رغم أن الساحة السودانية تزداد سخونة مع بدء العد التنازلى لإجراء الاستفتاء، المقرر فى 9 يناير المقبل لتقرير المصير، بشأن انفصال جنوب السودان، والمتوقع أن يسفر عن ميلاد دولة السودان الجديد بعد الانفصال عن شمال البلاد، فإن دفاع الرئيس السودانى عمر حسن البشير عن شريط مصور لجنود سودانيين يجلدون امرأة سودانية على رأسها، وتصريحه بأن انفصال الجنوب يعنى انتفاء مبرر التنوع العرقى فى البلاد، مما يؤدى بالضرورة لتطبيق الشريعة الإسلامية، يزيد تلك الأوضاع سخونة وتعقيداً. ورفضت الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة السابقة فى الجنوب تصريح البشير وتوقعت أن يؤدى لمزيد من العزلة والقمع بالنسبة للقوى السياسية فى الشمال، وقد يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، عندما رفضت كل القوى السياسية السودانية قوانين تطبيق الشريعة التى أصدرها الرئيس الراحل جعفر نميرى عام 1983 وعرفت فى ذات الوقت بالقوانين «سيئة السمعة» أو قوانين سبتمبر، حيث كانت الحدود وقطع الأيدى والأرجل تطبق على الفقراء لأتفه الأسباب ولا تطبق على الأغنياء. وتسببت هذه القوانين فى اندلاع التمرد للمرة الثانية فى جنوب البلاد، بقيادة الجنرال الراحل جون قرنق، فيما رفضها كل القوى الوطنية التى اتهمت الزعيم حسن الترابى، رئيس حزب المؤتمر الشعبى، بالإيعاز للنميرى بإصدار تلك القوانين، ولكن الترابى تنصل فى حواراته الصحفية من ذلك وقال إنه وضع مسودات للقوانين تسير فى تطبيق الشريعة فى البلاد بشكل تدريجى، ولكن نميرى غيرها بالقوانين «سيئة السمعة»، التى ظل إلغاؤها مطلب كل القوى السياسية، على اختلافها. يشار إلى أنه بعد توقيع اتفاق السلام الشامل الذى وضع حدا للحرب الأهلية فى البلاد عام 2005 أصدر البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان دستورا مؤقتا ينتهى العمل به فى يوليو 2011. ويعترف الدستور المؤقت، المستند إلى الشريعة الإسلامية والتوافق الشعبى (دون أن يعترف بأن الشريعة المصدر الوحيد للتشريع) بالتنوع العرقى والثقافى والدينى فى السودان، كما جعل الإنجليزية لغة رسمية إلى جانب العربية. وشهدت منتديات الإنترنت السودانية جدلا بشأن تصريح البشير عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وتعجب البعض من الحديث عن واقعة جلد امرأة سودانية باعتبارها واقعة جديدة، رغم أنه يتم تطبيقها على الرجال والنساء الخارجين عن القانون منذ ما يزيد على ربع قرن. ويحذر المراقبون فى السودان من أن بناء دولة إسلامية خالصة فى الشمال بعد انفصال الجنوب المرتقب سيضر بالعلاقات الخارجية للسودان، فضلا عن صعوبة تحقيقه داخليا، حيث يوجد فى الشمال قوة علمانية وشيوعية لن ترضى بالشريعة الإسلامية رغم إسلامهم وسيؤدى لاحتمال تقسيم شمال البلاد إلى 3 دويلات (دارفور وجبال النوبة وشرق السودان). وانتقدت الحركة الشعبية لتحرير السودان تصريح البشير وقالت إنه من شأنه أن يشجع على التمييز ضد الأقليات فى الشمال ويزيد عزلة البلاد وسيشجع على القمع فى الشمال: وأن هذا النوع من الخطاب يمهد السبيل لدولة بوليسية، وأضافت أن الشمال سواء أكان مع الجنوب أم دونه مكان شديد التنوع، وأكدت الحركة أن موقف الشمال المتشدد بشأن تطبيق الشريعة دفع الجنوبيين نحو الانفصال واذا استمر الشمال على هذا الطريق فسيشجع مناطق أخرى على الانفصال.