سألتنى مذيعة «هايفاء» فى ثانى أيام العيد عن ذكرياتى كمؤلف كوميدى مع خروف العيد، فقلت لها وأنا سعيد لأنها ذكرتنى بالذى مضى، إننا كنا كل عيد كبير نشكل وفدا من أطفال شارعنا فى حى محرم بيه فى إسكندرية لنذهب لأحد الشوارع القريبة منا، لكى نشاهد تاجر المخدرات الذى يذبح خمسة عجول وعشرة خرفان يوم العيد، ويوزع لحومها على الفقراء الذين هلكت أجسادهم بفعل مخدراته رديئة الصنع. قاطعتنى محرجة: ما فيش ذكريات تانية عن العيد بس تكون كوميدية، عايزين نفرح الناس، قلت لها: فاكر مرة عسكرى أمن مركزى فتح دماغ عاطف جارنا لما ضربه بتوكة الحزام وإحنا رايحين نحضر أول حفلة لفيلم حنفى الأبهة فى سينما مترو، قالت لى: هى صعبة شوية بس يعنى ما فيش غيرها، قلت لها: أنا آسف أنا أذكر أننا مرة وإحنا صغيرين خالص بعد الرئيس السادات ما اتقتل رمينا بمبة من فوق السطوح على بوكس كان بيمشى فى الشارع، السواق اتخض وقام لابس فى القهوة اللى تحت البيت، كانوا قابضين على عيال سكرانة كانت بتعاكس، وفى ناس بتقول إنها كانت بتعاكس بس ما كانتش سكرانة، المهم إنهم هربوا والضابط كان نايم فى الدواسة. كنت أحكى وأضحك وعلى وشك أن أحكى لها عن ذكرياتى عندما كنت أتبول، وأنا لم أبلغ الحُلُم بعد، على صاحب محل الفحم الموجود أسفل بيتنا، فأفسد له فرشته التى أخرجها لتوه، لكننى قطعت تدفق ذكرياتى عندما اكتشفت أن المذيعة لاتضحك، قلت لها: هو أنا لَبّخت ولاحاجة؟ قالت لى: العفو، بس يعنى إحنا عايزين ذكريات تتذاع، قلت لها: كان نفسى بس والله غصب عنى، أصل بصراحة وأنا صغير كان العيد عندنا يوم النكد، مش فى بيتنا بس، فى كل بيوت العمارة ويمكن بيوت الحتة، ما أكدبش عليكى كنا بنفرح قوى أنا وكل عيال الشارع لما نصحا الصبح عشان نلبس الجلاليب البيضا ونجرى على جامع سلطان.. اللى هو أحلى جامع صليت فيه فى حياتى لما حضرتك تسافرى إسكندرية انزلى شارع عمر بن الخطاب، واسألى عليه هتلاقيه فى آخر الشارع، يعنى فركة كعب من عمود السوارى.. كنا نروح نصلى ونحاول نبين للكبار إننا حافضين الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ودايما نتلخبط فى الحتة بتاعة وعلى أنصار سيدنا محمد، عمرى ما عرفت أضبطها، مش عارف ليه، ستى كانت تقول لى عشان نيتك مش صافية، يمكن، لكن أول ما نخرج من الجامع الكبير يبدأ دمنا يتحرق لما نبص على اللعب اللى مع العيال اللى أبهاتها سافروا الخليج أو رزقهم الله من حيث لم يحتسبوا، كانت لعبهم الغالية بتضايقنا وتخلينا نتف على المسدس الصينى العيان أو السيف اللى بيتلوى أول ما نضرب بعض بيه أو الكورة اللى بتفرقع من غير ما عجلة تدوس عليها حتى، كنا بنحاول ننسى ده وإحنا بنشرب عصير قصب من الراجل اللى قدام جامع سلطان، ونحاول نحس إننا فرحانين بجد، نفتعل أى كلام عشان نتأخر على معاد مرواح ستاتنا للقرافة عشان ما نتدبسش فى المشوار الكئيب ده، نلعب ماتش كورة فى أى شارع جانبى محاولين الحفاظ على بياض جلاليبنا الناصع بفعل ساڤو مسحوق حمدى باتشان المفضل، ما إن تشتد حلاوة اللعب حتى يصبح لزاماً علينا المرواح منعا للتهزيق وقلة القيمة. ننتظر حتى يجف العرق وندخل البيت خاشعين متحججين بأننا ذهبنا لنصلى فى استاد الإسكندرية مع السنية تنفيذاً لوصية النبى عليه الصلاة والسلام بالصلاة فى الخلاء مع أن الاستاد مش خلا خالص، ثم نجبر على أن نظل هادئين طيلة النهار، لأن كبار البيت والبيوت المجاورة يقضون اليوم فى النوم لتعويض ما فاتهم من سهر خلال الأيام الماضية، لمحاولة تلبية احتياجات العيد دون أى تعجيز، ليس أمامنا سوى أن نلبد أمام التليفزيون الذى يذيع برامج أطفال مملة لعيال لايشبهوننا أبداً يرقصون ببلاهة مع مدام صفاء أبوالسعود ويغنون مع عمو محمد ثروت، والمذيعة تقطع كل أغنية بتهنئة السيد الرئيس المحبوب والأمة الإسلامية اللى كارهة عيشتها بالعيد. وأكمل ما قلته للمذيعة غداً بإذن الله إذا عشنا وكان لنا نشر. [email protected]