هل نسيت يوماً أنا أو أنت، عبدالفتاح القصري وهو يضرب الأرض بقدمه قائلاً لزوجته: أنا كلمتي مش ممكن تنزل الأرض أبداً، ولكنها تصرخ فيه وعيناها تتسعان قائلة: حنفي فيخفض رأسه بكل رشاقة وكياسة: خلاص تنزل المرة دي. وليس القصري وحده في الذاكرة وإنما إسماعيل يس ونجيب الريحاني وبشارة واكيم والنابلسي وزينات صدقي وماري منيب وصولاً للمهندس ومدبولي ومحمد عوض وفرقة الثلاثي سمير وجورج والضيف وفرقة المشاغبين حسن مصطفي وسعيد صالح و يونس شلبي وعادل إمام وسهير البابلي ونجوم أخري مثل سعاد يونس والمنتصر بالله وسهير الباروني ونظيم شعراوي، لا أستطيع إحصاء الكل وأأسف لأن أسماء عديدة أفلتت مني ولكنني تذكرتها جميعاً حين توقفت صدفة أمام القناة الثقافية وهي تنقل حفل ختام مهرجان الضحك أو الدورة الأولي لهذا المهرجان المصري الجديد. بالطبع الضحك ليس جديداً علي مصر ولكن إقامة مهرجان له هو الجديد وهو ليس مهرجاناً سنوياً فقط وإنما نصف سنوي، كما أعلن الدكتور أشرف زكي وكيل الوزارة المسئول عن الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة أما السبب فهو «مواجهة الإسفاف والابتذال في جميع الوسائل المرئية والمسموعة ظناً منهم، أي الهلاسين أنهم يتمتعون بدم خفيف أو يقدمون كوميديا وهي في الأصل لا علاقة لها بالكوميديا» انتهي كلام أشرف زكي بجريدة الأخبار والحمد لله أنه نشر قبل نقل التليفزيون لاحتفال الختام الذي كان دعوة للبكاء والدموع. ونحن نري تكريم من تبقي من نجوم الضحك وكأنه جزء من فيلم ينتمي إلي البلاك كوميدي أي التراجيدي السوداء حين صعد إلي المسرح سمير خفاجة المسرحي وصاحب فرقة المتحدين علي كرسي متحرك وبعده بقليل صعد للتكريم علي كرسيه المتحرك أيضا الكوميديان فؤاد خليل وصعدت النجمة دلال عبدالعزيز لتتسلم جائزة، ثالث لم يقدر حتي علي الحضور علي كرسي متحرك وهو جورج سيدهم، بينما أحاط الباقون بهؤلاء مثل سعيد صالح ومحمود القلعاوي وسهير الباروني وتسلمت ابنة عبدالله فرغلي تكريمه، كما تسلم الكاتب أكرم السعدني تكريم والده الكاتب الكبير محمود السعدني، أي أننا في الحقيقة صحونا من نوم طويل لنتذكر هؤلاء الموهوبين الكبار وأنهم يستحقون التقدير والتكريم والبناء علي ما أنجزوه قبل أن يضيع الضحك منا وينقطع سلسال الكوميديا المصرية. كان المشهد عبر الشاشة مثيرا للألم ومع ذلك فإن تكريمهم فكرة محترمة كان مفترضًا الاهتمام بها بشكل أكبر عبر الإعلام الأكثر جماهيرية وهو التليفزيون بقنواته فهؤلاء أضحكوا المصريين والعرب أجيالاً متتالية والاحتفال بهم لا يصح أن يوضع في قناة ضعيفة الجماهيرية خصوصاً مع اتساع جماهيرية قنوات الهلس والابتذال والضحك بالقوة وهو نوع جديد غير الذي نعرفه في تفنيط أنواع الضحك إذ يقول لنا خبراؤه وكتابه: إنه يوجد ضحك يصيبك بالبهجة وضحك يصيبك بالغم الأول يصل بك إلي تأمل مفارقات حياتك والسخرية منها والتعالي عليها والثاني يعطيك جرعة يتجاوز فيها الألم أي بهجة فيصيبك بالإحباط وقد ينتهي هذا سريعًا بعد أن يدفعك للتأمل الذي من الممكن أن يجرك إلي مناطق أخري من القلق والكآبة. الأفضل من هذين النوعين الضحك الثالث أي الضحك من أجل الضحك فقط حين تتفاعل معه تشتغل عضلات وجهك وتقهقه.. ثم ينتهي كل شيء.. كنا «زمان» نرفض هذا الضحك ونصفه بالابتذال لكن بعض الدراسات العلمية الأخيرة أكدت فائدته لصحة الانسان النفسية والعقلية، وكنا زمان أيضًا نمارس الضحك بانتظام كهواة ومحترفين، بيننا وبين أنفسنا كبشر ومع ما يقدمه نجوم الضحك الكبار وكم أحصينا منهم وركيزتنا في هذا مواهب متدفقة من المسرح إلي السينما ثم الإذاعة «نجوم ساعة لقلبك» ثم التليفزيون ومسارحه، وضعنا كل واحد وواحدة في خانته وفقاً لنوع الضحك الذي ينتزعه منا، وحتي الفيلم أو المشهد الذي لا يبارحنا من أيام عزيز عثمان في «لعبة الست» إلي علي الكسار «سلفني تلاتة جنيه» إلي الريحاني «سي عمر» إلي شويكار «سيدتي الجميلة» إلي كل من أهدي إلينا عطره من هؤلاء المحسوبين علي زمن مختلف. أما الآن فلم نعد نستطيع أن نحصي ما لدينا، العدد قليل كان عادل إمام آخر من صمم علي استمرار عروضه الكوميدية علي المسرح والآن أصبح وجوده السينمائي هو الباقي مع القليل من النجوم الجدد الذين لم يصنعوا لأنفسهم تاريخاً نحصيه، وإنما بدايات واعدة تحتاج لبناء متين لتستمر.. وهناك هجمة شرسة من البعض لدخول العالم الإعلامي والفني باعتبارهم مضحكين، واغتصاب ضحكاتنا لكنها حيل لا تنفع معنا بعد كل هذه الخبرة والمتعة في عالم هؤلاء الكبار.. فبناء كوميديان ليس سهلاً.. كما أن صعوده واستمراره يحتاج لجهد وعرق وفكر وثقافة وإيمان بالعمل الجماعي «وضع تحتها مائة خط» بجانب الموهبة والكاريزما. ولهذا يصعد كل يوم عشرات الممثلين الجدد الموهوبين بسرعة.. وبعد سنوات تكتشف من بينهم كوميدياناً.. أو مشروعاً يحتاج لمشروع آخر لكي يدهشنا.. ويضحكنا من القلب.. والمفروض الآن ممن نظموا مهرجاناً للضحك أن يلحقوه بمسابقة حقيقية لاكتشاف نجوم جدد للضحك بين ملايين المصريين.. ولن يخيبوا.