«العمل» تحرر 6185 محضرًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 22 يومًا    انتخابات مجلس النواب.. أسماء محافظات المرحلة الثانية    جامعة قناة السويس تشارك في معرض تراثنا الدولي (صور)    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 بأسواق الأقصر    سعر الذهب اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 وعيار 21 للبيع.. خبير يكشف توقعات الفترة المقبلة    مساء اليوم.. الجيزة تعلن قطع المياه 6 ساعات عن هذه المناطق (تفاصيل)    الفيدرالي الأمريكي والإغلاق الحكومي، هل تتغير قواعد اللعبة بعد تهديد ترامب؟    وزير الزراعة: لا تهاون مع المتلاعبين بالأسمدة.. ووقف الدعم في هذه الحالة    تكريم الشركات المصرية المساهمة في صيانة "كيما" بحضور وزير قطاع الأعمال    «اعتقدنا أنه هجوم نووي».. انفجار مصفاة نفط يثير الرعب في لوس أنجلوس (صور)    جيش الاحتلال ينشئ موقعا عسكريا قرب شارع الرشيد بمدينة غزة    أول تعليق من الفصائل الفلسطينية حول خطة ترامب    سلوت يثير الجدل بشأن إصابة نجم ليفربول.. ويكشف موقف إيكيتيكي    كرة القدم النسائية، الأهلي يواجه فريق مسار في بطولة الدوري اليوم    بوستيكوجلو: لا يمكنني التحكم في رأي الجماهير بشأن المطالبة بإقالتي    مصرع شخصين وإصابة آخر في انقلاب سيارة بطريق رأس غارب- الغردقة    مخرج «استنساخ»: سامح حسين مغامر واعتبره رمزًا تأثرت به كثيرًا    وعكة صحية تضرب محمد زيدان، تعرف على التفاصيل    أفضل الأعمال المستحبة في يوم الجمعة.. الإفتاء توضح    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    فوائد السمك للطفل الرضيع وشروط تقديمه    طارق الشناوي يشيد بفيلم «فيها إيه يعني»: مختلف وجريء.. يُبكيك ويُضحكك    غدًا.. استكمال محاكمة سارة خليفة و27 متهمًا بتخليق المواد المخدرة وتصنيعها    مواعيد مباريات الجمعة 3 أكتوبر.. البنك الأهلي ضد المصري والدوري الإنجليزي    الصين تدعو لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    أحمد ربيع يقترب من الظهور الأول مع الزمالك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 3-10-2025 في محافظة قنا    إسرائيل تستهدف منظومة دفاعية لحزب الله في جنوب لبنان    بريطانيا..مقتل 2 وإصابة 4 في هجوم دهس وطعن خارج كنيس يهودي    هل تتحقق توقعات ليلى عبد اللطيف بثراء 4 أبراج فى أواخر عام 2025؟    بوتين يحذر أمريكا من تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك    القنوات الناقلة مباشر لمباراة مصر ضد تشيلي في كأس العالم للشباب 2025    موعد شهر رمضان 2026 .. تعرف على غرة الشهر الكريم وعدد أيام الصيام    ليلى علوي تنهار من البكاء خلال مهرجان الإسكندرية.. اعرف التفاصيل    تصريح صادم من سماح أنور عن المخرجة كاملة أبو ذكري    محافظ الإسكندرية عن التكدسات المرورية: المواطن خط أحمر ولن نسمح بتعطيل مصالحه    القبض على المتهم بالشروع فى قتل صاحب محل بالوراق    «كوكا حطه في جيبه».. أحمد بلال ينتقد بيزيرا بعد مباراة القمة (فيديو)    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    رياض الخولي أثناء تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي: "أول مرة أحضر مهرجان .. وسعيد بتكريمي وأنا على قيد الحياة"    سورة الكهف يوم الجمعة: نور وطمأنينة وحماية من فتنة الدجال    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حدث تاريخي.. أول ترشيح مصري منذ 20 عامًا    نائب محافظ سوهاج يكرم 700 طالب و24 حافظًا