استوقفتنى وضايقتنى كلمات سمعتها مراراً من أحد السياسيين إذ يقول لاأعرف سبباً لتأخر ملك الموت عن المفسدين فى الأرض وهى كلمات يُرددها بعض الناس بدون وعى وبينما ذهنى مشغول بتك الكلمات أثناء أحد الجنازات فوجئت برجل عجوزكبير فى السن يقوم بتغسيل الأموات أمامى فإستجمعت شجاعتى وقلت فرصة لإجراء حوار حصرى معه لن يتكرر فهو صاحب تجربة وخبرة فقلت له مرحباً بك علمت انك تقوم بتغسيل الأموات منذ سنين طويلة فنظر لى بتعجب وقال غريب أمرك كل الناس لايرحبون بى فقلت له الصراحة هذا صحيح لأنك تأتى فى وقت الفجيعة ولكنى الآن أريد إجراء حوار معك عن غرائب أيضاً يعتقدها بعض الناس لغلبة الجهل وقلة الإيمان واليأس من تغير الأحوال فقال لى قل بسرعة فأنا مشغول وليس عندى وقت فقلت له أرجوك اصبر معى أول تساؤل لبعض الناس أن ملك الموت يتأخر عن قبض أرواح المفسدين فى الارض فقال مُغسل الأموات ملك الموت عبد لله لايتأخر أبداً عن تلبية أمر الله فالله يأمره ياملك الموت اقبض روح فلان فيمتثل لأمر خالقه ثم ألا يعلم هؤلاء أن الله قال فى كتابه الكريم (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) فقلت له بسرعة نعم آمنت بالله ولكن كثير من الناس ضاع بينهم القرآن واليأس استولى على عقولهم وقلوبهم من تسلط المفسدين فقاطعنى مُغسل الأموات قائلاً ماهى حكايتكم مع الفاسدين فقلت له لقد احتلوا بلاد المسلمين بالجبروت والطغيان وأفسدوا البلاد والعباد وطال طغيانهم كما يحدث فى فلسطين مثلاً فقال مُغسل الأموات وماعلاقة ملك الموت بهذا ألا تعلمون أنه ابتلاء من الله ليختبركم فيزداد المؤمنين ايماناً بصبرهم على العمل الصالح وينفضح المنافقون فينكشفوا بين الناس فقلت له نعم ولكن لقلة الإيمان أصبح كثير من الناس يعتقدون أن ملك الموت هو المُنجى لهم من الفاسدين وينتظرون قدومه على أرواح الفاسدين فتستريح البلاد والعباد منهم فإبيتسم مغسل الأموات ابتسامة مرعبة لى وقال يعتقد هؤلاء أن ملك الموت هو المُنجى لهم ولماذا لايُُنّجون أنفسهم هم من الفاسدين فقلت له وأنا أتمتم العين بصيرة واليد قصيرة والسجون كثيرة فصاح بى ماذا تقول فإرتعدت وقلت له أكلم نفسى فقال لى وهل هذا من أدب الحديث فقلت له وقلبى تتسارع دقاته والله ماأقصد أصل المشكلة كبيرة لكن دعنى أقول لك بعض مايعتقده هؤلاء أيضاً فقال مغسل الأموات قل بسرعة عندى عمل كثير قلت له والله أعرف جيداً فالبعض يقول أن هؤلاء الفاسدين يملكون أموال وجيوش وبلاد ويملكون أسباب العلاج من كل داء وكُل نعم وقوة الدنيا عندهم فعندهم أسلحة تقتل خلايا جسم الإنسان وتصل إلى بلاد بعيدة وتقتل الألاف بضغطة زر فلذلك يعتقد البعض لجهلهم أنه لذلك يتأخر عنهم ملك الموت فغضب الشيخ مُغسل الأموات غضباً شديداً وصاح وقال غريب أمر هؤلاء الناس ألايؤمنون بالله خالق السموات والأرض ألا يسمعون قول الحق(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة ) ألا يسمعون قول الحق ﴿إنَّما أمرُهُ إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ لَهُ كُنْ فَيَكون﴾ثم هل رأيتم جبار أو فاسد ُخلّد فى الأرض فقلت له الحقيقة أن كثير من هؤلاء لايسمعون كلام الله وبعضهم يسمع ولكنه اليأس ألا تعرف اليأس يا شيخ فإستغرب وقال لى ما اليأس فقلت فى نفسى فرصة أُعّرفه شىءفقلت له إنه الذى جاء فى قول الحق تبارك وتعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ )فقال العجوز مُغسل الأموات أعتقد أنكم لاتفهمون الآية فسكت فقال إن بقية الآية( وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين) فاليأس هنا من تكذيب قومهم لهم مع إيمان الرسل بنصر الله ثم هل أنتم عملتم ما أمركم به الرسل من مقاومة المفسدين بالمعروف والعمل الصالح حتى تسألوا الله النصر فقلت له الحقيقة لا بل كثير من الناس غافلين ومنهم تاركى الفرائض والأركان ومنهم من يحارب القرآن ومنهم منافقين متواطئين ومنتفعين بالفساد فقال العجوز ومع ذلك تستعجلون موت الظالمين الفاسدين فقلت له نعم فاستعجب الرجل وقال حتى أنت فقلت له إنما أنا مؤمن بكتاب الله وحكمته وقدره خيره وشره ولكنى إنسان مسلم يشعربآلام الناس من الفساد والظلم فقال مُغسل الأموات وهل لك رغبة فى موت جبار فقلت له بينى وبينك هذه ليست رغبتى وحدى إنما رغبة شعبية والقائمة كبيرة فقال الرجل ولماذا تهمس فقلت له هذا من أصل المشكلة فهؤلاء الظالمين يراقبون كل الإتصالات ويملكون أدوات تجسس تراقب الناس فى كل مكان بالأقمار الصناعية فتعجب مغسل الأموات قائلاً ولكن ينبغى أن تعلم أن حوارك معى لايراقبه إلا الله ويهمنى إرسال رسالة للناس أذكركم أيها الناس أن الموت قدر محتوم فلاتخافوا منه بل خافوا من تقصيركم وتضييعكم لأمر الله و عليكم بفهم قول الله (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور )ومشكلتكم أنكم لاتعملون أحسن العمل ولقد غسلت بيدى هاتين أغنياء وفقراء ومؤمنين وفاسدين وأمراء وحقراء وكبار وصغار فالموت حق لايفرق ومع ذلك اذا قرأتم القرآن فستجدوا أن الله تبارك وتعالى لم يترك جبار ولاقرية ظالمة إلا وأهلكهم فالحق يُمهل ولايُهمل وتذكّروا ( إن ربك لبالمرصاد)ثم قال الرجل قبل أن أتركك أذكرك أن الله أرسل ملك الموت فقصم الطغاة والجبابرة والمفسدين فى الارض وراجعوا التاريخ والله سبحانه لن يترك ظالم ولافاسد ولاجبار إلا وقصمت فقلت خير الحمد لله ثم تابع مُغسل الأموات وُأذكّرك وُأذكّر كل الناس وكل من على الأرض أن (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ") فإنتفضت منتبهاً وقطعت حوارى معه وانصرفت وأنا أتصبب عرقاً وُأردد أشهد أن لااله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله اللهم أحينى عليها وإجعلها حسن خاتمتى وآخر كلامى فى الدنيا