صباح السبت الماضى، كان الحزب الديمقراطى الكردستانى فى شمال العراق، يعقد مؤتمره الثالث عشر، ولكن فجأة ودون مقدمات، أعلن مسعود بارزانى، رئيس إقليم كردستان، فى أثناء المؤتمر، أن الأكراد يملكون حق تقرير المصير، شأنهم فى ذلك شأن أى شعب آخر فى العالم! وما كادت وكالات الأنباء تذيع الخبر، حتى أثار، ولا يزال، صخباً واسعاً، خارج العراق، وفى داخله أكثر بالطبع! وربما يكون أغرب ما قيل من جانب بعض السياسيين العراقيين، رداً على الخبر، أن الدستور العراقى نفسه، يكفل مثل هذا الحق، ليس للأكراد وحدهم، وإنما لأى إقليم عراقى، وهو ما يعيدنا إلى ما كنا قد قلناه مراراً فى هذا المكان، من قبل، من أن الأمريكان الذين اشتركوا فى وضع مواد هذا الدستور بعد صدام حسين، قد أسسوا لدستور يمزِّق البلد، ولا يوحده، رغم أنهم، كأمريكان، يخضعون لدستور فى بلادهم، يوحدها ولا يمزقها، كأنهم لا سامحهم الله، والحال كذلك، قد تصرفوا على أرض العراق، على النقيض تماماً مما فعلوا ويفعلون فى بلدهم! وفى كل الأحوال، فإن اتجاه إقليم كردستان، فى الشمال العراقى، إلى حق تقرير المصير، أى الاختيار بين أن يستقل عن الجسد العراقى، وبين أن يكون جزءاً منه، إذا كان كخطوة سوف تكون لها ميزة، فهى توحيد الشيعة فى جنوب العراق، والسنة فى وسطه، ضد الأكراد فى الشمال، حتى ولو كانت سوف توحدهم مؤقتاً، وسوف يكون لها فى الوقت ذاته، عيب قاتل، وهو أن صراعاً بين الطرفين، فى الجنوب والوسط من ناحية، والشمال من ناحية أخرى، سوف ينشأ بقوة وعنف، حول مناطق النفط، خصوصاً كركوك فى الشمال، وهى منطقة، كما هو واضح من موقعها، تقع ضمن سيطرة الأكراد! وإذا كان هناك شىء يجب أن يقال فى هذا المقام، فهو أن معاناة الجنوب والوسط والشمال، فى أيام صدام حسين، كانت واحدة، ولم يكن هناك موقع يعانى أكثر أو أقل من الآخر، ولذلك، إذا جاء وقت الاستفادة من البترول، كثروة فى العراق، وإذا جاء وقت توزيعه على العراقيين، فإنهم جميعاً دون تفرقة بين جنوب وشمال ووسط، يجب أن ينعموا به، وأن يستفيدوا منه، وأن يكونوا فى الاستفادة سواء! الثروة فى أى بلد، هى ملك لكل مواطن، ولا يجوز أن يستأثر بها واحد، دون الآخر، أو طائفة دون أخرى، ولعلنا نلتفت هنا، إلى أن الجنوب فى السودان، إذا كان قد اختار أن يذهب إلى استفتاء يوم 9 يناير المقبل، حول ما إذا كان يفضِّل البقاء ضمن السودان الموحد، أم يستقل عنه، فإنه قد ذهب إلى هذا الاتجاه، ليس حباً فى تقرير المصير، فى حد ذاته، ولكن لأن الناس فى الجنوب يشعرون بأن الثروة فى بلدهم، ليست موزعة بالعدل بينهم جميعاً، شمالاً وجنوباً، دون استثناء.. وكذلك الحال فى اليمن! ولهذا وحده، قيلت تلك العبارة الخالدة، التى لا يرقى إليها أى شك فى أى وقت، وهى: العدل أساس المُلك!