للقرآن الكريم بشطورة    مختار نوح: يجب محاسبة محمد حسان على دعواته للجهاد في سوريا    مدرسة المشاغبين، قرار صارم من محافظ القليوبية في واقعة ضرب معلم لزميله داخل مكتب مدير المدرسة    اللجنة النقابية تكشف حقيقة بيان الصفحة الرسمية بشأن تطبيق الحد الأدنى للأجور    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    انتداب المعمل الجنائي لفحص حريق مخزن وشقة سكنية بالخانكة    حزب الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    نائب محافظ سوهاج يكرم 700 طالب و24 حافظًا للقرآن الكريم بشطورة| فيديو وصور    أتربة عالقة في الأجواء .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    «هيدوب في بوقك».. طريقة سهلة لعمل الليمون المخلل في البيت    ضيفي ملعقة «فلفل أسود» داخل الغسالة ولاحظي ماذا يحدث لملابسك    انفصال 4 عربات من قطار بضائع بسوهاج    أسعار الخضروات في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    منافسة ساخنة على لوحة سيارة مميزة "ص أ ص - 666" والسعر يصل 1.4 مليون جنيه    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى كابول «3-4»: العمامة الأزهرية مقدسة و«الإخوان» مسؤولون عن فكر «الجهاد»
نشر في المصري اليوم يوم 22 - 11 - 2010

«طلبنا أن ترسلوا لنا علماء الأزهر ليعلمونا سماحة الإسلام ووسطيته لكنكم أرسلتم لنا أيمن الظواهرى ورجاله، فأنشأوا القاعدة، ودعموا طالبان، وساهموا فى زيادة التطرف والإرهاب»، هذه الجملة كانت أبرز ما قاله لنا الدكتور عبدالله عبدالله، زعيم المعارضة الأفغانى، المرشح السابق للرئاسة، خلال استقباله فى بيته الأنيق والمحصن للوفد المصرى، الذى زار كابول على مدار أسبوع كامل، بتنظيم مشترك بين المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، ومركز كابول للدراسات الاستراتيجية.
لكن مقولة عبدالله، برغم براعتها، يعوزها الكثير من التفاصيل المهمة على أرض الواقع، فالأزهر موجود فى أفغانستان من خلال عشرات العلماء والشيوخ المصريين وبخريجيه الأفغان، الذين يملأون المعاهد الدينية والمساجد السنية، يعلمون الناس الدين الصحيح واللغة العربية الفصحى.
وخلال جولاتنا فى العاصمة، أدركنا حرص كبار المسلمين والسياسيين السُنّة على تواجد الأزهر وزيادة دوره فى أفغانستان، حتى إن معظم الشيعة الذين قابلناهم تحدثوا عن أهمية التنسيق مع الأزهر وإرساله للدعاة وللعلماء، وللأزهر قدسية هنا، والزى الأزهرى، خاصة العمامة الحمراء، تخلق هالة لصاحبها، تنقله من مصاف البشر العاديين إلى درجات عليا، وقال لنا أحد شيوخ الأزهر، الذين يديرون المعهد الأزهرى الدينى فى كابول، إنه عندما يريد أن يشترى شيئا لنفسه من أحد المتاجر، فإنه يحرص على ارتداء الجلابية العادية، لأنه إذا خرج إلى التسوق بزيه الأزهرى، فإنه لن يكفيه اليوم بطوله، بسبب تكالب الناس عليه بالعشرات، طلبًا للدعاء والبركة، أو لمجرد الحصول على صورة مع «عالم أزهرى».
أما أغرب الوقائع فى هذه الرحلة، والتى تأكدنا خلالها من عشق الأفغان للأزهر، وكذلك قيمة هذه المؤسسة الدينية العريقة، فجاءت خلال الساعات الأخيرة لمهمتنا هذه، وكانت يوم «جمعة»، طلبنا من منظمى الرحلة أداء صلاة الجمعة، وبرغم أن معظم هؤلاء المنظمين كانوا من الشيعة «الهزارة»، إلا أنهم اختاروا لنا مسجدًا هو الأفخم والأكثر تأمينًا فى كابول، واسمه «مسجد وزير أكبر خان»، الذى يتوسط عددًا من السفارات والشركات الأجنبية.. وخطيب المسجد واسمه محمد نيازى، حاصل على الدكتوراة فى الفقه المقارن من جامعة الأزهر.
