أتسائل أحياناً عما حدث لنا... كيف أصبحنا على هذا القدر من الكراهية؟ كراهية موجهة من الجميع وإلى الجميع، بل وفي بعض الأحيان لا نجد من نوجهها لها، فنرتد إلى أنفسنا، نطعنها ونمزقها أشلاءً... متى فقدنا القدرة على الحب والمغفرة؟ ومتى امتلكتنا تلك الشهوة المجنونة؟ شهوة تعذيب الذات قبل تعذيب الآخرين !.. أنظر حولك في كل مكان، وتأمل في كل حدث، ولاحظ كل فعل... لعلك تريحني فتخبرني أنني لست إلا متشائم تعس، لا يرى إلا بالجزء الداكن من عينيه، ولا يدع مجالاً لأي بصيص من ضوء أبيض أن يتخلل رؤيته. سمني ما شئت، متشائم تعس، أو كئيب النفس، أو محب للسوداوية، أو حتى سطحي النظرة لا أستطيع الغوص في أعماق الأشياء، ولكنك أبداً لن تفلح في إقناعي بأن ما نحن فيه هو شيئ طبيعي، ولعلي ما وصلت إلى هذه المرحلة إلا بسبب إمعاني في النظر، وحرصي على فهم ما يجري بيننا، وهو ما جعلني أكتب ما أكتب الآن. متى جعلنا من أنفسنا آلهة؟ نحكم على الآخرين ونجلدهم بسياط صنعناها من نظرات وكلمات وأفعال؟ نظرات تضع على الآخرين أقنعة لا نريد إلا نحن رؤيتها، وكلمات تنهش في أرواح وعقول الآخرين، وأفعال تنزع عنهم آدميتهم لأننا ارتأينا كآلهة أنهم لا يستحقونها.. متى فقدنا القدرة على المغفرة؟ ولم أصبح كل واحد فينا هو الحاكم الأوحد في دنياه؟ يحكم بقبضة لا تميز بين الطيب والخبيث، فجعلت من الخبث أساساً لكل شيء، وجعلنا نحكم على كل الأشياء والموجودات بنظرات قاصرة، فكيف لمن لا يريد الغفران أن يرى؟ وكيف لمن نسي آدميته أن يتذكرها في الآخرين؟ وتناسينا أنه وسط هذا العبث، قد وطئنا عليهم، دمرنا قلوباً وأنفس كانت في يوم من الأيام لبشر مثلنا... يا إلهي، نسيناك فتركتنا نعيث فساداً في خلقك، أهملناك فزرعت فينا إهمالنا لأنفسنا، تشاغلنا بالنبش عن العيوب في الآخرين، فدفنت فينا عيوبنا وواريتها عن بصيرتنا حتى صارت نتناً أصابنا أول ما أصاب، فأصبحنا خراباً خاويا، وإن كنا فرحين بما نحقق من انتصارات زائفة، تنكسر فيها أرواح ائتمنتنا على راحتها وسعادتها يوماً، فوربي ما النصر إلا لهم... طوبى لكم يا من أفلتتم من عقول وأنفس خربة، لا ترى الجمال إلا في وهم صنع من أجلها فقط، جمال زائف مهما حاولت فلن يقنعك، ومهما عايشته فلن يرضيك، ومهما نهلت منه فلن يُشبعك... قال المسيح لمن أرادوا قتل الزانية: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر... ونحن فاضت أنفسنا بالخطايا والذنوب، ولكن لم نتلكأ يوماً في ذبح من أخطأ ولو لمرة.. جلادون معدومي الرحمة، هذا ما أصبحنا عليه، ننسى في غمرة فخرنا الهائج، أننا لسنا بملائكة، وأننا ما زلنا بشراً، ولكن... جعلنا من أنفسنا آلهة