عام جديد

فى نهاية كل عام أجلس وأفكر، ما الذى يجب علىّ إن أحيانى الله، أن أقوم به. وعودت قرائى الأعزاء فى «المصرى اليوم»، منذ أن بدأت الكتابة بها، على إشراكهم فى هذه القرارات. يطلق عليها الأوروبيون اسم New Year Resolutions أو قرارات بداية العام الجديد، وعادة الناس المرضية، وأنا لست منهم الحمد لله، يقررون الإقلاع عن التدخين أو تقرر النساء إنقاص وزنهن أو الأكل بشكل صحى أو البحث عن فرصة عمل أفضل أو تحسين الدرجات بالنسبة للطلبة، يعنى قرارات من هذا النوع. ولكنى لست من النوع المخطط.. بكسر الطاء. يعنى لا أعرف كيف أضع خططا مستقبلية.. فأنا ممن يعيشون اليوم بيومه.. وكيفما يأتى، أؤمن بأن الغد أفضل من اليوم، لا أريد أن أقول أتمنى لمصر عاما مقبلا أكثر ديمقراطية وأقل بطالة لشبابها وأكثر إنتاجا وأقل استيرادا وأكثر جودة وأكثر إبداعا وأقل تقليدا وأكثر خصوصية، وأهتم أكثر بالهوية المصرية والعربية، وأكثر تحضرا وأكثر اهتماما بالنظافة والبيئة.. وأن أرى فى عام 2011 اهتماماً أكبر بالتعليم والصحة..
كل ما قلته نعرفه جيدا ونتمناه منذ سنوات طويلة.. نضع خططا خمسية ونسير كالسلاحف فى التنفيذ. دول كانت مثلنا سبقتنا بمراحل.. مثل الصين والهند وماليزيا.. وإذا كانت الحجة المستخدمة دوما هى الزيادة السكانية، ففى بلد مثل تركيا يعتبرون البشر ثروة قومية ويدعون الناس إلى مزيد من الإنجاب، أتمنى فى عام 2011 أن نصبح أقل تعصبا خاصة للدين سواء الإسلامى أو المسيحى.. فلا أحد يمتلك حق التدخل فى معتقدات الآخرين، وأتمنى رؤية أحزاب حقيقية فاعلة أو بمعنى أصح أن نترك لها الفرصة كى تكون فاعلة فى حياتنا السياسية.
كل ما سبق كان على المستوى العام.. أما على المستوى الخاص فأتمنى أن أحتفظ بصداقاتى، هى ليست كثيرة ولكنها غالية جدا على قلبى، وكل عام تزداد غلاوتها فهى كالماس أو الذهب ترتفع قيمتها مع الوقت.
أتمنى رؤية أولادى ناجحين فى حياتهم، والأهم سعداء، وإن كانت السعادة نادرة فى هذه الدنيا.. فأتمنى على الأقل لهم أن يختاروا حياتهم بإرادتهم كيفما شاؤوا لا أن يُجبروا على اختيارات تفرضها الظروف والأيام، فأصعب ما فى الحياة أن تُجبر على ما لا تحب ولكن يبدو أننى وقعت فى نفس الفخ المتكرر الذى يقع فيه الكثيرون، فبدلا من اتخاذ قرارات وجدت نفسى أتخوف من الأمنيات.. القرارات تعنى إيجابية وتحتاج إلى جهد، أما الأحلام فبسيطة، أغلق عينيك أو اتركهما مفتوحتين وسوف تتسلل إليك.. لا مانع من الحلم، خاصة فيما لا نستطيعه وحدنا.. يعنى الجزء الخاص بالأمنيات العامة الذى بدأت به مقالى.. لكن القرارات أمرها مختلف.. ويجب الآن أن أتخذ قرارات حاسمة، أولها أن أحاول الاستمتاع أكثر بالحياة.. يجب ألا يكون العمل هو المحور الرئيسى فى الحياة، طبعا هذا قرار أعلم جيدا أننى لن أستطيع الالتزام به، وأنا أعلم أن العمل يأخذ الوقت كله.
وأن ما يحدث فى بلادنا يجبرنا على الاستغراق فيه غصبا عن إرادتنا.. تعودت كل صباح قراءة الصحف ومتابعة آخر الأخبار اشتركت بالخدمات التى تجعلنا مطلعين على مجريات الأمور أولاً بأول.. وها هو أول قراراتى قد ضُرب قبل أن أتخذه أصلا.. سأحاول الاستمتاع بوجود أولادى فى حياتى أكثر قبل أن يستقلوا بحياتهم. ولكن هذا القرار أيضا ليس سهلا لى..
فما بين التزاماتهم الدراسية وأصحابهم يتبقى لى وقت قليل جدا.. ما يجب علىَّ فعلا القيام به هو الكتابة أكثر، ومع احتفاظى بعادة القراءة إلا أن الإنترنت والفيس بوك يأخذان من الوقت المفترض أن يخصص للقراءة.. ماذا تبقى؟.. لست أدرى، ولكن حياتنا تفر بسرعة من بين أناملنا، لذا يجب علينا جميعا مع بداية عام جديد أن نعد أنفسنا لأن نكون أكثر تسامحا وأكثر تفاؤلا وأكثر إيجابية، وأن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا.. وأن نكون أكثر ولاء وانتماء.. باختصار أن نعمل على تحسين أنفسنا قبل أن نفقد الآخرين.. ومن يدرى لعلنا إن بدأنا بأنفسنا قد ننجح فى صنع المعجزات.. كل عام وأنتم بخير.
rola_kharsa@hotmail.com