وكان أبرز أعضاء الوفد المصرى فى هذه الرحلة، وهو الدكتور إسماعيل الدفتار، العالم الأزهرى، أستاذ الحديث، فى مقدمتنا لدخول المسجد، الذى وصلناه فى الواحدة ظهرًا، أى بعد الأذان بساعة وربع الساعة، لكننا علمنا أن المساجد تؤخر خطبة الجمعة حرصًا على حضور أكبر عدد من المصلين، وما إن رآنا الدكتور «نيازى»، الذى كان يخطب وأمامه الآلاف ونحن فى مؤخرة المسجد، وبيننا «الدفتار» بزيه الأزهرى، إلا وعلا صوته قائلاً: «تعالوا.. تقدموا الصفوف».
تركزت العيون حولنا وكنا أربعة، لكن الاهتمام كان منصبًا على الأزهرى المعمم، وبكثير من إلحاح الخطيب تجاوزنا الرقاب، ومع اقترابنا، قال الشيخ: «اطمئنوا إننى لم أبدأ الخطبة بعد.. مازلت فى الموعظة»، واستمر الرجل فى موعظته لنحو 45 دقيقة وكانت باللغة الفارسية، ولكن مع استشهاده بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، علمنا أنه كان يتحدث عن «الأضحية» وأصولها الشرعية، ورأى الفقهاء الأربعة فى توقيت ذبحها وأصول تقسيمها، غير أن الشيخ نيازى أورد رأى المذهب الحنفى أكثر من المذاهب الأخرى، علمًا بأن جميع السنة فى أفغانستان يتبعون المذهب الحنفى ويتعصبون له.
أنهى الرجل «الموعظة» ثم أذن المؤذن، فقام الناس وصلوا أربع ركعات، علمنا فيما بعد من الدكتور الدفتار، أن «الحنفيين» يصلون 6 ركعات سنة للجمعة، 4 قبلها واثنين بعدها، وبعد ذلك بدأ الشيخ فى خطبة الجمعة وبصوت عربى فصيح، وبلكنة أزهرية مصرية تحدث «نيازى» عن عيد الأضحى لمدة 7 دقائق فقط.. وبعد الصلاة حيا مصر والأزهر ودورهما فى خدمة القضايا الإسلامية ومناصرة أفغانستان بشكل خاص، وشكره الدكتور «الدفتار» وتحدث 5 دقائق عن أهمية العلم، وأن صلاح المسلمين فى انتصارهم فى السياسة والاقتصاد والزراعة، لكى تكون لهم الغلبة بعد ذلك، و«أن اليد العليا أحب إلى الله من اليد السفلى».
ولمحنا تزايدًا غير طبيعى لكاميرات المحطات التليفزيونية فى المسجد، وما إن انتهى «الدفتار» من كلمته، إلا وانهال عليه كل المصلين ليسلموا عليه أو يعانقوه.. ومن لم يستطع منهم كان يقبل يده أو عباءته فى منظر مؤثر، وبعد وقت طويل نجح الحراس المرافقون لنا فى إخراج الرجل إلى السيارات التى كانت فى انتظارنا.. لكن المشهد تكرر بطول اليوم على القنوات الأفغانية.
