد» و«الأحرار».
وكان فيه صحيفة خاصة، عاملها ترزى على ما أتذكر، وحتى تلتحق بإحدى هذه الصحف لابد أن تكون قريب ونسيب عائلات فلان وفلان وفلان فى مصر، ومافيش مانع السعودية وجمهورية السنبلاوين، إضافة إلى أنه لابد أن تقضى عشر سنوات أشغال صحفية شاقة ويتدخل لك مسؤول أو شخصية حكومية وأحيانا وزير ومابينفعش كمان، لأنه كان هناك رؤساء تحرير أقوى من رؤساء وزراء.. والله حصل ولا داعى لذكر أسماء، وعندما يتكرم ويتعطف أباطرة تلك الصحف ويعينونك تكتشف أنك قاربت الأربعين من عمرك ولم تتزوج ومش بعيد بتضرب «كُلّة» وأنت مرتّبك بعد التعيين 174 جنيه، فتضطر تجيب إعلانات ومفيش فرق بين الإعلان والإعلام، يعنى انطق كلمة إعلان وإنت عندك زكام ومناخيرك مقفولة تصبح إعلام.. ويا سلام لو كان اللى قدامك عنده برد وودنه مسدودة وأهو كله عند العرب صابون وزيتنا فى دقيقنا. مش هاطوّل عليكم، أخذت الأتوبيس من صالة الركاب واتجهنا لركوب الطائرة التى أركبها لأول مرة فى حياتى وصوت قائد الطائرة يرحب بالركاب: «كابتن ماهر بشاى، قائد الطائرة الآير باص، كذا كذا يرحب بكم على متن طائرة مصر للطيران، الرحلة رقم كذا، ويتمنى لكم السلامة».. وانطلقنا فى طريقنا إلى وجهتنا.. إلى الكويت «الشقيق».
استقرت الطائرة فى الجو والكرسى الموجود أمامى يجلس عليه شخص فى منتصف العمر ملتحٍ، ضخم الجثة، عرفت بعد ذلك أنه أول مرة فى حياته يركب الطائرة، وما هى إلا ثوانٍ ومال برأسه إلى الأمام وأصدر صوتاً كحشرجة الموت وعمت الفوضى الطائرة وتحرك الركاب من كراسيهم لإنقاذ زميلهم الراكب، لكن المضيفين والمضيفات انتفضوا من أماكنهم وطالبوا الركاب بالعودة إلى كراسيهم وجاء صوت كابتن الطائرة يطلب من الركاب الهدوء، وعما إذا كان بينهم طبيب أم لا، وسارع الركاب، كلٌ يقدم دواء مختلفاً، رغم أنه لا يوجد بينهم طبيب، فهذا يشخص الحالة على أنها ذبحة، وذلك يقول إنه ضيق فى التنفس، وذلك يهزأ بالرجل: لما هو مش قد ركوب الطيارة ما يركب جمل.
فى هذه اللحظة تم إبعادى عن الكرسى وأصبحت واقفاً بعد أن كنت جالساً وسافرت إلى الكويت واقفاً.. والتفاصيل الأسبوع المقبل.
charlcairo@gmail.com