الوفد وصراع الدكتوران وهذا الحزب المدجن والذي كان عظيماً وأصبح طرطوراً مزركشاً لطيفاً من طراطير المعارضة اسما والموالاة فعلاً بل وقولاً أيضاً، صراع حليفان قديمان كانا إلى وقت طويل من أسباب جمود وتدجين هذا الحزب العريق وكانا هما رأسا الحربة داخل الحزب لبقاء نعمان حاكم مستبد ولتجميد أي تطور وحراك داخل الحزب مما كانوا يريدون لهذا الحرب أن يرتقى ويعمل، ثم أطاحا بنعمان صديقهم وحبيبهم في الاستبداد والمعارضة الوهمية قبل أن يختلفا بعد ذلك. إنهم يملئون الإعلام كلاماً وصخباً لكنه بحق كثير من الضجيج ولا طحين على الإطلاق فالصراع يدور حول من له أقارب ومعارف وموظفين أكثر داخل الشيء العجيب المسمى بالهيئة الوفدية ومن يستطيع أن يستقطب باقي القلة ممن ليسوا موظفين أو عمال في عزلة كلاً منهما وأكثر ما يثير العجب أنهم يتوجهون بدعايتهم وعويلهم إلى الإعلام الموجه للشعب المصري كله وليس إلى القلة ممن هم أعضاء الهيئة الوفدية وكأن المعركة هي من يكسب شعبية الناس خارج الوفد وليس داخله، حتى أنه لا عجب في أن أحد الدكتوران يدفع الملايين من أجل عمل دعاية في صفحات هامة وكاملة في أهم الجرائد المصرية في استغلال رهيب لرأس مال غير واضح المعالم، فلو أنه سياسي حقيقي وله شعبية حقيقية لما قام بمثل هذا الفعل المشين فثمن صفحة واحدة كفيل بأن يوفر له إمكانية التواصل والحوار مع كافة أعضاء الهيئة الوفدية وهى للعلم لا تمثل الجمعية العمومية للوفد بل تمثل قيادات الحزب فقط في كافة ربوع مصر، وكأن هذا الصراع هو تمثيلية سخيفة مفضوحة برعاية كاملة من الحزب الحاكم ورائحة الصفقات المتوقعة بل والسابقة تزكم الأنوف، والقادم سوف يظهر لنا تماماً طبيعة ما تم الاتفاق عليه بين الدكتوران والنظام الحاكم فهذه التمثيلية الإعلامية ليست موجهة فقط لعموم الناس في مصر لكن خارج مصر أيضاً، والواقع أن كل ما يقال من وعود هو هراء فالوعود والتنازلات الحقيقية يتسابق الاثنان في تقديمها إلى الحزب الحاكم أكثر ومن يتنازل أكثر تكن له الأفضلية رئيس حزب يقال أنه معارض لم نراه يعارض من قبل ثرى ومن عائلة ثرية ذات نفوذ عميق وذو تاريخ كان له دور كبير هو ومنافسه في الإيقاع بنعمان جمعة من أجل أن ينزل إلى أتون انتخابات الرئاسة السابقة لكي يمثل واجهة وديكور مناسب أمام النظام خاصة بعد أن رفض خالد محي الدين قبول دور الكومبارس، ويا له من ديكور رئيس أكبر حزب معارض وله تاريخ عريق داخل مصر وتاريخ ملهم لكثير من دول العالم للأسف، وعميد سابق لكلية الحقوق واجهة جيدة بالفعل فعفارم على أباظة والبدوي أن استطاعا توريط المستبد الصغير حاكم الوفد السابق بنزوله وقبوله دور الواجهة والكومبارس ولا عجب بعد ذلك أن كانت جائزتهما الإطاحة بنعمان وغض البصر من جانب النظام ولجنة أحزابه ذلك الاختراع العجيب الظريف، وأصبحا يسيطران على الحزب بالبلطجة والحيلة وفرض الأمر الواقع مع دعم الحكومة الكامل وبدون ذلك كان المستحيل الرابع هو زحزحة وتغيير نعمان داخل مملكته حزب الوفد فالتغيير الديمقراطي داخل الوفد هو أصعب منه بكثير داخل الحزب الوطني نفسه وزحزحة حاكمه كان أمراً يفوق الخيال هكذا هو حال مصر وهكذا هو حال الأحزاب والقانون المنظم للاستبداد داخلها فكل شيء داخل مصر يخضع للقانون الأزلي وهو البقاء والاستبداد كلاً في مكانه وكلاً في منصبه مهما تعددت أو اختلفت المناصب، إذاً لا تغيير داخل الوفد دون الاستعانة بدعم الحزب والسلطة المهيمنة على مصر وكانت الصفقة الثانية لك الوفد يا أباظة ومن بعدك البدوي سكرتير عام الحزب في ذلك الوقت، ولكن اختلفا الحليفان بشكل أو آخر فتفرغ أباظة