كل ما أرجوه من القارئ العزيز، أن يتمهل قليلاً، وهو يقفز فوق هذه السطور، لأنى أريد أن أصل من ورائها، فيما يتصل بانتخابات مجلس الشعب الأخيرة، إلى فكرة محددة، وهى فكرة بطبيعتها لا يمكن الوصول إليها، ولا استيعابها، إلا من خلال فهم ما جاء قبلها! فحين هاجم سمك القرش السُّياح، فى شرم الشيخ، قيل من بين ما قيل، إن إسرائيل كانت وراء إرسال هذا النوع من السمك إلى شواطئنا، خصوصاً شاطئ شرم الشيخ طبعاً، من أجل ضرب موسم السياحة هناك، وهو كلام كما ترى لا يخلو من منطق، لولا أنه لا يستند إلى دليل، لأن أى شخص يقول بهذا الكلام، فى تفسير هجوم القرش على سائحينا، فى هذا الوقت بالذات، أى قبل أعياد الميلاد، ليس مطلوباً منه، أقصد هذا الشخص، إلا أن يقول لنا ما هو برهانه على ما يقوله! وبطبيعة الحال، فإن تفسير هجوم القرش، بهذه الطريقة، فيه عيب قاتل، وهو أنه يعفينا جميعاً من تشغيل عقولنا للبحث عن أى سبب آخر، يمكن جداً أن يكون هو السبب الحقيقى، فعلاً، وراء الهجوم، وحتى لو افترضنا أن إسرائيل كانت وراء ما حدث، فإن وجودها على هذه الصورة، فى عمق أمر يخصنا، ليس دليلاً على قوتها، بقدر ما هو مؤشر على خيبتنا! وما نخشاه، أن تهب رياح الخماسين، مثلاً، فى أى توقيت مقبل، فلا نجد لها تفسيراً، إلا أن تكون تل أبيب قد ألقت بالتراب الذى تحمله تلك الرياح، فى اتجاهنا، واتجاه حدودنا، وساعتها سوف نريح أنفسنا تماماً، من عناء التفكير لتفسير وفهم أى ظاهرة، سواء كانت هجوماً للقرش، أو هبوباً لرياح! ثم نأتى بعد ذلك كله، إلى أصل الحكاية، وهو انتخاباتنا الأخيرة التى ألقت بأى معارض حقيقى خارج البرلمان، وصمم الحزب الوطنى فيها على أن يستحوذ على المجلس استحواذاً لم يسبق له مثيل، مع أنه، كحزب، كان فى إمكانه أن يدرك أن سيطرته على 75% من أعضاء البرلمان لا 99% تكفى وتحقق له النتيجة نفسها التى يريدها من وراء هذه السيطرة الحاصلة، فليس سراً على أحد، أن انتماء ثلثى أعضاء البرلمان إلى الحزب الوطنى، يجعل الحزب قادراً فى أى وقت على تمرير ما يشاء من مشروعات قوانين، وبالتالى، فقد كان بقليل من العقل لا كثير منه، قادراً على أن يكون المجلس مجلسه بالكامل، وتكون المعارضة، فى الوقت نفسه، حاضرة، وموجودة، وفاعلة، ومؤثرة، بما يتناسب على الأقل مع تاريخ بلد كان قد شهد ميلاد أول برلمان فى المنطقة كلها، دون استثناء، عام 1866. ولذلك، أرجو ألا يُصاب أحد بالخضة، إذا قلت إنى أعتقد أن إسرائيل كانت بشكل أو بآخر، وراء ما جرى فى انتخاباتنا، لا لأنى، لا سمح الله، أميل إلى الأخذ بنظرية المؤامرة الشهيرة، فى تفسير ما نعجز عن تفسيره من ظواهر، ولكن لسبب آخر بسيط جداً، هو أننا يستحيل أن نفعل فى أنفسنا ما فعلناه فى الانتخابات، وبالتالى فنحن فى حاجة إلى عدو يفعله فينا!