رحمة الله على الفنان «عبدالفتاح القصرى» صاحب أشهر قول كوميدى مأثور: «أنا كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدا».. وبعد زجرة من حرمه المصون، يرد بكل قوة وكبرياء وشموخ.. «خلاص.. هتنزل المرة دى»!! كانت نكتة ومشهداً لا تخطئه عين كل من يحب مشاهدة فيلم «ابن حميدو».. وإذا بالزمن يقدم لنا كبار «عيلة نظيف أفندى».. كل منهم يؤكد فى مواجهة عمال غزل المحلة.. ومتحدياً عمال السكك الحديدية.. وآخر رافضا مطالب موظفى الضرائب العقارية، أو اتحاد الكتاب، ثم مع الصيادلة.. وبعدهم من تمسك بكلمته وأصر على نسبة ال10% عند اللجوء للتقاضى، وأخيراً كان الوزير «الموسوعى» الذى تحدى العاملين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون بجملة الفنان «عبدالفتاح القصرى» الشهيرة «أنا كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبداً».. ونتلقفها نحن «معشر الصحفيين» لننشرها ك«مانشيت» للصحف القومية.. ثم نخفى فى الصفحات الداخلية قولته «خلاص هتنزل المرة دى»!! وعلى العكس تفعل الصحف المستقلة والحزبية.. فهى تنشر «أنا كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدا» كخبر صغير فى صفحة داخلية.. وبعدها بأيام تتلقف جملة «خلاص هتنزل المرة دى» لتنشرها فى صفحتها الأولى على أقل تقدير، وإن كانت تأخذ مكانها ك«مانشيت» فى معظم هذه الصحف!! اللعبة الجديدة تتكرر يوما بعد الآخر.. دون أن يتعلم وزراء «عيلة نظيف أفندى» الدرس.. فكلهم أقوياء أشداء على «الشعب المصرى الشقيق» وفى رواية أخرى «الشعب المصرى الضعيف» لكنهم يكتشفون أن هذا الشعب «مكسور الجناح» قادر على أن يحولهم إلى «مسخرة»!! أعود بالذاكرة إلى مصر فى منتصف العام 1976.. وكنت طالباً جامعياً أقرأ فى الصحف وأتابع فى أحياء العاصمة تلك الإضرابات والاعتصامات المتكررة والمتتابعة، وأندهش من تصريحات وزراء ذلك الزمان.. فهى كانت أكثر خجلا من تصريحات العصر الحديث.. وكانت كلماتهم أشد حزما وتحمل فى طياتها كل القوة والحسم.. لم يكترث أحد – وقتها – بالإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات.. بل إن أحد الوزراء ذهب إلى السخرية من واحدة من تلك المظاهرات والاعتصامات.. ولها حكاية تستحق أن أرويها.. ففى مدينة الطلاب لجامعة القاهرة خرجت مظاهرة ضد الدكتور كمال زكى، نائب رئيس الجامعة، والمشرف على المدينة الجامعية – آنذاك – رداً على قرار له، يحظر استخدام السخان الكهربائى فى غرف الطلاب فخرجوا هاتفين: «يا كمال إزاى.. إزاى.. مانقدرش نشرب شاى»!! وكانت مصر فى تلك المرحلة تعيش على صراخ «الشعب المصرى الضعيف» فى وجه رئيس مجلس الشعب بهتاف.. لو عاد بنا الزمان لقبلنا رأس من هتفنا ضده.. فقد كنا نقول: «سيد بيه.. يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه»!! والفارق بين كيلو اللحمة بجنيه وكيلو اللحمة ب«خمسين جنيه» 33 سنة، لكنه على مستوى كفاءة الساسة والوزراء 330 سنة بحساب التضخم فى الذات وبطالة فهم الواقع مع تخفيض سعر استفادة المصريين من وزرائهم.. لأن الوزير أيام كيلو اللحمة بجنيه كان له وزن وثقل وكلمة ومنطق أكبر بكثير جدا من وزراء زمن كيلو اللحمة أبو خمسين