مشهد آخر عشناه فى كابول تحت ظل الفضائيات، فرجال مركز كابول للدراسات الاستراتيجية كانوا حريصين على إتمام الزيارة بعيدًا عن الإعلام، خوفًا علينا من أن ترصدنا أى جهة، خاصة طالبان أو عصابات الجريمة المنظمة التى اعتادت خطف الأجانب للحصول على فدية.. وكان منظمو الرحلة يخططون لعقد مؤتمر صحفى فى ختام الزيارة يركز على نتائجها وما جاء فيها، ولكن فى اليوم التالى مباشرة، وخلال زيارتنا لجامعة «ابن سينا» فى كابول، فوجئنا بوجود عدد كبير من الفضائيات لتسجيل زيارتنا، خاصة محاضرة الدكتور «الدفتار» عن «الإسلام المعتدل»، وهى محاضرة تمت إذاعتها أكثر من مرة على معظم الفضائيات فى كابول، وكانت الفعالية الأولى لنا فى كابول التى نشهد فيها أحد معالم الوجود الشيعى فى أفغانستان.
فقبيل بدء المحاضرة، بدأ شباب من طلاب الجامعة فى تلاوة القرآن الكريم، لكن لم يبدأ بالاستعاذة من الشيطان الرجيم ثم قراءة الفاتحة، لكنه بدأ ب «الصلاة على محمد وآل محمد ثم قرأ البسملة»، وفى نهاية القراءة قال: «صدق الله العلى العظيم».
ولم تستغرق المحاضرة أكثر من نصف الساعة، وحرص المنظمون على عدم تلقى أى أسئلة بعد أن علموا أن مجموعة من رجال الدين الشيعة قد جهزوا أسئلة لإحراج الشيخ، وجميعها عن «الأزهر»، وكيف حوله المصريون من مؤسسة «شيعية» إلى جامعة سنية، كما أنهم سيركزون على رأى السنة فى «الجهاد» وكذلك موقف الأزهر بشكل خاص ومصر بشكل عام من حزب الله، لكن الشيخ وافق على الإجابة عن سؤال واحد حول «طالبان» و«القاعدة»، وحكم العمليات التى يقومون بها، وهل هى جهاد حقيقى أم خروج عن الإسلام، ورد «الدفتار» بأنه لا يمتلك المعلومات، وأن «الفقيه» عليه ألا يستقى معلوماته من وسائل الإعلام فقط، وصولاً لفتوى صحيحة وشرعية، لكن الإسلام أكد الحفاظ على النفس البشرية، وأن إرهابها من المحرمات.
وتكررت خلال زيارتنا دعوة عدد من الرموز السياسية لكى يلعب الأزهر دورًا مهمًّا فى محاربة التطرف، وقال محمد كريم خليلى، نائب رئيس أفغانستان، إن «الأزهر له تأثير فى العالم الإسلامى، ونأمل فى أن يقوم بدوره فى معالجة الفكر المتطرف بنشر المفاهيم الصحيحة للإسلام.. «انطلاقًا من فهمكم أنتم كمصريين لخطورة الإرهاب ومقدرتكم على الانتصار على الإرهابيين خلال السنوات الماضية».
أما محمد يونس قانونى، رئيس البرلمان الأفغانى، الذى استقبل الوفد المصرى فى مكتبه بالبرلمان، بعد إجراءات أمنية بسيطة، فقال لنا: «نحن مشتاقون لحضوركم كمسلمين وكمصريين، نطلب وجودكم كأصدقاء ومعلمين للشعب الأفغانى.. وطوال تاريخنا الحديث نفخر بأساتذة الأزهر، سواء الذين تعلمنا على أيديهم هنا أو الذين ذهبنا إليهم فى القاهرة»، وأضاف: «مصر الآن لديها خبرة طويلة فى مكافحة الإرهاب والتطرف، ونحن نريد الاستفادة من هذه الخبرة، نريد أيضاً مكافحة الفهم غير الصحيح للدين الإسلامى.. صحيح أنه لا وجود لحركة طالبان لديكم، ولكنكم نجحتم فى كبح جماح الجماعات المتطرفة»، وشرح وجهة نظره فى الإرهاب الذى تمارسه القاعدة بقوله: «على مدار سنوات كان لدى هؤلاء استراتيجية لجعل بلدنا عاصمة للإرهاب والتطرف فى العالم كله، وعندما تم لهم ذلك خلال سنوات حكم طالبان فجروا مبنى البنتاجون فى واشنطن، والبرجين فى نيويورك، إضافة إلى التفجيرات فى أفريقيا وأوروبا.. ونحن نريد الآن أن نغير هذه الصورة وألا يكون بلدنا عاصمة للتطرف».
