عذبنى كثيراً، ووقف فى طريق نجاحى، وسرق منى الكثير من الفرص الكبيرة التى كان يكفى واحدة منها لتغير مصيرى كله، والأدهى من ذلك كله أنه ينوى الانتقام منى، وأعد عدته لمحوى من الوجود، وتزييف ما يتبقى منى. هل تعرفون من هو ذلك الظالم الجبار، إنه ذلك العجوز الغامض ذو اللحية البيضاء الطويلة، الذى يدعى التاريخ. آه من ذلك المراوغ عندما ينقلب من حافز إلى عبء، نضعه فى اعتبارنا، ونعمل حسابا كبيراً للكلمات التى سيكتبها عنا فى أوراقه الأسطورية، فنفرض على أنفسنا الكثير من القيود، ونواصل الرتوش فى صورتنا ونحن نحلم بالدخول من بوابته، لنشرب من ماء الخلود، ثم نكتشف أن ذلك الإمعة ليس إلا كاتبا أجيرا يخشى بطش الأقوياء، ويملأ صفحاته بما يريده المتسلطون والمخادعون والقادرون على شراء ذمته بالمال أو السلطة أو الضجيج. انظروا كم كتب فى أوراقه عن أحمد نظيف وأبوالليف وسوزان تميم وسوزان مش تميم، فى الوقت الذى تجاهلنى وتجاهل محمد ابراهيم، وأحمد على، ووليم رزق، وسوسن يوسف، ومريم جاد، وملايين مثلنا يطمسهم ذلك المدعى فى كلمتين فقط «ملح الأرض»، هكذا يضيع وجهى واسمى ووجودى، فيما يوزع المعلق الرياضى على «اللاعبين» تصاريح الدخول من بوابة التاريخ، وبسهولة تسمعه يهتف بلا كسوف أن اللاعب سجل اسمه بحروف من نور فى سجلات التاريخ.. لقد أحرز هدفا تاريخيا فى مباراة تاريخية، حضرها زعماء تاريخيون، ونحن «ملح الأرض» نجلس فى المدرجات كتلا مبهمة موزعة على لونين (حكومة ومعارضة أو مسلمون وأقباط، أو أهلاوية وزملكاوية، أو...) نعطى للعبة سخونتها وطعمها، ونهلل للفائز ونحزن للخاسر، ونتشاجر لأن اللاعب التاريخى أشار لرئيسه التاريخى أو زميله التاريخى إشارة تاريخية مثيرة لجدل تاريخى، فعوقب بقرار تاريخى، ثم خففوا عنه الحكم فى استثناء تاريخى، وبدلاً من إعدام «اللاعب» مثلا.. مثلا، يحتجزونه فى فندق 5 نجوم لفترة تاريخية يعيد فيها حساباته من أجل استعادة دوره التاريخى. الله على هذا التخريف الذى لا معنى له، ومع ذلك يمكنه أن ينشر فى «مدينتى» باعتباره نصاً تاريخياً يمكن الرجوع إليه فى أرشيف الذاكرة الإنسانية التى تصم آذانها عن أنين المرضى وشكاوى الجياع والمظلومين وتتسع لتصريحات يوسف بطرس غالى ومرتضى منصور، وأخبار أحمد عز ومنة شلبى، وسيناريوهات وحيد حامد وأحمد البيه، وأفيشات جمال مبارك ومحمد سعد! قبل تخرجى بسنوات كنت أحلم بأن أتخرج فى الجامعة لأعمل براتب كبير يصل إلى 100 جنيه، وعشت حتى أصبحت هذه المائة وضعفها أيضا ورقة واحدة فقط، وشاهدت زميلى التاريخى يدفعها بقشيشاً فى فندق تاريخى بعد عزومة دفع فيها قيمة المهر الذى ادخره على مدى سنوات انتهت بجمعية تاريخية لمساعدته على أن يتزوج زميلتنا فى الجامعة، والتى طلقها قبل سنوات لأنها لم تعد تناسب الوضع التاريخى الجديد الذى صار فيه. سبحان الله، مازلنا نتحدث عن ضرورة التغيير برغم كل هذا الطوفان من التغيير، لقد تغير كل شىء فينا وحولنا حتى لم نعد نعرف هل نحن الذين نواصل حياتنا أم أننا أصبحنا آخرين؟، وأنا شخصيا أعتبر نفسى شخصاً آخر، لقد سرقوا روحى وأحلامى ووجهى، ومنحوا حياتى لساكن آخر أراه من بعيد وهو ينتعل جسدى ويعيش حياة لا أحبها ولا أوافق عليها، لكن التاريخ يواصل التزييف ويكتب، إنها حياتى أنا، وفى هذه اللحظة النادرة التى أستطيع فيها كواحد من «ملح الأرض» أن أمرر هذا التصريح من وراء ظهر التاريخ. أؤكد لكم أن هذه الحياة التى أعيشها ليست حياتى، وهذه الأرض الموبوءة بالفساد ليست بلادى، وهذا التاريخ الذى يقصم ظهرى ليس تاريخى ولا تاريخكم يا «ملح الأرض»، لكنه تاريخ اللصوص الذين سرقونا، فمتى نستعيد حياتنا الضائعة؟ أجيبوا.. [email protected]