ارتسمتْ على جبينٌكِ خريطة للغضب، كانت نشازاً مع التاج الأبيض الرقيق، وأنوثة ألوان الطيف على صفحة وجهٌكِ «البفته». توقعنا أن تأمرى فأنتِ الملكة بإلقائها خارج الفندق، لكن يبدو أنكِ استدركتِ حساسية الموقف، فسرعان ما شكَّلتْ ألوان طيفكِ، كرنفالاً من أضواء ذابت فيها تجاعيد الخريطة العابسة! واتسع صدُرِك.. وقلتِ: «هى مفروضة علىّ، فلا لزوم للفضائح، فربما لا يلاحظ الناس أنها أختى». ثم استحضرتِ فى نفسكِ أرق إحساس وأرهف إشفاق لعروس مثلك، تجاه شقيقة لها - أنتِ وهى - كأنكما (فولةُ وانقسمت نصفين) لولا ما انطبع عليها من (طَمش) عجيب!، وذلك الملح المجنزر فى تضاعيف نحرها، والقشف الُمُضَّمخ بالحناء على ظهر كفيها وذراعيها، حينما تنحسر عنها أكمامها، وعلى شقوق كعبيها.. فقلتِ دعيها وهمومها، فكفى ما هى فيه، فمن الليلة.. سوف يطول تقلّبها فى سريرها، ولن تجد ضفائرى بعد اليوم، كى تظل تعبث فى تلافيفها، فأصرخ فى وجهها، ولا تكُف عن عبثها حتى أغيب فى النوم. كما أنها لن تجد هياكل العظم، ولا الجمجمة.. لكى تحضنها وتُقبِّلها.. وتغنى لها الأغنية التى تلبَّستها بعد واقعة البطة والكتاكيت»! ... فمن يوم أن سقطت بطَّتهم الوحيدة فى البئر، وسقط فى إثرها سرب من صغارها الخُضْر، من ساعتها وهى لا تكف عن ترديد: شر شير.. شير.. شير بطتنا وقعت فى البير وكان أبوها ينهرها، تشاؤماً وخوفاً من أن يكون ما ينفرط منها، فألاً نحساً على جاموستهم.. الوحيدة أيضاً. لكن يا ترى حينما نكون فى قاعة «ألف ليلة وليلة» أيضا نقول «كوشة»؟ خَجِلتُ أن أسأل أحداً، فكفى ما تفعله بهيجة فى الهيلتون! بهيجة ترقص فى الهيلتون!! فى ذات المكان.. الذى تدب عليه أقدام وإيقاعات وتوقيعات وتقاسيم، لأروع سيقان َقدِمت من على مُنزلقات الجليد فى روسيا، أو خرجت من غيطان القمح فى مصر! تجلسينَ بجوار عريسك فى الكوشة، وعلى رأسك الطرحة التولِّلى، بينما هو على رأسه شال أبيض وعقال! هو لم يكف منذ بدأتْ بهيجة فى الرقص عن القهقهة والكحة والحشرجة! فطغت عليكِ نوبة من الأسف الشفيف المُغلف بابتسامة مواربة، قد تتطور إلى ضحكة صامتة، وتضربين كفاً بكف، ربما لتصرفين الأنظار عن محاولة ربطهم بين «فصَّى الفولة». تحفة.. والله تحفة! ولو أن «شكوكو أو إسماعيل يس»، واحدا منهما هو الذى يرقص، ما ضجَّت القاعة بهذا النشيج الضاحك، فلا نعرف، من بين ثنايا شنهفاتهم، ورغرغة الدموع فى عيونهم، أن كانوا يبكون أم يضحكون! «... كان الواجب أن تقول أنها سترقص فى فرحى، كنا أجبرناها على حك حراشف قدميها، وكنا ألبسناها - غصباً عنها - جلباباً مغسولاً». هى حاجة من اثنتين: إما كنتم تُقيمونَ الفرح فى العزبة، وإما كان واحداً ممن لهم تأثير عليها، يمنعها من أن تنفلت وتركب معهم الميكروباص لتذهب إلى كورنيش النيل، كورنيش النيل «مرة واحدة»! وهل كان «الشيخ» يرضى بأن يكون زفافه فى عزبة؟ وإن كنا نظن أن أحداً مهما كان، لم يكن ليقدر على واحدة عيارها مفلوت!. طورت بهيجة كوميدية الموقف، إذ شرعت فى إنزال طرحتها السمراء، وراحت تتحزم بها، فزغر لها أبوها، التقت عينها الناعسة على كتفها، بعين أبيها الزاغرة، فلم تهتم، وواصلت حنجلتها وتفقيرها مثل مجاذيب الزار فى تطويحات سريعة ومتتابعة وهى تغنى: شر شير.. شير.. شير بطتنا وقعت فى البير