والسفارة المصرية فى كابول تشغل فيلا متوسطة الحجم، وهى إيجار وليست تمليكًا، وقبل عدة سنوات، وعقب سحب البعثة الرسمية خلال حكم طالبان، قامت «الخارجية» بيبع الفيلا التى كانت تمتلكها وتشغلها السفارة، ولكن مصر تمتلك قطعة أرض فى موقع جيد للغاية سيتم بناؤها كمقر دائم للسفارة والبعثة الرسمية فى المستقبل.
لم نلتق السفير المصرى لحرص اللواء أحمد فخر، رئيس مركز الدراسات المستقبلية والاستراتيجية، واللواء عادل سليمان، المدير التنفيذى للمركز، على التأكيد بأن زيارتنا غير رسمية، وهى نتاج «المجتمع المدنى المصرى»، الذى يريد أن يفهم الواقع الأفغانى، بعيدًا عن التقارير الرسمية، لكن تامر سالم، سكرتير أول السفارة، كان حريصاً على مرافقتنا، وقدم إلينا معلومات مهمة ودقيقة عن الحياة الاجتماعة والسياسية للأفغان، والرجل وافق على طلب «المصرى اليوم» الجلوس مع رجال الأزهر العاملين فى أفغانستان، وتم ذلك فى مقر السفارة المصرية، وللعلم، فإن عدد هؤلاء العلماء والشيوخ 45، لكن اللافت أن 40 منهم كانوا يؤدون مناسك الحج وقت زيارتنا لكابول.
وقال لنا الشيوخ الخمسة إن مسؤولى وزارة الأوقاف وشؤون الحج حريصون على أن يقوم شيوخ الأزهر بالسفر كمرافقين للبعثة الرسمية الأفغانية لتعليم الحجاج مناسكهم، وأن هذه العملية أصبحت عرفًا سنويًّا، وذلك لإيمان المسؤولين هنا بأن «الأزهرى» يعلم فرائضه أكثر من بقية الشيوخ والطوائف هنا، ولقربهم الروحى من الأزهر.
وكان لدينا انطباع بأن جميع هؤلاء المبعوثين الأزهريين يعملون فى المعهد الدينى الذى أنشأته مصر ويديره الأزهر، لكننا علمنا أن 17 منهم فقط يعملون فى هذا المعهد، والباقون يدرسون فى كليات ومعاهد أخرى مثل كلية الدعوة بجامعة كابول، ومدرسة السيدة عائشة للفتيات وكلية أبوحنيفة، وعندما سألناهم عن تدريس عدد منهم للبنات فى مجتمع محافظ كأفغانستان، قالوا إن مدارس البنات التى تعلم الشريعة لا يسمح بالتدريس فيها إلا للمدرسات ولرجال الأزهر فقط، سواء كانوا مصريين أو أفغاناً.
والمعهد الأزهرى به 13 فصلاً دراسياً ويضم 300 طالب من الذكور، وبعد 3 أعوام سيخرج أولى دفعاته بحصول الطلاب على الثانوية الأزهرية، وتدور مناقشات حالياً حول مصير هؤلاء الطلبة، وهل سيتم إيفادهم جميعا للدراسة بجامعة الأزهر فى مصر، من خلال المنحة التى تقدمها مصر للطلاب الأفغان وتشمل 200 طالب سنويًّا، أم سيتم التفكير فى إنشاء فرع لجامعة الأزهر هنا، وهذا الطلب سمعناه كثيرًا خلال زيارتنا، وخاصة مع التواجد الإيرانى الشيعى المكثف فى كل المجالات، وفى المقابل، قال لنا مسؤول مصرى إن هناك خططًا بالفعل لإنشاء معاهد أزهرية فى أكثر من مدينة خارج كابول، بالإضافة إلى افتتاح معهد للفتيات، وصولاً إلى إقامة فرع لجامعة الأزهر، لكن هذا التوسع مرتبط بتحقيق الأمن وبالتحديات التى سيمثلها هذا التوسع لأدوار تلعبها دول أخرى، وأنها قد تسعى لإفساد هذا المشروع بوسائل غير شرعية.
