كل يوم يمر يؤكد ظاهرة تحول مصر من دولة موحدة إلى عدة دويلات يضمها اتحاد فيدرالى أو كونفيدرالى لا مثيل له فى دنيا الوحدات السياسية. فلم تعد المناطق الجغرافية أساس التقسيم، وإنما أصبحت الوزارات المركزية تتصرف وكأن كلاً منها يتبع دولة منفصلة عن الأخرى لدرجة تثير الشبهات والمخاوف على الأمن القومى لبلادنا بتمهيد الطريق لإسرائيل للسيطرة على سيناء بنعومة وبطء، فكلنا يذكر أن هناك قرارات صدرت منذ أيام الرئيس الراحل أنور السادات - عليه رحمة الله - بأن يكون الاستثمار فى شمال سيناء مقصوراً على المصريين فقط، وكانت وراءها الأجهزة الأمنية والعسكرية لضمان عدم تسلل إسرائيل خلف مستثمرين عرب أو أجانب، بسبب حساسية المنطقة، ولكن وزير الإسكان والتعمير وقتها المهندس حسب الله الكفراوى فوجئ، بما يشبه الصاعقة، بمكالمة هاتفية من السادات يخبره فيها بأن آريل شارون سيأتى لمقابلته لمناقشته فى كيفية تنفيذ موافقة السادات له أى لشارون للإشراف على مشروع لتطوير وزراعة منطقة تشمل من الفيوم إلى كركر مستغلاً خبرته فى زراعة المستوطنات الصحراوية وحسب رواية الكفراوى لأكثر من مرة فإنه لم يصدق ما سمعه ورفض وقال للسادات يا سيادة الرئيس هذه المنطقة تشمل السد العالى والدفاعات حوله.. وفوجئ السادات بهذه الحقيقة التى لم يكن يعلمها، وحتى يدارى المأزق قال للكفراوى ما أنا عارف إنك مش هتوافق له.. اتصرف معاه. وقام الكفراوى بواجبه الوطنى وأفشل الوعد الذى قدمه السادات، ولكن الغريب فى الأمر أن تتعطل خطط تعمير سيناء رغم إقامة كوبرى السلام العلوى فوق قناة السويس وقبله نفق الشهيد أحمد حمدى تحتها وتوصيل مياه نهر النيل إليها فى إطار مشروع ترعة السلام.. ويتوقف إكمال مد خط السكة الحديد إلى العريش وتبدأ الخلافات حول مصير الأربعمائة ألف فدان، التى سيتم استصلاحها: نوزعها على أهالى سيناء أم نجامل بها رجال أعمال النظام المساكين وأبناء السبيل والمؤلفة قلوبهم أم مناصفة ونبيعها أم نؤجرها؟ ومرت السنوات ولم يتم تعمير سيناء لتكون خط دفاع كثيف السكان أمام أى اندفاع إسرائيلى جديد ولمنع أى تفكير دولى لأن تكون منطقة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لأنها فارغة من السكان وشاسعة المساحة، وإنما أصبحت مصدر قلاقل وصدامات بين سكانها والنظام، ولكن الأخطر فى رأيى أنه منذ حوالى عامين بدأت تظهر دعوات وخطط لا تتضمن إلغاء كل القرارات الجمهورية بمنع غير المصريين من الاستثمار، وإنما فتحها بطريقة غير مباشرة أمام إسرائيل متخفية وراء رؤوس الأموال الأجنبية وكلنا يذكر المقال الذى كتبه منذ حوالى عامين زميلنا ممتاز القط، رئيس تحرير أخبار اليوم، معبراً فيه عن تفكير وخطط جناح داخل النظام بأن أفضل أسلوب لحماية سيناء فتحها أمام رؤوس الأموال الأمريكية والأوروبية والتركية بحيث تتكون مصالح لهذه الدول تمنع أى اعتداء عليها.. واللافت ألا تتم إعادة الحديث عن التعمير الذى توقف إلا بعد دخول رؤوس الأموال الأجنبية بالفعل، وبدأت بطريقة عجيبة وهى بيع الحكومة لشركة كربونات الصوديوم بالإسكندرية رغم أنها الوحيدة فى هذا المجال والموافقة للمشترين على تصفيتها إذا أرادوا وبيع أراضيها مع إعطاء الحكومة نصيبها من فرق البيع ثم الاتفاق على إنشاء مصنع لنفس المادة فى سيناء بمشاركة تركية بنسبة ثلاثين فى المائة، أى دخل الأجانب رسمياً. وكان محافظ الإسماعيلية منذ فترة غير قصيرة قد صرح بأنه يتم التفاوض مع مستثمرين أجانب لإقامة منطقة صناعية على الضفة الشرقية لقناة السويس فى سيناء تتضمن معرضاً جافاً ومصانع وأخيراً تم تقنين العملية بنشر صحف الخميس الماضى تصريحاً للمستشار الدكتور محمد حسنى، مساعد وزير العدل للتوثيق والشهر العقارى، قال فيه نقلاً عن زميلنا بالأخبار خالد جلال: «أما الأراضى فى شبه جزيرة سيناء فلا يجوز للشركات الأجنبية تملكها وإنما يمكن ضمها لها لاستغلالها عن طريق حق الانتفاع لمدد من سنة إلى 99 سنة، أما شرم الشيخ فأقصى حد للانتفاع 99 سنة، ويقوم مكتب تملك غير المصريين بوزارة العدل بمراجعة الشروط والطلبات ومنح الموافقة على التملك». وهذا ليس قرار وزارة العدل وإنما قرار أعلى منها طبعاً أى أنه لم يتم إلغاء كل القرارات الجمهورية فقط، وتم فتح الأبواب على مصراعيها أمام إسرائيل بحسن نية أو سوء، لأنه بعد أزمة وجيه سياج فى طابا ووقف الصفقة بعد إشراكه إسرائيليين معه فى المشروع سوف تتخفى وراء مستثمرين من جميع الجنسيات، وإنما الإهانة الوطنية التى يتضمنها القرار بأن تكون مدة الانتفاع 99 سنة لتذكيرنا بعقد تأسيس شركة قناة السويس، الذى كان بداية نهب مصر واحتلالها.. فهل ستعيد إسرائيل احتلال سيناء بالشركات هذه المرة؟ ولم لا وما توجه هذا النظام بالضبط الذى يسمح لأجنحة فيه بذلك.