جنيه.. ربما لأنهم لم يكونوا قد تطوروا وتعلموا منهج «عبدالفتاح القصرى» الشهير: «خلاص هتنزل المرة دى»!! أعود والعود أحمد إلى آخر نسخة من «وزراء خلاص هتنزل المرة دى» عقب وقفة العاملين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. فالوزير المبدع فى «بيع الكتب والأدوات المدرسية» قرر قبل أيام أنه لن يتراجع عن تنفيذ ما يراه خططاً وبرامج لانتشال الإعلام المصرى من الغرق.. فإذا به يقفز مع الإعلام «الغرقان» فى عمق الأزمة مذعناً وموافقاً على مطالب المظلومين من أصحاب الكفاءات والموهوبين – وغير الأكفاء وغير الموهوبين – لأنه لا يعرف غير قوة القرار الإدارى.. واستيراد الخبراء فى تدمير التليفزيون المصرى مقابل عشرات الملايين، بل مئات الملايين من الجنيهات، ليظهر لنا على الشاشة مرة الأهرامات الثلاثة ثم يخفيها تارة ويقدم هرماً واحداً.. ويتعمد تقديم البرامج السياسية المهمة خلال وقت تنعدم فيه المشاهدة، ويقدم برنامجيه المفضلين «البيت بيتك» على القناة الثانية و«مباشر من القاهرة» على قناة النيل فى لحظة هبوب عواصف «العاشرة مساء» و«90 دقيقة» و«الحياة اليوم» و«القاهرة اليوم».. لتنعدم رؤياه وسماع صوته تماماً.. ويخرج علينا مؤكداً أن هناك خطة تطوير جديدة.. وقد تتبعها خطة أخرى جديدة.. فالخطط الجديدة هى الأكسجين الذى يعيش عليه مسؤولو هذا الزمان. الدكتور يوسف بطرس غالى، وزير المالية، أشهر من يعتنقون منهج «خلاص هتنزل المرة دى».. فعلها فى المحلة وكررها مع موظفى الضرائب العقارية.. ثم أبدع مع الصيادلة.. وكان لطيفاً حين قال بعد أزمته مع اتحاد الكتاب: «كنت أشكو من تعب فى عينى فلم أقرأ جيدا»!! فهو القائل عن أزمة الضرائب العقارية: «هانحلها بقعدة عرب»!! وعلى نهجه سار رئيس مصلحة الضرائب الذى طرد وفد نقابة الصيادلة.. وأمس أخذ رئيس مصلحة السكك الحديدية الطريق نفسه – وربنا يستر – فهم أساتذة وعباقرة وأصحاب كلمة وموقف حاسم وشامخ!!. لا مانع من أن «تنزل كلمتهم المرة دى».. ولهم فى التاريخ أسوة حسنة.. حتى لا نبدو من هواة التعسف.. فقد وقف ذات يوم الدكتور عبدالرزاق عبدالمجيد، وكان نائباً لرئيس الوزراء ورئيساً للمجموعة الاقتصادية.. فقال بخفة ظل وحسم شديدين تحت قبة البرلمان: «وشرف أمى الاقتصاد المصرى بخير والموازنة العامة آخر تمام السنة دى»!!. نراقب نحن أعضاء «الجالية المصرية فى القاهرة» هذه السلسلة من المواقف الكوميدية – قل الهزلية - ونفوض الأمر لله و«للشعب المصرى الضعيف».. ونسأل المولى عز وجل أن يحمينا من أى 17 و18 يناير.. ويبعدنا عن كل 25 و26 فبراير.. ويمنحنا الصبر على كوميديا السياسة فى زمن حكومة الدكتور «أحمد نظيف» الذى ينتقد السياسة الإعلامية، ويحلم بأن تتطور الصحف القومية.. كحلم الضعفاء وقليلى الحيلة من المواطنين.. فهو لا يقدر على استيعاب ما يحدث حوله، ويستعين على قضاء حوائجه بالمنهج السياسى الجديد «خلاص.. هتنزل المرة دى»!! ملحوظة: فكرة هذا المقال صاحبها الأستاذ مجدى الجلاد، رئيس تحرير «المصرى اليوم»، وأشكره على تنازله لأتناولها من وجهة نظرى، وله كل الحق فى أن يشرح لنا هذا المنهج السياسى المثير بطريقته وأسلوبه. [email protected]