وسألنا الشيوخ الخمسة، الذين جاءوا للسفارة بزيهم الأزهرى، عن رؤيتهم لتطوير التواجد الأزهرى هنا، وقال الشيخ عبدالفتاح إبراهيم البرماوى، وهو مدرس بكلية الشريعة فى جامعة كابول، إنهم يقبلون هنا بمعادلة الشهادة الإسلامية بشهادة الأزهر الشريف، ومطلوب قبل ذلك تعميم مناهج الأزهر على جميع المدارس الأفغانية، لأنه لا يوجد لديهم مناهج للعلوم الشرعية بالمفهوم العلمى، وطالب «البرماوى» بافتتاح معهد للبنات، ويرى أنه أهم حاليا من افتتاح فرع الجامعة.
أما الشيخ خفاجى المعطاوى، الذى يعمل مدرسًا للغة العربية فى المركز الإسلامى، التابع لوزارة المعارف، فدعا لتدخل الأزهر فى تطوير مناهج اللغة العربية فى المدارس الأفغانية، وقال: «المنهج مقسم وفقًا لطبيعة دراسات اللغة، لكنه قديم ولا يتناسب مع الحياة المدنية ومفرداتها، فدروس النحو ليست مرتبة، وصعبة ولا تليق بالطالب «الأعجمى» ومعظمها موضوع فى باكستان، أما دروس القراءة فتركز على قضايا تجاوزها الزمن»، ونوه المعطاوى إلى أن المركز الإسلامى يطلب زيادة شيوخ الأزهر.
أما الشيخ السيد على سالم، الذى يعمل فى معهد السيدة عائشة للفتيات، فقال إنه يشفق على الطالبات من المناهج الحالية، ودعا شيخ الأزهر لافتتاح معهد أزهرى للفتيات، وتنظيم الأزهر دورات شرعية وفقهية فى علوم اللغة العربية للنساء هنا، وقال: «هن شغوفات باللغة العربية، والنساء يثقن فى علماء الأزهر إلى أقصى حد، والحمد لله فإننا جميعا على مستوى هذه الثقة، والأفغان مطمئنون على بناتهم فى فصولنا».
أما الشيخ صلاح سيد عبدالغنى، وهو مدرس قراءات وتجويد فى المعهد الأزهرى، فقال إن لديه تلاميذ فى الصفين الأول والثانى الابتدائيين يحفظون نصف القرآن، ومعظم التلاميذ يتحاورون خلال الدراسة فيما بينهم باللغة العربية، وأضاف: «فى طابور الصباح يحيى الطلاب العلم الأفغانى ثم ينشدون بصوت عال نشيداً عن الأزهر مطلعه:
نحن أبناء الأزهر أقسمنا جميعًا ألا نُقهر
ويعلّم الشيخ صالح عواد، وهو مدرس بمدرسة السيدة عائشة، الفقه الحنفى للطالبات الأفغانيات، ويقول: البلاد مغلقة هنا على بقية المذاهب دون «الحنفية» ولكننا وبقدر المستطاع نعلمهم بقية المذاهب من خلال «الفقه المقارن» وآراء المذاهب الأخرى فى قضية فقهية بعينها.
وسألنا الشيوخ الخمسة، عن سيطرة هذا المذهب هنا، فقالوا إن الامام أبوحنيفة، فارسى الأصل، وله جذور أفغانية، وهى معلومة أكدها لنا الدكتور إسماعيل الدفتار، وقال إن له جدًّا من منطقة فى أفغانستان تدعى «بلخ».. ووفقاً للشيوخ وللدفتار فإن المذهب الحنفى هو الأيسر ضمن المذاهب الأربعة، ولذلك أقبل عليه غير العرب، وخاصة الفرس منهم، غير أن السؤال الذى كررناه على مسمع أكثر من شيخ هنا: «كيف يتنج هذا المذهب المتسامح فكرًا متشددًا متمثلاً فى فكر طالبان.. وكيف نجح رجال يؤمنون به فى التواصل مع فكر القاعدة المتشدد والتكفيرى؟».