لاهتمامه الوحيد وهو الحزب وابتعد البدوي متفرغاً لإقامة وتعضيد إمبراطوريته المالية والذي هو مطالب بكشف كل تفاصيلها وتفاصيل صعوده وحجم ديونه لو كان يتشدق بالديمقراطية كما يقول، ثم رأينا بعد ذلك أباظة عضواً في مجلس الشعب وذلك في غفلة من الزمن دون سابق إنذار، ومن العجب أن رئيس أكبر حزب معارض في مصر أخوه وزير مهم أيضاً في حكومة الحزب الوطني وقد جاء هو الآخر في غفلة من الزمان. أما السيد البدوي فلا بأس أنت أيضاً في عيوننا افتح بدل القناة اثنين وثلاثة وأربعة في الوقت الذي لا يستطيع فيه أحد أن يفتح جورنال والذي تخسر فيه كافة القنوات الإعلامية من كثرة الازدحام وطوفان القنوات الرهيب، ومن بديهية الأمور أن رأس المال جبان لكن في مصر رأس المال بجح وشجاع لدرجة أن يصبح صاحب البزنس والقنوات مرشحاً لحزب يدعى المعارضة وكأن روح هذا المال ورقبته ليست في يد الحكومة خاصة الإعلام الذي تسيطر عليه الدولة سيطرة شبه كلية، وكأننا في دولة ديمقراطية كإيطاليا وكأن السيد البدوي هو برلسكوني أي هراء هذا فالذي كافأ وفتح الباب على مصراعيه للبدوي يريد البدوي أن يوهمنا بأنه مناضل ومعارض عتيد وسوف يكون نداً ومعارضاً شرساً لهذه الحكومة ذات الأفضال عليه، وهو الذي لم نراه معارضاً من قبل بأي حال ولم يعرفه الناس إلا كصاحب قنوات الحياة تحلى ولو كانت وحلة، أي هراء هذا وأي سخف واستخفاف بعقول الناس، إن هؤلاء الحاكمين في عزبة الوفد وغيرها من الدكاكين الحزبية الحزب الحاكم هو بالنسبة لهم شريان الحياة إذا وقع وقعوا معه وإذا استمر استمر بقاءهم وهذا كلامهم والله، فهم مترابطون متشابكون تماماً يكمل كلاً منهما الآخر ولكل دوره ولكل مقامه ونفوذه، حتى أنني أتذكر حفل زواج بنت الحاكم السابق نعمان حيث كانت الحكومة كلها حاضرة وكان الجميع فرحون ولا تشعر بينهم بأية غربة أو جفاء وكأنهم جميعاً أسرة واحدة فيها الكبير وفيها الصغير وتتوالى الصفقات لكنها صفقات غير مكتوبة كما ادعى الكاتب عمار على حسن فليسوا بحاجة للتدوين أو التوثيق فمصر بلد ضد التدوين والتوثيق على الإطلاق. فالصفات المشبوهة لا تدون وأهل الحكم في مصر على مر التاريخ ومنذ مجيء الثورة المباركة ضد التوثيق فمحاضر الثورة نفسها غير موثقة وتاريخ مصر عجين غير معروف أو موثق فما حاجتهم أصلاً لأن يوثقوا لا عجب عندنا وجم صفوت الشريف حين سأله الراحل مجدي مهنا متى تكتب مذكراتك فانتفض قائلاً أنا ما أكتبش مذكراتي أنا ما عنديش أسرار علشان أرويها حقاً فماذا يروى في عصر الشفافية والديمقراطية العظيم الذي نحيا فيه فكل شيء واضح ولا حاجة لكتابته. بل ويتكلم الجميع عن ديمقراطية الوفد وديمقراطية الحياة الحزبية في مصر والتنافس الشريف بين الدكتوران وكأن الوفد به ديمقراطية فعلاً، هل انعدم الوفد من أبنائه الثوريين حقاً وأين باقي أبناء الوفد ممن يحترقون حباً فيه وفي وطنهم وهل اقتصر الوفد على هذان واللذان لا يختلفان عن بعضهما في شيء سوى الموالاة ودرجة التنازلات للسلطة وهل بينهما أية فروق أم أنهما نسخة متطابقة أما الوفديين حقاً فيعلمون تماماً وهم قلة أن المعركة غير شريفة ويلعب المال والقرب من السلطة الدور الرئيسي في قواعد المنافسة ولا مكان لأحد سوى هذان، ولننتظر جميعاً الصفقات القادمة في انتخابات مجلس الشعب ثم الرئاسة، وكما قال هذا الرجل العجيب رفعت الغير سعيد في مقولته الشهيرة بعد أن أدان شباب مصر وإضرابهم العظيم يوم 6 أبريل "مستمرون في نضالنا وفى كفاحنا" حقيقة المعارضة المصرية مستمرة في نضالها التليفزيوني وأباظة والبدوي مستمرون في نضالهم وكفاحهم على جثة الوفد وعلى أنقاض وطن.