يبقي دور مصر كقوة إقليمية ذات تأثير فعال في مختلف القضايا محل جدل بين النخب السياسية, فهناك من يدعي أن هذا الدور قد تراجع أو انتهي تحت ضغط المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وانكفاء مصر نحو الداخل. هناك من يؤكد أن الدور مازال موجودا وأن مصر قادرة علي التأثير إذا أرادت, والحقيقة أن الدول لا تسعي إلي لعب دور في مختلف القضايا الإقليمية أو الدولية ذات البعد الاستراتيجي من قبيل الوجاهة السياسية, ولكن ذلك الدور لابد أن ينعكس بالضرورة علي المصالح الوطنية والأمن القومي خارجيا وداخليا كما هو الحال بالنسبة لمصر والقضايا المشتعلة من فلسطين, إلي العراق وأفغانستان ومن السودان, إلي الصومال, وكلها قضايا ذات تأثير مباشر وغير مباشر علي المصالح الوطنية المصرية, وعلي الأمن القومي المصري, ولا تملك مصر رفاهية تجاهل تلك القضايا بحكم مكانها ومكانتها, والدور بحكم طبيعته لا يقتصر علي مؤسسات الدولة وتحركاتها الرسمية, ولكنه يمتد إلي مختلف مؤسسات المجتمع المدني الاقتصادية كالغرف التجارية والصناعية, وجمعيات رجال الأعمال, والاجتماعية المعنية بالتنمية البشرية, والثقافية, والإعلامية, والإقليمية, والمؤسسات الدينية ذات الدور الأكثر تأثيرا في القاعدة العريضة من الرأي العام, بالإضافة إلي مراكز الدراسات والتفكير المعنية بالبحث والتحليل وتقديم التوصيات العلمية لصانعي السياسات والقرارات. من هذا المنطلق جاءت مبادرتنا في المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بتنظيم مشروع بحثي مشترك مع أحد مراكز الدراسات الأفغانية المرموقة مركز كابول للدراسات الاستراتيجية بهدف التعرف علي الأوضاع في أفغانستان بشكل مباشر علي أرض الواقع بعيدا عن الصورة الانطباعية التي خلقتها في أذهاننا وسائل الإعلام. وتم تشكيل مجموعة عمل من قادة الفكر والرأي ومستشاري المركز الدولي في مقدمتهم الدكتور إسماعيل الدفتار الأستاذ بجامعة الأزهر, والنقيب الأستاذ مكرم محمد أحمد, وعدد من الخبراء والباحثين. حملنا كل هواجسنا الأمنية وعشرات من الأسئلة التي تبحث عن إجابات حول القاعدة وطالبان وحول تطور الأوضاع السياسية وأزماتها, وحول الوجود العسكري الأمريكي وقوات حلف الناتو ودور المجتمع الدولي, وأيضا حول دور القوي الإقليمية في أفغانستان, وفي مقدمتها باكستان من ناحية وإيران من الناحية الأخري, ثم الدور الجديد والمتصاعد لكل من الهند والصين, وأخيرا والأهم بالنسبة لنا وهو ماذا عن الدور المصري, وعلي مدي زيارة امتدت ثمانية أيام من6 13 نوفمبر2010 وبرنامج عمل مكثف صباحا ومساء ثم تنظيم مجموعة من الأنشطة التفاعلية تضمنت ندوات عامة في إحدي الجامعات ولقاء عام في أحد أكبر مساجد العاصمة كابول وعددا من الندوات وورش العمل البحثية مع مجموعة من الأكاديميين والخبراء والمفكرين ورجال الإعلام والصحافة. وأيضا مجموعة من حلقات النقاش مع عدد من الشخصيات العامة رفيعة المستوي منها السيد محمد كريم خليلي نائب رئيس الجمهورية, والسيد محمد يونس قانوني رئيس البرلمان, والدكتور عبدالله عبدالله زعيم المعارضة وزير الخارجية والمرشح الرئاسي السابق, والدكتورة سيما سمار رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ونائب رئيس الجمهورية ووزيرة شئون المرأة السابقة والسيد محمود كرزاي شقيق الرئيس الأفغاني وأحد كبار رجال الأعمال ومؤسس حزب سياسي جديد, وأحد كبار رجال الدين آية الله محمد عاصف محسني مؤسس ورئيس أحدث وأكبر جامعة إسلامية في كابول وربما وسط آسيا جامعة خاتم المرسلين وأحد زعماء المجاهدين ضد السوفيت. دارت مناقشات طويلة ومعمقة اتسمت بالصراحة الشديدة شملت مختلف جوانب القضية الأفغانية وآفاق العلاقات المصرية الأفغانية, سيتناولها المركز الدولي بالدراسة والتحليل تمهيدا لنشرها في إصدار خاص بالإضافة إلي رؤية كبار الكتاب والمفكرين من أعضاء فريق عمل المركز. أصل من هذه المقدمة إلي الهدف من هذه المقالة وهو أننا إذا كنا ذهبنا إلي أفغانستان لنراها بعيون مصرية فإن ما فاجأنا أننا ومنذ الوهلة الأولي رأينا مصر بعيون أفغانية رأيناها بعيون الطلبة وهيئة التدريس والعلماء في جامعة ابن سينا خلال ندوة الدكتور إسماعيل الدفتار حول رؤية الإسلام للإرهاب ومفهوم الجهاد في الإسلام ورأيتها في آلاف المصلين الذين احتشدوا في أكبر مساجد العاصمة كابول عندما علموا بأن عالما أزهريا من مصر سيحضر صلاة الجمعة وطالبوه بإلقاء خطبة عقب الصلاة وأصر الآلاف علي مصافحته يدا بيد, وقنوات التليفزيون ووسائل الإعلام تغطي كل هذا رغم كل المحاذير الأمنية.. ورأينا مصر حاضرة في عقول ووجدان كل من التقينا بهم من رجال السياسة والفكر والإعلام, وعتابهم الرقيق علي الأزهر الشريف ودوره في تصويب المفاهيم المغلوطة حول الإسلام وسماحته واعتداله, وتأكيدهم علي أن مصر مرحبا بها علي كل المستويات, فهي تكاد تكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي ليس لديها أجندة, خاصة تجاه أفغانستان, وهم لا يطلبون الشئ الكثير يطلبون دعمهم بالدعاة والعلماء والمعلمين يطلبون فرعا لجامعة الأزهر يطلبون منحا دراسية لشبابهم في الجامعات والمعاهد المصرية يطلبون دعما ثقافيا وإعلاميا من أفلام ومسلسلات وبرامج دينية واجتماعية, بعد أن أصبح لديهم50 محطة تليفزيون منها8 محطات في العاصمة كابول وأكثر من400 إصدار صحفي يومي وأسبوعي, يطلبون تعاونا اقتصاديا من خلال المبادرات الفردية والأهلية, والاقتصاد الأفغاني يقوم حاليا علي القطاع الخاص والساحة لا يتحرك فيها الآن سوي الهند, والصين, وإيران.. تلك لمحات من صورة مصر في عيون الأفغان, ولم يبق علينا سوي أن نتحرك علي مختلف المستويات, والتحرك لن يكلفنا كثيرا.