ورغم الظروف الأمنية القاسية، والتعليمات المشددة لأفراد البعثة الأزهرية بالحرص خلال حركتهم فى كابول، فإن للبعثة أنشطة اجتماعية ودينية مؤثرة هنا، فهم يشاركون فى واجبات العزاء التى تقام فى المساجد، ويطلبهم شيوخ القبائل لإلقاء الدروس الدينية فى بعض المناسبات.. لكنهم حريصون على صلاة الجمعة بمقر البعثة الأزهرية، حيث ينتابون فى إلقاء الخطب، ويفد إليهم المصريون هنا للصلاة معهم، علمًا بأن عدد العمال المصريين فى أفغانستان، وفقاً لتقديرات السفارة، يتجاوز الألفين معظمهم يعمل خارج كابول فى إحدى الشركات الكبرى العاملة فى مجال الإنشاءات، إضافة إلى عشرات العاملين فى كابول ضمن فريق إحدى شركات الاتصالات الخليجية.
صورة مصر فى أفغانستان لها تفاصيل أخرى تضاف إلى الأزهر وسماحته، فالتعبير الذى استخدمه عبدالله عبد الله زعيم المعارضة وهو «أن الظواهرى مصرى» وأن لأفكاره انعكاسًا سلبيًّا على الشعب الأفغانى، له أصداء هنا، وسمعناه بالتفصيل وبأبعاد جديدة حول التطرف الأفغانى وجذوره.
وخلال ندوة الحوار المصرى الأفغانى، التى نظمها مركز الدراسات المستقبلية والاستراتيجية ومركز كابول للدراسات الاستراتيجية على هامش زيارتنا، ذهب وحيد موجدى، وهو خبير فى الحركات الإسلامية، إلى أن جذور «الإسلام الجهادى» فى أفغانستان تعود إلى فكر الإخوان المسلمين.
وقال: «جاءنا فكر الإخوان عبر أكثر من طريق، ففى الستينيات بدأت العلاقة بين الشباب الإسلامى هنا ونظيره المصرى، وقرأ هؤلاء الشبان، خلال دراستهم فى القاهرة، فكر جماعة الإخوان المسلمين، وظهر هذا التأثر الإخوانى بوضوح فى أفكار أساتذة كلية الشريعة فى كابول والذين تخرجوا فى الأزهر.. ومن بين هؤلاء الشهيد علام محمد نيازى العميد الأسبق لكلية الشريعة».
رافد آخر للفكر الإخوانى، كما قال «موجدى» جاء عبر إيران، وأضاف: «طلاب المدارس الثانوية تأثروا بالفكر الإخوانى عبر الترجمات الفارسية عن الحركات الإسلامية المصرية، حيث قرأ هؤلاء الطلاب كتب سيد قطب ومحمد قطب، خاصة أنها كانت مترجمة بأسلوب جيد، وقام بترجمتها على خامئنى، الزعيم الروحى فى إيران حالياً.. وفى وقت (الجهاد السوفيتى) كان الجميع فى جبهة واحدة لمحاربة المحتلين الشيوعيين، وعندما حدث انشقاق فى صفوف الأفغان قام أحد المصريين بدور المصالحة، ونجح فى توحيد صفوف المجاهدين مجددا»، وتابع: «كثير من الشباب المصرى استشهد على أرضنا فى سبيل حصول أفغانستان على استقلالها»، وقال: إننا لم نستطع تقديم الشكر الواجب للمصريين، لكن هذا لا يمنع أن حروب هؤلاء المجاهدين، الذين كان من ضمنهم المصريون، على أراضينا، تسببت فى وجود «طالبان» وصولاً للواقع الراهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.